والآن مع هداية الآيات فتأملوا! قال الشارح: [ من هداية هذه الآيات: أولاً: بيان نشأة الإنسان الأب والإنسان الابن، وما تدل عليه من إفضال الله وإكرامه لعباده ]، من هداية هذه الآيات أو مما تهدي إليه هذه الآيات: معرفتنا لخلق الله تعالى لنا ولخلق أبينا آدم عليه السلام، وذلك لنذكر الله دائماً ونشكره، وقد عرفنا كيف خلق الله آدم؟ وكيف خلقنا؟ وذلك بمنه وكرمه سبحانه وتعالى، وما ألزمه أحد بذلك، وإنما هو إكرام الله وفضله علينا.
قال: [ ثانياً: حاستا السمع والبصر وجودهما معاً أو وجود إحداهما ضروري للتكليف مع ضميمة العقل ]، من هداية الآيات: أن حاسة السمع والبصر ضروريتان، إذ إنه لا تكليف إلا بهما، وبالتالي من فقد سمعه وبصره فلا تكليف له، فلا يؤمر بصلاة ولا بجهاد أبداً، وهذا مع العقل أو مع البلوغ أيضاً، وهنا أعطى الله العبد حاستي السمع والبصر ليعبده ويكلفه، إذ لو ما أعطاه ذلك فإنه ليس بمكلف ولا يطالب بشيء، وقد قلت لكم: إن فقد العبد السمع فقط فمكلف، أو فقد البصر فقط فمكلف، لكن إن فقدهما معاً فلا تكليف، وبالتالي لا تأمره ولا تنهاه.
قال: [ ثالثاً: بيان أن الإنسان أمامه طريقان فليسلك أيهما شاء، وكل طريق ينتهي به إلى غاية، فطريق الرشد يوصل إلى الجنة دار النعيم، وطريق الغي يوصل إلى دار الشقاء الجحيم ]، من هداية هذه الآيات أو مما هدت إليه هذه الآيات: أن للإنسان طريقين: طريق يمين وطريق شمال، طريق الإسلام وطريق الكفر، وبالتالي من أسلم قلبه ووجهه لله واستقام على الإسلام فأدى الواجبات وتجنب المحرمات فقد سلك طريق الجنة، ونهايته -والله- إلى الجنة دار النعيم، ومن أعرض عن الإسلام وأقبل على الدنيا وشهواتها والشرك والمعاصي والذنوب فمصيره معروف ألا وهو جهنم،
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا
[الإنسان:3]، وليس هناك وجه ثالث أبداً.
قال: [ رابعاً: وجوب الوفاء بالنذر، فمن نذر شيئا لله وجب أن يفي بنذره إلا أن ينذر معصية فلا يجوز له الوفاء بنذره فيها، فمن قال: لله علي أن أصوم يوماً أو شهر كذا وجب عليه أن يصوم، ومن قال: لله علي ألا أصل رحمي، أو ألا أصلي ركعة مثلاً فلا يجوز له الوفاء بنذره، وليصل رحمه الله، وليصل صلاته، ولا كفارة عليه ]، من هداية الآيات: بيان وجوب الوفاء بالنذر، فمن نذر لله عملاً صالحاً فيجب أن يفي به، وذلك كمن قال: لله علي أن أصوم هذا الشهر؛ فيجب أن يصوم، أو قال: لله علي اليوم أن أخرج ما في جيبي وأعطيه للفقير وجب عليه الوفاء بذلك، لكن إن نذر معصية لله تعالى فلا يجب عليه الوفاء ولا يلزمه أبداً، إذ النذر لا يكون إلا في الطاعة، كما قلت لكم: إن عجز وما استطاع فليكفر كفارة اليمين، والله يقول:
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ
[الإنسان:7].
قال: [ خامساً: الترغيب في إطعام الطعام للمحتاجين إليه من فقير ويتيم وأسير ]، من هداية هذه الآيات: الترغيب في إطعام الفقير والمسكين والأسير، إطعام المحتاجين الجائعين، سواء كانوا يتامى لا أب لهم، أو كانوا مساكين لا مال عندهم، أو كانوا أسرى مسجونين لأمر ما، فيجب أن يطعمهم، وهو من باب البر والإحسان،
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا
[الإنسان:8]، وليس أنت شبعان وتقول: لا ينفع، بل أنت جائع ومع ذلك تعطي.