بيان الحكمة من البعث الآخر
ثم قال تعالى:
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ 
[سبأ:4]، فلم أوجد الله الدار الآخرة؟ إنه لابد من الساعة، وإنه لا بد وأن تنتهي هذه الحياة ويوجد الله حياة أخرى دائمة وخالدة وأبدية، وبالتالي فما الحكمة؟ وما العلة؟ وما السبب؟ قال تعالى:
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ 
[سبأ:4]، وهم الصائمون والقائمون والمرابطون والمجاهدون والمنفقون والذاكرون والراكعون والساجدون، إذ قد عُمروا ثمانين أو عشرين أو أربعين عاماً، وبالتالي فمتى يُجازون؟ هل في هذه الدار؟ الجواب: لا، إذ إن هذه الدار ليست دار جزاء وإنما هي دار عمل فقط، وهذا يعني أنه لابد من انتهاء هذه الحياة ووجود حياة أخرى للجزاء.
جزاء من جمع بين الإيمان والعمل الصالح
ثم قال تعالى:
أُوْلَئِكَ 
[سبأ:4]، أي: السامون الأعلون الفائزون،
لهم مَغْفِرَةٌ 
[سبأ:4]، لذنوبهم يوم القيامة،
وَرِزْقٌ كَرِيمٌ 
[سبأ:4]، أي: طيب ومبارك ألا وهو نعيم الله في الجنة دار السلام، إذ فيها المآكل والمشارب والملابس ونعيم لا حد له ولا حصر، وكل هذا للذين آمنوا وعملوا الصالحات، أما الذين آمنوا ولم يعملوا الصالحات فليس لهم هذا الجزاء، وكذلك الذين عملوا الصالحات وما آمنوا فليس لهم هذا الجزاء، والحقيقة أن من آمن حق الإيمان فلابد وأن يعمل الصالحات، إذ لا يفترق الإيمان والعمل الصالح، فهما متلازمان وأحدهما تابع للثاني.
والأعمال الصالحة هي الفرائص والواجبات والنوافل والآداب التي أوحى الله بها إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي مبينة في كتابه وبينها رسوله بفعله وقوله وإقراره، من صيام وصلاة ورباط وجهاد وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وذكر الله والركوع والسجود، فهذه كلها هي الصالحات، أي: التي تصلح النفس وتزكيها وتطهرها.