قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم:
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ 
[الزمر:19]؟ أي: يا رسولنا لا تكرب ولا تحزن ولا تتألم إذا ما استجاب عمك
أبو لهب، ولا ولده ولا فلان ولا فلان؛ فإن هؤلاء حقت عليهم كلمة العذاب، ووجبت قبل أن تُخلق السماوات والأرض فهو مكتوب في كتاب المقادير، أنهم من أهل النار، بسبب الشرك والكفر والذنوب والآثام، وفي الآية تخفيف عن رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يحمل هماً عظيماً لا ندركه.
وقوله تعالى:
أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ
[الزمر:19]؟ أي: هل تستطيع أن تنقذ شخصاً في نار جهنم؟ الجواب: لا تستطيع، وهؤلاء قد كتب الله شقاءهم قبل أن يخلقهم، وعرف أنهم سيفجرون ويفسقون ويخرجون عن طاعته، ويرضون بالباطل الذي هو ضد الحق، فكتب ذلك في كتاب المقادير قبل أن يخلقوا، فهم والله لن يسلموا ولن يهتدوا ولن يدخلوا إلا جهنم أبداً، ولعل بعض الصالحين يصعب عليهم فهم هذه القضية.
فأعيد القول فيها وأكرره: بأنه :( قبل أن يخلق الله الخلق، خلق القلم، وقال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب كل ما هو كائن إلى يوم الدين )، إذاً: فكتب الله كل الأحداث الموجودة في الكون في هذه الحياة الدنيا، حتى حركة اليد مكتوبة بنفس الحركة التي تحركتها، وجلوس الناس لطلب العلم مكتوب، فلهذا انتظمت الحياة وأحداثها العجيبة العظيمة، وكلها تتم حسب تلك الكتابة، وقد تقدم معنا أن الله مسح ذرية آدم من صلبه واستنطقها فنطقت، إذاً: فعلم الله أن أبا لهب سيعرض عليه الإسلام ويبشر به ويرغب فيه فلا يستجيب، وسيحاول أن يؤذي رسولنا ويتعرض له بالأذى، فكتب ذلك في كتاب المقادير. وحين يُخلق أبو لهب لا بد وأن يطبق ذاك الذي كتب عليه، فلا يؤمن ولا يسلم، كـأبي جهل وغيره.
وحين ترى عبداً صالحاًُ فاعلم أن الله قبل أن يخلقه علم أنه سيكون من الصالحين، ومن العقلاء البصراء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات فكتب له ذلك، إذاً: فادع إلى دينه وإلى توحيده بالتي هي أحسن، ومن أجاب فلنفسه ومن أعرض أعرض على نفسه، في هذا بيان الدعوة الإسلامية الصحيحة وأنها تكون بأحسن الوسائل.
هداية الآيات
قال: [ هداية الآيات ] والآن مع هداية الآيات.
[ من هداية هذه الآيات:
أولاً: كرامة زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي ؛ إذ هذه الآية تعنيهم فقد رفضوا عبادة الطاغوت في الجاهلية قبل الإسلام ثم أنابوا إلى ربهم، فصدقت الآية عليهم ] لقد أبوا أن يدخلوا في الكفر مع أنه لا يوجد رسول ولا نبي، وكان الناس يعبدون الأصنام فقالوا: لن نعبد إلا خالقنا، فلما جاء الإسلام أقبلوا عليه، فأثنى الله تعالى عليهم وبشرهم بهذه البشرى.
[ ثانياً: فضيلة أهل التمييز والوعي والإدراك الذين يميزون بين ما يسمعون، فيتبعون الأحسن ويتركون ما دونه من الحسن والسيئ ] لأنه قال: أولي الألباب، فليسوا كالجهّال الذين يتخبطون في الحياة.
[ ثالثاً: إعلام من الله تعالى: أن من وجبت له النار أزلاً لا تمكن هدايته مهما بذل الداعي في هدايته وإصلاحه ما بذل ] فلهذا على الداعي إلى الله أن يدعوا إلى الله بالتي هي أحسن فقط، ولا يكرب ولا يحزن إن لم يؤمن بعض الناس .
[ رابعاً: بيان ما أعد الله تعالى لأهل الإيمان والتقوى من نعيم الجنة وكرامة الله لأهلها ].