قال تعالى:
وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا 
[الزمر:47]، أي: من أموال
وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ 
[الزمر:47]. أي: من شدة العذاب وهوله، لكونه لا يطاق ولا يقدر عليه كائن أبداً من عباد الله؛ ولو كان له ما في الأرض جميعاً ومثله معه لطالب الفداء به حتى لا يدخل النار ولا يعذب بعذابها.
ومظاهر الظلم التي يظهر فيها ويتجلى ثلاثة:
الأول: وهو أقبح أنواع الظلم: هو ظلم العبد لربه تعالى، ويكون ذلك بإعطاء حقوق الله لغيره من المخلوقات، والظلم هو: وضع الشيء في غير موضعه، وجميع أنواع العبادات هي حق الله، فقد خلق العباد ورزقهم ليعبدوه، فمن سلبها منه وأعطاها لغيره فقد ظلم أفظع أنواع الظلم وأشره.
ولهذا يقول تعالى في كتابه العزيز:
إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
[لقمان:13]. فهو ظلم لله، لأنه هو الذي خلقك ورزقك وخلق الحياة كلها لك، وأنت تعيش في كنفه وحفظه ثم تعطي عبادته لغيره، إن هذا لا يجوز وهو من الظلم القبيح، والعبادة هي: ما تعبدنا الله به، ومن أعظم ما تعبدنا به: الدعاء؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( الدعاء هو العبادة ). فلا يوجد عبادة أعظم من الدعاء، ومن دعا غير الله فقد أخذ حق الله تعالى وأعطاه لغيره.
وإليكم صور واضحة تتجلى لكم بها حقيقة العبادة، وأن العبادة هي: الدعاء:
إنك إذا رفعت يديك إلى الله، دل ذلك على أنك عبد فقير إليه ولولا فقرك ما رفعت يديك إليه ليقضي حاجتك، كما أنه رفع اليدين إلى من فوقه، وهو الله الذي فوق عرشه بائن من خلقه.ثم إنك حين تقول داعياً: يا رب! يا رب! تعلم أن الله يسمع نداءك ولذلك دعوته، كما أن الداعي قد علم أن الله يراه ويرى كفيه المرفوعتين إليه، ويرى فقره وحاجته وأنه يسمع نداءه، وأخيراً لو كان هناك غير الله يقضي حاجته ويعطيه سؤله لدعاه ولكن ذلك غير موجود البتة. فلهذا الدعاء هو العبادة، ومن دعا غير الله فقد أشرك بالله، ومأواه جهنم وبئس المصير.
وقد عرف هذا أعداء الإسلام فجعلوا المسلمين يدعون غير الله:فبعضهم يدعون إدريس!والبعض عبد القادر !والبعض فاطمة والبعض الحسين !والبعض رجال البلاد! والبعض يدعون أولياء الله..! وهذا يسخط الله ويغضبه عليهم، والذي وضع هذا هم اليهود والنصارى والمجوس، فترى أحدهم يقف على القبر ويدعوا : يا سيدي فلان! مع أنه لا يسمعه، ولا يعلم أنه واقف على قبره، ولا يستطيع أن يمد يده إليه ليقضي حاجته،ومثل هذا لا يجوز أبداً،
وقد انتشر هذا بين المسلمين من إندونيسيا شرقاً إلى موريتانيا غرباً، والذي صنع بنا هذا هم أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس؛ حتى هبطنا، ثم حكمونا وسادونا، وقهرونا وأذلونا.
فمنعونا من الوسيلة الشرعية حتى لا نتصدق بمال، ولا نصوم، ولا نتهجد بليل، ولا بغيرها من العبادات، وجعلونا نكتفي بالتوسل بحق فلان وجاه فلان، وهو توسل باطل، وهو من كيد اليهود والنصارى والمجوس، فلا ينبغي أن نتوسل: بحق فلان ولا بجاه فلان أبداً، وإنما نسأل الله تعالى ونتوسل إليه بالأمور المشروعة فقط.
والثاني: ظلمك لنفسك، ونفسك طاهرة مشرقة من حين نفخها الملك فاحفظ إشراقها ونورها، فإذا صببت عليها قناطير الذنوب والآثام، قضيت على طهرها، وسودتها وخبثتها ونتنتها، وأصبحت عفنة لا يرضاها الله ولا يسمح أن تعرج إليه. وعندما يستلم ملك الموت روح العبد فإن كانت طاهرة مشرقة نقية، فإنه يعرج بها إلى السماء الأولى ويستأذن، فيفتح لها، وتفتح لها السماء الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة وتدخل الجنة، ويسجل اسمها في عليين. وإن كانت خبيثة منتنة مظلمة لا يفتح لها باب السماء الأولى، وتعود إلى أسفل سافلين. فظلمك لنفسك يا عبد الله: هو أن تحملها على ترك ما أوجب الله، أو تحملها على فعل ما حرم الله.
وظلم فلان نفسه أي: خبثها ونتنها وعفنها؛ بذنوبه وآثامه، والذنوب والآثام تكون إما بترك واجب أوجبه الله أو بفعل محرم حرمه الله.
والظلم الثالث: ظلمك لإخوانك من بني آدم، كفاراً كانوا أو مؤمنين، فلا تظلم أحداً؛ فإن الله حرم الظلم على نفسه،فسبك وشتمك وتقبيحك وتعييرك لأخيك، وسلبك لماله، وانتهاك عرضه ظلم له
وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ
[الزمر:47]. وبدا: أي: ظهر فظهر لهم وشاهدوا الجحيم ولهبها، والسلاسل والأغلال، ولم يكونوا يظنون ذلك في عقولهم.
وهنا لطائف منها: أن من الناس من يسخر ويستهزئ ويقول: ليس هناك عذاب ولا جحيم وجنة ولا سعادة ولا غيره، وهذا هو احتساب الملاحدة والعلمانيين والبلاشفة الحمر.
وهناك احتساب من هو منغمس في الذنوب والآثام، ولا يحتسب أن الله يجزيه بها، فيتلاعب ويتلاهى ويعرض عن الجزاء، ويواصل في ذنوبه وآثامه، وقد كان أحد الصالحين من السلف عند مرضه الذي مات فيه متحيراً فسألوه: عن حيرته فقال: أخشى من هذه الآية:
وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ
[الزمر:47].
قال تعالى:
وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا 
[الزمر:48]. أي: ظهر لهم سيئات ما كسبوا، أما الآن ما تظهر للظالمين ولا للمفسدين سيئاتهم أبداً ولكن تظهر يوم القيامة.
ثم قال تعالى:
وَحَاقَ بِهِمْ
[الزمر:48]، أي: وأحاط بهم
مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون
[الزمر:48]. وهذه الآية تتناول الكافرين والمشركين والظالمين. والله تعالى أسأل ألا نكون ظالمين ولا مشركين ولا آثمين.
فعلينا أن نستعين بالله على أداء الواجبات في حدود قدرتنا، ونستعين به على ترك المنهيات، وليس في المنهيات ما يجب عليك أن تعمله أبداً؛ لأنها إنما تتعلق بالترك والإهمال فقط، لكن الواجبات قد تعجز عن فعل بعضها.