ثم قال تعالى في خبر عظيم آخر:
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ 
[محمد:17] الصنف الأول صنف المنافقين، والصنف الثاني صنف المؤمنين الموحدين.
والذين اهتدوا إلى صراط الله وإسلامه وعبدوا الله زادهم هدى فوق هداهم، وأعطاهم تقوى الله عز وجل، يسرها لهم، أعانهم عليها، وفقهم لها فهم يعيشون أتقياء بررة صالحين من فضل الله عليهم، فمن هؤلاء؟ الذين آمنوا بقلوبهم وألسنتهم وجوارحهم، وأطاعوا الله وأطاعوا رسوله صلى الله عليه وسلم، فاللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وارض عنا كما رضيت عنهم.
ثم قال تعالى مخاطباً رسوله والناس أجمعين:
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ 
[محمد:19]، يجب على كل إنسان أن يعلم أنه لا إله إلا الله، وكيف يعلم أنه لا إله إلا الله؟
يجب أن يعلم بالسؤال، بالبحث، بالتدبر، بالتأمل، بالتفكر حتى يعرف أنه لا إله إلا الله، والطريق إلى ذلك -معشر المستمعين والمستمعات- هو أولاً: أن تذكر أنك مخلوق، ومن يقول: أنا لست بمخلوق، فذلك مجنون لا عقل له، فهل يوجد من يقول: أنا لست بمخلوق؟ انظر إلى هذه الحيوانات حولك فقط، هل هي مخلوقة أو لا؟ فإن كانت مخلوقة فهل لها خالق أو لا؟ وهل يوجد مخلوق بلا خالق؟
إن كأساً فيه شاي أو حليب والله! لا يوجد إلا بموجده، فكيف بهذه الحيوانات؟ انظر إلى السماء وما فيها من الكواكب والشمس والقمر، من أوجدها؟ ومن قال: لا، ما هي بموجودة فهذا مجنون لا عقل له، ما هو بعاقل أبداً، إذاً: هي موجودة ولها موجد، ومستحيل ألا يكون لها موجد.
إذاً: فالمخلوقات كلها لها خالق، ألا وهو الله، واسمه الأعظم: الله، هذه المخلوقات مخلوقة مرزوقة حياتها مدبرة، أليس كذلك؟ فهل يصلح أن يكون منها شيء إلهاً؟ مستحيل؛ إذ هي مخلوقات مربوبات، والله دبرها وأوجدها، فهل يوجد بينها إله؟ والله! لا يوجد ومستحيل، ومن ثم تعلم أنه لا معبود إلا الله، فلا إله إلا الله أي: لا معبود يستحق العبادة إلا الله.
يقول تعالى:
فَاعْلَمْ
[محمد:19] ماذا نعلم؟
أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
[محمد:19] كيف نعلم؟
نقول: هذه الكائنات كلها مخلوقة مربوبة، لا يمكن أن يوجد فيها إله أبداً، فخالقها ومدبر أمرها هو الله، إذاً: هو الإله الحق، فلا إله إلا الله، والله! لا إله إلا الله، ومئات الآلهة المعبودة كلها آلهة باطلة، أصنام، وتماثيل، شمس، قمر، شياطين، عيسى، مريم؛ هؤلاء يؤلهونهم ووالله! ما هم بآلهة؛ إذ لا إله إلا الخالق الرازق المدبر ألا وهو الله، فلا إله إلا الله.
وبذلك علمنا أنه لا إله إلا الله، علمنا يقيناً أنه لا إله يستحق أن يؤله في هذه الأكوان إلا واحد ألا وهو الله، فقلنا: نشهد أن لا إله إلا الله.
معنى قوله تعالى: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات)
معنى قوله تعالى: (والله يعلم متقلبكم ومثواكم)
ثم قال تعالى:
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ 
[محمد:19]، والله جل جلاله وعظم سلطانه يعلم متقلبكم في أعمالكم في المزارع والبساتين والمصانع والمتاجر، والأكل والشرب، ويعلم مثواكم على فرشكم، فهو معكم أينما كنتم.
إذاً: فأنتم تحت رقابة كاملة، إذاً: فراقبوا الله عز وجل، فإياكم أن تعصوه، إياكم أن تخرجوا عن طاعته بأية معصية، إنكم مراقبون:
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ
[محمد:19].
ويعلم متقلبنا في الدنيا ومثوانا في القبر أيضاً، ويعلم متقلبنا في الدنيا ومثوانا يوم القيامة إما في الجنة وإما في النار. فاللفظ هنا عام، لكن التفسير الأول يتلاءم مع الموعظة، إذا علمت أنك مراقب في كل أعمالك، في متجرك، في بستانك، في مكانك، وأنك مراقب عندما تأوي إلى فراشك، في هذه الحال لا تعصي الله عز وجل، ما تقوى على الخروج عن طاعته.
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ
[محمد:19] مكان النزول والسكون والاستقرار والإيواء.