إسلام ويب

تفسير سورة الزمر (8)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن لغة ضرب الأمثال لغة مؤثرة، فرب مثل يذكر في مناسبة يكون له من الأثر أضعاف ما يتحصل من الكلام في الموضوع الأساسي، ولغة القرآن ليست خلواً من هذا، بل إنه يزخر بالأمثال التي يضربها حول قضايا شتى، ومن ذلك ضربه لمثل الذي يعبد آلهة متعددة بالعبد الذي يشترك في ملكيته أكثر من شخص، ومثل هذا لا يستقيم له حال معهم، بعكس الذي يكون عبداً لرجل واحد يأتمر بأمره، وينفذ توجيهه دون مشقة أو حيرة أو تردد.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر:27-31].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ [الزمر:27]. وقد ضربها من أجل أن يهتدي الناس إلى الطريق المستقيم، حتى يكملوا في دنياهم ويسعدوا، ويتهيئوا لسعادة في الدار الآخرة والخلد والبقاء الدائم فيها.

    وهذه الأمثال التي ضربها عديدة كثيرة، فقد ضرب مثالاً للحياة والموت، وللبعث والجزاء، وللنبوة وعدمها، وللإيمان والكفر، وللحق والباطل، وللخير والشر، وما ترك جانباً من جوانب الحياة إلا وضرب له مثلاً في هذا القرآن، وأول من يدخل في هذه الأمثال العرب، وخاصة أهل مكة، ثم تتناول الناس أجمعين، وغير العرب يترجم لهم القرآن ليعرفوا هذه الأمثال، فالقرآن العظيم الكريم، الذي نزل من عند الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، يحوي مائة وأربعة عشر سورةً،وستين حزباً، وثلاثين جزءاً، ضرب الله فيه من الأمثال ما شاء أن يضرب، ومع هذا ما زال القوم مصرين على الكفر والشرك والعياذ بالله تعالى.

    وقوله: لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [الزمر:27]. أي: يتعظون؛ لأن المثل إذا ضرب للعاقل فهو عبارة عن صورة ذهنية تهديه وتبين له الطريق وتصلح عقله وقلبه، فضرب الله لهم الأمثال؛ من أجل أن يتعظوا فيتوبوا إلى ربهم فيؤمنوا بالله وبلقائه، وبرسوله، ويعملوا بشرعه، كل ذلك والله في غنى عنهم وعما يعملون، ولكن من أجل إكمالهم وإسعادهم في الدنيا وفي الآخرة، وهذا من إفضال الله وإنعامه، وإحسانه على البشرية، إذ هو يضرب الأمثال ويكررها؛ من أجل هدايتهم وإصلاحهم، وهو لا ينتفع ولا يتضرر أبداً، وإنما كل هذا من أجل أن يكمل الناس ويسعدوا في الدنيا والآخرة، فالحمد لله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089172455

    عدد مرات الحفظ

    782417148