إسلام ويب

تفسير سورة المجادلة (3)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من آداب المجالس التي حض عليها الإسلام ووجه إليها أتباعه اجتناب التناجي، وقد بين أن التناجي في المجالس من الشيطان؛ ليسبب للمؤمنين الحزن والضيق والشك، وقد كان اليهود والمنافقين يكثرون منه في مجلس الرسول بالرغم من نهيهم عن ذلك، وقد بين الله لرسوله ولعباده المؤمنين أنه يحفظهم من كيد الكائدين ومن خطط المتناجين المتآمرين، ثم وجه سبحانه المؤمنين إلى اقتصارهم في النجوى على البر والتقوى وترك التناجي بالإثم والعدوان.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الأمسيات الربانية ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن اليوم مع سورة المجادلة المدنية، ومع هذه الآيات منها، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوتها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المجادلة:8-10].

    مكر اليهود والمنافقين وكيدهم للمؤمنين في كل زمان ومكان

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى [المجادلة:8]، سبق في الآيات المتقدمة أن الله أخبر أنه ما يكون من نجوى ثلاثة إلا والله رابعهم، ولا خمسة إلا والله سادسهم، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا، ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة، إن الله بكل شيء عليم، كما أخبرنا أنه إذا تناجينا أن نتناجى بالمعروف وبالخير، وإذا تساررنا فإنه يجب أن تكون أحاديثنا خيراً لا شر فيها، وحقاً لا باطل فيها، ومعروفاً لا منكر فيها، وقد أعلن هذا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ( لا يتناجى اثنان دون الثالث )، وهذا لأن المنافقين واليهود كانوا إذا رأوا المسلمين جالسين يأخذون في التناجي ليخوفوهم ويرعبوهم، فيقول المؤمن: لعلهم يريدونني بسوء أو شر، وكذلك إذا تناجى المنافق مع اليهودي، فيقول المؤمن: لعل هناك من يريد أن يغزونا، وهؤلاء لعل عندهم علماً بذلك، أو لعل السرية التي خرجت من المدينة قد انهزمت وعلمها عندهم، ولذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ( لا يتناجى اثنان دون الثالث )، وإذا بهم يستمرون على المناجاة معاندين ومكابرين، فأنزل الله تعالى قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى [المجادلة:8]، والذي نهاهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ [المجادلة:8]، أي: ينهاهم ويبلغهم النهي وينتهون ثم يعودون للمناجاة مرة أخرى؛ ليزعجوا المؤمنين ويقلقوهم ويدخلوا التعب والرعب في نفوسهم والعياذ بالله.

    حرمة التناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول

    أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ [المجادلة:8]، بماذا؟ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المجادلة:8]، لا بالبر والخير، أي: يتكلمون سرياً فيما بينهم، اثنان وثلاثة وأربعة، وليس بشيء فيه تقوى الله ولا خير، بل فيه الطعن والسب والشتم والتقبيح للمسلمين، وهذا هو شأن أعداء الإسلام إلى اليوم من اليهود خاصة وغيرهم.

    أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى [المجادلة:8]، والذي نهاهم هو ربهم على لسان الرسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يتناجى اثنان دون الثالث )، وهاهم يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المجادلة:8]، فلو كان التناجي بالخير والحق والمعروف لما كان فيه بأس، لكنه بالإثم والعدوان، وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ [المجادلة:8]، أي: يقول بعضهم لبعض: اعصوه ولا تطيعوه ولا تستجيبوا له ولا تخافوه ولا ترهبوه، وهم يعنون بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا ليقووا صفوف الكافرين والمنافقين ضد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين في المدينة.

    تحية اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم

    ثم قال تعالى: وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ [المجادلة:8]، أي: يجيء واحد منهم فيقول للنبي صلى الله عليه وسلم: السام عليك يا محمد، أي: الموت عليك يا محمد، فيقول الرسول: وعليكم، مع أن الله حيا رسوله بقوله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وهؤلاء يقولون: السام عليك! ويلوون ألسنتهم بذلك، وَإِذَا جَاءُوكَ [المجادلة:8]، أي: يا رسولنا! حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ [المجادلة:8]، فالله ما حيا رسوله بكلمة: السام عليك، أو الموت عليك، وإنما بالسلام عليك يا رسول الله أو يا نبي الله.

    استعجال اليهود لعذاب الله تعالى

    ثم قال تعالى: وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ [المجادلة:8]، أي: يقولون في أنفسهم: لو كان هذا نبياً لعذبنا الله ونحن نسبه ونشتمه وندعو عليه بالهلاك، أو لو كان هذا نبياً لأنزل الله بنا العذاب والهلاك ، فهكذا يخبر الله تعالى عنهم أنهم يقولون مثل هذا الكلام.

    رد الله تعالى على من يستعجل عذابه

    وعند ذلك قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ [المجادلة:8]، أي: إذا ما عذبوا في الدنيا، أو ما أراد الله أن ينزل بهم صاعقة أو يرسل عليهم ملكاً فيفنيهم، وذلك لحكمة أرادها سبحانه وتعالى، فيكفيهم جهنم وبئس المصير، وعلى كلٍ هم يقولون: ما دام أن الله لم ينزل علينا العذاب فمحمد ليس برسول، ولهذا نسبه ونشتمه ونحاربه ونقف ضده، فرد الله تعالى عليهم بقوله: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا [المجادلة:8]، أي: يكفيهم جهنم، فإذا ما عذبوا الآن بالوباء والبلاء والصواعق كما عذبت أمم سبقت، فيكفيهم جهنم والعياذ بالله، فَبِئْسَ الْمَصِيرُ [المجادلة:8]، يصيرون إليه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088516601

    عدد مرات الحفظ

    777067252