إسلام ويب

تفسير سورة الإنسان (2)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اشتملت هذه السورة على جملة مما أعدّه الله لعباده الصالحين، وما سيلاقونه من نعيم في جنة عرضها السماوات والأرض، إذ فيها السرر ذات الحجال والهواء العليل، الذي لا تكدره برودة أو حرارة، والثمار القريبة التي ينالها القائم والقاعد والمضطجع، والآنية الذهبية والفضية، وغيرها مما خبأه الله لعباده المؤمنين.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الأمسيات الربانية ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن ما زلنا مع سورة الإنسان المدنية، قال تعالى: مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا [الإنسان:13-22].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هيا بنا نقض هذه الدقائق مع أهل الجنة، ووالله لكأننا نشاهدهم، فمن هم أهل الجنة؟ المؤمنون المتقون، الذين آمنوا حق الإيمان، واتقوا ربهم فلم يعصوه، ولم يتركوا واجباً أوجبه عليهم، ولم يفعلوا محرماً حرمه عليهم، فأولئك هم الأبرار، وألئك هم المؤمنون المتقون، وأولئك هم أولياء الله عز وجل، وولي الله هو كل مؤمن تقي، يقول الله تعالى: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ).

    ومن عجيب الفتن والغرائب: أن زمناً مر بالمسلمين لا يرون ولياً بينهم إلا الذي مات ودفنوه، وبنوا على قبره القبة فقط! ومن ثَمَّ يزني بعضهم بنساء بعض، ويسرق بعضهم مال بعض، ويسب بعضهم بعضاً، ويشتم بعضهم بعضاً، ويضرب بعضهم بعضاً؛ لأنهم لا يفهمون أنهم أولياء لله تعالى، والله يقول: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، وولي الله -كما ذكرنا- هو كل مؤمن تقي، آمن واستقام، فلم يترك ما أوجب الله تعالى، ولم يفعل ما حرم الله تعالى، فقيراً كان أو غنياً، لكن مع الأسف حصروا الولاية في أهل القبور، ومن لطائف ما كررته: أنه في أيام صبانا كنا نجلس مع بعض الكبار، فقال أحدهم: فلان إذا زنى لا يمر بالمكان الفلاني؛ لأن السيد الفلاني هناك! فهو يستحي ويخاف من هذا الولي الميت أن يمر بين يديه! وإن قلت: كيف هذا؟ قلنا: الجواب: أما استعمرتكم أوروبا؟ أهانتكم وأذلتكم؟ ثم هل أولياء الله يهانون ويذلون؟ والله ما يهانون ولا يذلون، لكن سلبت الولاية سلباً كاملاً وحصروها في بعض الأموات والعياذ بالله تعالى، وما زال هذا الجهل مخيماً إلى الآن في بعض البلاد.

    قال تعالى عن الأبرار: مُتَّكِئِينَ فِيهَا [الإنسان:13]، أي: في الجنة دار السلام، عَلَى الأَرَائِكِ [الإنسان:13]، وهي الأسرة عليها الحجال، لا يَرَوْنَ فِيهَا [الإنسان:13]، أي: في الجنة، شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا [الإنسان:13]، أي: لا شمساً ولا برداً شديداً، والزمهرير هو البرد، وإذا نفى الشمس نفى القمر أيضاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088518434

    عدد مرات الحفظ

    777079700