قال الشارح: [ من هداية الآيات: أولاً: بيان إكرام الله تعالى لآل داود وما وهب داود وسليمان من الآيات ]، بيان إكرام الله وإنعامه وإفضاله على آل داود وسليمان وأسرتهما وما أنعم به عليهما.
قال: [ ثانياً: فضيلة صنع السلاح وآلات الحرب لغرض الجهاد في سبيل الله ]، فضيلة صنع السلاح من أجل الجهاد في سبيل الله، فهذا داود كان يصنع الدروع، فدلت الآية على فضيلة صنع السلاح من أجل الجهاد في سبيل الله.
قال: [ ثالثاً: مركبة سليمان سبقت صنع الطائرات الحالية بآلاف السنين ]، إذ قال تعالى في سفينة أو مركبة سليمان عليه السلام:
غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ
[سبأ:12].
قال: [ رابعاً: شرع من قبلنا شرع لنا إلا ما خطأه الدليل، كتحريم الصور والتماثيل علينا ولم تحرم عندهم ]، ولابد من وقفة هنا، فأقول: قد ذكر تعالى أن الجن كانوا يصنعون لداود وسليمان تماثيل من الحديد ومن العاج ومن الخشب، إذ كان هذا مباحاً في شريعة داود وسليمان عليهما السلام، وذلك لحكم عالية أرادها الله تعالى، فقد كانوا ينتفعون بها، فلما جاء الإسلام نسخ هذا ولم يجزه أبداً، وبالتالي فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يصنع صوراً أو تمثالاً أو يشتريه أو يعطاه ويجعله في بيته أو في مسجده أو في بستانه، والتمثال كالصورة، أي: لا يحل لمؤمن اقتناؤه ولا كسبه ولا صنعه ولا شراؤه ولا بيعه، وحسبنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون ).
فلهذا نصنع أو نرسم البناء والبساتين والجبال والدور وغير ذلك، أما شخصاً أو إنساناً أو حيواناً فلا يصح أبداً حتى ولو كان نملة فضلاً عن الجمل والبعير، وقد يقول قائل: ها هو الله قد أذن لنبيه سليمان في هذا؟ قلنا: هذا شرع من قبلنا، وقد أذن الله في ذلك لحكمة عرفها الله تعالى، فلما رأى تعالى أن هذه الصور لا تنفع هذه الأمة نهى عنها حتى لا تكفر وتعبد غير الله، وقد حرمها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ في النهر: [ لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المصورين ولم يستثن، فقال: ( إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم ) ]، فمن يستطيع أن يحيي ميتاً؟! قال: [ وفي البخاري: ( أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون )، وحديث الموطأ: ( إلا ما كان رقماً في الثوب )، فهو وإن خص جميع الصور، فإن حديث عائشة رضي الله عنها دل على كراهيته، إذ قال لها عليه السلام: ( أخرجيه عني )، فهتكته، والرخصة في لعب البنات لما في الصحيح على شرط ألا تكون كأشباه التماثيل ]، فذهب مالك إلى جواز ذلك مع الكراهة، وذلك إذا كان هناك في الثوب شيء، لكن الكراهة دائمة وباقية، ثم إنه قد أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لـعائشة وهي طفلة في السابعة من عمرها أن تلعب مع البنات، وذلك بأن يوجدن صوراً صغيرة من اللعب لعلهن يتدربن على تربية الأولاد إذا كبرن، فعفا الشارع الكريم عن البنات اللواتي يلعبن بهذه التماثيل التي هي من خشب أو عود وعليها غشاء أو غطاء.
قال: [ خامساً: وجوب الشكر على النعم، وأهم ما يكون به الشكر الصلاة والإكثار منها ]، فما إن نزل قوله تعالى:
اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا
[سبأ:13]، إلا وقال سليمان: اكفوني النهار وأنا أكفيكم الليل، فلم تر مسجداً من مساجدهم فارغاً في أية ساعة من راكع أو ساجد.
قال: [ سادساً: تقرير أن علم الغيب لله وحده ]، علم الغيب لله وحده، لا للإنس ولا للجن ولا للملك ولا للنبي ولا لأحد، فعلم الغيب قد استأثر الله تعالى به، ومن علمه الله فقد علِم.