ثم قال تعالى:
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ 
[الزخرف:72] الجنة ما هي كجنان الدنيا فيها كذا شجرة، بل جنة عرضها السماوات والأرض، اتساعها كاتساع السماوات السبع والأرضين السبع، لو خِطنا سماء إلى سماء بخيط واحد وجئنا إلى الأرض ومزقناها سبع أرضين فوالله! إن الجنة أعرض منهن.
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
[الزخرف:72] من الإيمان وصالح الأعمال، من الرباط والجهاد، من قيام الليل والصيام والصلاة، من فعل الخيرات وترك المنكرات، بما كنتم تعملون ورثتموها، وهل الجنة تورث؟ أي نعم، والنار تورث.
بيان ذلك: أنه قبل أن يخلق الله الجنة علم عدد سكانها، ما خلقها حتى علم عدد سكانها، وما خلق النار ولا أوجدها حتى علم سكانها.
ثم جعلهم يتوارثون، كل مؤمن ورث مقام ذلك الكافر، كل مؤمن في الجنة ورث مقام ذلك الفاسق، كل كافر في النار ورث مقام فلان الذي هو في الجنة، كل من في النار مقامه ورثه من فلان؛ لأن الله خلق للجنة أهلاً وللنار كذلك.
أما كان الله ولا شيء معه؟ وخلق النار وخلق الجنة؟ إذاً: وخلق الإنس والجن، ولما خلق مجموعة البشر عرف عددها وأحصاها قبل أن يخلقها، وعرف ما يفعلون وما يتقون، فكتب لهم مقاماً في الجنة ومقاماً في النار، وخلق النار وخلق أهلها وعرف أنهم يفسقون ويكفرون، وتوارث أهل الجنة وأهل النار، أهل الجنة ورثوا مقامات أهل النار في الجنة، وأهل النار ورثوا مقامات أهل الجنة في النار.
هذا معنى قوله تعالى:
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا
[الزخرف:72] من ورثنا؟ أليس الله؟ لا آباؤنا ولا إخواننا، بل الله ورثنا إياها، وبين سبب الإرث، فهل بالبطولات والفروسية؟ بالسحر والتدجيل؟
قال تعالى:
بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
[الزخرف:72] من الإيمان والعمل الصالح.
ثم قال تعالى:
لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ 
[الزخرف:73] لكم فيها فاكهة كثيرة، لا يتصور عدد هذه الفاكهة ولا لونها، ولا كونها يابسة وناعمة وخضراء وبيضاء وحمراء.. أنواع لا حد لها.
مِنْهَا تَأْكُلُونَ
[الزخرف:73] وهنا سأل الأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم: إذاً: كيف يأكلونها؟ بطونهم ما تتسع لهذا الماء وهذا الطعام؟ فقال: ذاك جشاء يتجشؤه المؤمن ورشح كرائحة المسك يخرج منه، يتحول ذلك الطعام والشراب إلى جشاء وإلى رشح كرشح المسك، ويعطون عطية أخرى، وهي: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر إذا أكلوا وشربوا، فهذه تسد حاجتهم.
ولا يتفلون ولا يبصقون ولا يتمخطون ولا يتغوطون أبداً، وكل ذلك يخرج جشاء من أفواههم ورائحة طيبة من أبدانهم، وهكذا ملايين السنين بلا نهاية، ويلهمون: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، هذا غذاء آخر.
ومن هنا نقول للسامعين والسامعات: اتخذوا هذه السنة من سنة أهل الجنة، إذا شبعت، إذا ارتويت فاحمد الله وأثن عليه: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر.. سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، دقيقتين أو ثلاث أو ربع ساعة، ما دمت شبعان وأنت تذكر الله عز وجل.