إسلام ويب

تفسير سورة سبأ (4)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله عز وجل ينعم على من يشاء من أنبيائه ورسله بما يشاء سبحانه من النعم إلى جانب نعمة النبوة، ومن ذلك أنه سخر لداود الجبال والطير تسبح معه، وآتاه الله القدرة على معالجة الحديد وتشكيله ليصنع منه ما يشاء من دروع وسلاح وغيرها، كما سخر سبحانه لسليمان الإنس والجان، وأسال له النحاس، يصنعون له ما يشاء من المحاريب والتماثيل والجفان، فضلاً منه سبحانه على من يشاء من عباده.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات من سورة سبأ المباركة الميمونة ثم نتدارسها، قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ * فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ [سبأ:10-14].

    امتنان الله على نبيه داود بتسبيح الجبال والطير معه

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه الآيات الكريمة التي سمعتموها من فوائدها أنها تقرر النبوة المحمدية، إذ من أين لمحمد بن عبد الله النبي الأمي أن يتحدث بهذا الحديث أو يقص هذا القصص أو يذكر هذه الأحداث العظام؟ لولا أنه رسول الله يوحى إليه وينزل إليه كتابه ما تحدث بذلك.

    قال تعالى وقوله الحق: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا [سبأ:10]، وداود هو أحد رسل وأنبياء بني إسرائيل، فيخبر تعالى أنه قد أعطاه فضلاً عظيماً، وأول هذا الفضل أنه نبأه وأرسله وملكه وسوده وأصبح حاكماً وسائداً، ومن ذلك الفضل أنه إذا ركب سفينته أو دابته أو فرسه وسبح الله عز وجل وتغنى بذلك فإن الجبال والطير تردد معه، وقد كان لداود صوت حسن، بل مزمار، ولفظ المزمار لغة تعني: الصوت الحسن، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـأبي موسى الأشعري: ( لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود )، بمعنى: صوتاً حسناً، والصوت الحسن مستحب وخاصة عند تلاوة القرآن وعند الأذان.

    وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا [سبأ:10]، ومن ذلك: يَا جِبَالُ [سبأ:10]، أي: قلنا: يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ [سبأ:10]، أي: رددي معه التسبيح، وَالطَّيْرَ [سبأ:10]، كذلك، وهذا هو أول الإفضال والإنعام.

    امتنان الله على نبيه داود بتليين الحديد له

    أما ثاني الإفضال فهو: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ [سبأ:10]، بمعنى: ألنا له ذلك الحديد الصافي والصعب، إذ يعجنه كما يعجن الدقيق والطين، وذلك لحكم عالية وهي صنع الدروع والسلاح لمحاربة المشركين والكافرين، وهذا إنعام إلهي وإفضال رباني، وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ [سبأ:10]، إذ إنه أصبح ليناً هشاً كالطين أو كالعجين، لمَ؟

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088548135

    عدد مرات الحفظ

    777262531