إسلام ويب

تفسير سورة الزخرف (12)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كل خلة يوم القيامة تنقطع إلا خلة كانت في الله ولله سبحانه وتعالى، فما كان لغير الله صار ذلك اليوم عداوة وضغينة، وأصبح الأخلاء يلعن بعضهم بعضاً، وأما ما كان لله فإنه ينفع في الآخرة كما نفع في الدنيا، فالزوجة تنتفع بصلاح زوجها، والوالد ينتفع بمقام ولده، والأخ يرفع إلى درجة أخيه، فيجتمع المؤمنون في رضوان ربهم، يتمتعون بما آتاهم من فضله، حيث أورثهم سبحانه جنته.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فها نحن مع هذه الآيات من سورة الزخرف المكية، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ [الزخرف:67-73].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67]، من هم الأخلاء؟

    الأصحاب الأحباب المتحابون في هذه الدنيا على الباطل والشر والفساد، الأخلاء الذين كانوا يحب بعضهم بعضاً في الدنيا، ويتخلل الحب قلوبهم.

    الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ [الزخرف:67] يوم القيامة بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [الزخرف:67]، إذا قمنا من قبورنا وأصبحنا في ساحة فصل القضاء فالأخلاء -والله- بعضهم لبعض عدو إلا المتقين؛ لأن الهالك الشقي من أهل الفسق والفجور والكفر ما يرضى عن صاحبه الذي دعاه إلى الباطل وحمله على الشر ورغبه فيه، بل يلعنه ويهرب منه.

    سبب نزول الآية الكريمة

    قالت العلماء: هذه الآية نزلت في أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط في مكة، أبي بن خلف هذا من شر الناس، وعقبة بن أبي معيط كذلك، إلا أن عقبة بن أبي معيط كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة والوحي ينزل، والمؤمنون أفراد قلائل، كان يجلس مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: عقبة بن أبي معيط صبأ، أي: مال عن دينه راغباً في دين جديد، أشاعوا هذا، ووجهوا لومهم على صديقه وخليله أبي بن خلف ، فما كان من أبي بن خلف إلا أن قال له: يا عقبة ! إما أن تتفل في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فوجهي لا يرى وجهك أبداً! حتى يرضي المشركين، وبالفعل -ومع الأسف- تفل في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ونذر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله، فقتله صبراً في بدر بإذن الله، أي: أوقفه وهو مكبل وقتله، فاستجاب الله نذر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأبي هلك في أحد، ونزلت هذه الآية: الأَخِلَّاءُ [الزخرف:67] عقبة بن أبي معيط وأبي بن خلف ومن مثلهم بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [الزخرف:67]، متى هذا؟ يوم القيامة عند الوقوف في عرصات القيامة وساحة فصل القضاء، لا تجد كافراً يحب كافراً في ذلك اليوم، لا تجد فاسقاً يحب فاسقاً ولا فاجراً يأوي إلى فاجر؛ لأنهم أعداء لبعضهم، هم السبب في الفسق والفجور والكفر والشرك، فلذلك يتعادون.

    هذا الخبر من أخبر به يرحمكم الله؟ الله تعالى، قال: الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ [الزخرف:67] أي: يوم القيامة بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [الزخرف:67] اللهم إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] فبعضهم مع بعض أحباء، هذا صديقي الذي كان يأخذ بيدي إلى المسجد ويقودني إلى الجهاد، ويرغبني في النفقة في سبيل الله، هذا الذي بواسطته قمت الليل والنهار، فهم يتحابون ويتعارفون.

    فالناس صنفان: كافرون ومؤمنون، فالكافرون بعضهم أعداء لبعض يوم القيامة وإن كانوا في الدنيا من أشد المحبين، والمؤمنون الصادقون في الآخرة أحباء كما كانوا في الدنيا، بل يزداد حبهم.

    حقيقة المتقين وأهمية العلم في تحصيل التقوى

    هذا معنى قول الله تعالى: الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67]، من هم المتقون؟ هل هم بنو هاشم؟ بيض، صفر، عرب، عجم؟ من هم يرحمكم الله؟ من هم المتقون؟

    هم الذين خافوا عذاب ربهم وغضبه عليهم، فآمنوا حق الإيمان وعملوا الصالحات، وتركوا المنكرات والمنهيات، هؤلاء هم المتقون في الأولين وفي الآخرين، آمنوا حق الإيمان وأطاعوا الله والرسول بفعل ما أمرا به وترك ما نهيا عنه.

    وأنتم تعلمون أنا نقول غير ما مرة: لا بد لك يا عباد الله، ولا بد لك يا أمة الله من أن تعرفي أوامر الله ما هي وكيف تفعلينها، أن تعرفي نواهي الله حتى تتركيها وتتجنبيها، لا بد من العلم الضروري، وإلا فمستحيل أن تكون تقياً وشيمتك التقوى وأنت ما تعرف ما يحب الله ولا ما يكره، كيف تكون تقياً؟ لا بد من معرفة ما يحب الله من الاعتقادات، من الأقوال، من الأفعال، من الصفات، من الذوات حتى تفعل ذلك طاعة لله، ولا بد أن تعرف ما يغضب الله ويسخط الله من الشرك والغش والخداع والكذب والنفاق والباطل حتى تتجنبه وتبتعد عنه، وبذلك تكون تقياً.

    فهل عرفتم المتقون من هم؟ ما هم ببني فلان أو فلان أو فلان، ولا بغني ولا فقير ولا أبيض ولا أسود، بل المتقي عبد آمن حق الإيمان وأطاع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في فعل ما أمرا به وفي ترك ما نهيا عنه، فلهذا من المستحيل أن يكون عبد الله ولياً وهو غير تقي، ولا يمكن أن يوجد تقي وهو ما عرف ما يحب الله ولا ما يكره الله، كيف يتقيه؟

    لا بد من معرفة ما يحب الله من الاعتقادات والأقوال والأعمال والصفات والذوات، وما يكره الله من ذلك، ويفعل المحبوب ويتجنب المكروه، هذا هو عبد الله الولي، هذا هو التقي.

    فلهذا لا يوجد ولي جاهل، والله! ما يوجد، مستحيل أن جاهلاً ويكون ولياً، لماذا؟ لأن الولاية لله بشرط الإيمان وطاعة الرحمن، وهذا ما عرف بم يطيع الله، لا يتوضأ ولا يصلي ولا يصوم، كيف يكون ولياً؟

    لا بد من العلم أولاً، ولاية الله تتحقق بالإيمان وعمل الصالحات وترك المحرمات، وهي التقوى، واسمعوا قوله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ [يونس:62] ما لهم؟ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] لا في الدنيا ولا في القبر ولا في الآخرة. من هم أولياء الله؟

    الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] وكانوا في دنياهم وحياتهم يتقون غضب الله وسخطه، بم يتقونه؟ بطاعة الله ورسوله، بفعل الأوامر وترك النواهي.

    هذا معنى قوله تعالى: الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088523310

    عدد مرات الحفظ

    777118425