اسم الرحمن هو مثل اسم الله لا يجوز إطلاقه على غيره سبحانه وتعالى، وهو اسم يدل على عظم رحمة الله عز وجل وشمولها لكل مخلوقاته، وقد افتتح الله هذه السورة بهذا الاسم لبيان رحمة الله المتمثلة هنا في إنعامه على خلقه بنعم كثيرة، ومن هذه النعم تعليم الإنسان المنطق والبيان، ومنها تسيير الشمس والقمر في فلكهما بحساب دقيق لا ينخرم، ومنها خلق النجوم والشجر، وبسط الأرض للبشر، والإنعام عليهم بأنواع الفاكهة والنخل والثمر.
ثم قوله تعالى:
عَلَّمَ الْقُرْآنَ 
[الرحمن:2] من رحمته علم رسوله ومصطفاه سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم القرآن، وفي هذا صفعة للذين يقولون: القرآن تعلمه من أساطير الأولين، أو قصه عليه الأولون، الله هو الذي علمه القرآن، وكما علم رسوله صلى الله عليه وسلم علمنا نحن، فملايين النساء والرجال يحفظون القرآن ويقرءونه, فمن علمهم؟ الله تعالى.
وقد علمنا أنه ليس هناك من اليهود ولا النصارى من يحفظ من كتب الله, لا التوراة ولا الزبور ولا الإنجيل، والمسلمون يحفظون القرآن، مر بهم الآن في المسجد فعشرات أطفال يحفظون القرآن، والله! لولا أن الله علمهم ما حفظوه، وقد ضربت لذلك مثلاً: فاحفظ قصة من القصص وقصها, فستنساها، فكيف بالقرآن الكريم وهو مائة وأربع عشرة سورة، وستون حزباً، وثلاثون جزءاً، فيه أحكام الأولين والآخرين وقصص عجائب، فكيف تحفظ هذه؟ ولكن الله شاء وهو الرحمن أن يعلم رسوله والمؤمنين كتابه, فهم يحفظونه ويعملون به, فهذا مظهر من مظاهر رحمته سبحانه.
ثالثاً:
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ 
[الرحمن:5] من مظاهر رحمته أن خلق لنا الشمس والقمر، لولاهما ما عرفنا الليل ولا النهار، ما عرفنا الشهر ولا العام، ما عرفنا اليوم ولا الليلة، من أوجدهما بهذه الموازين الدقيقة، بالدقة العجيبة في فلكيهما؟ من فعل هذا، ولماذا فعله؟ فعله الرحمن من أجلنا يا بني الإنسان, منة الله، فضل الله، رحمة الله.
هل آباؤنا خلقوا الشمس والقمر؟ هل أجدادنا خلقوهما؟ لو اجتمعت البشرية كلها لتخلق كوكباً فلن تخلقه، هذا هو الرحمن الذي يجب أن نحبه ويجب أن نطيعه، ويجب أن نعبده، ويجب أن نحب ما يحب ونكره ما يكره، هذا مولانا، هذا خالقنا، هذا إلهنا، هذا أرحم الراحمين.
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
[الرحمن:5] من خلق الشمس؟ هذا الكوكب النهاري أكبر من الأرض بمليون ونصف مليون مرة, وكله نار، من أوجد هذه النار فيه؟ من جعله فلكاً يسير باللحظة والدقيقة طول العام, وهذا القمر كذلك, هل الذي خلقهما اللات أم العزى، عيسى أو مريم ؟ من الخالق؟ الله، إذاً: فلا إله إلا الله، لا يستحق أن يعبد إلا الله، فلا يُعبد إلا الله حتى بالنظرة وبالكلمة الواحدة.
وهنا مظهر آخر من مظاهر القدرة والرحمة الإلهية, حيث يقول تعالى:
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ 
[الرحمن:6], من خلق النجم؟ النجم: النبات الذي ما له ساق, نابت في الأرض موضوع فيها، والشجر الذي له عروق وأغصان، من خلقهما؟ هل نخلق نحن هذا؟ لا خالق إلا الله، لا رازق إلا الله، إذاً: فلا معبود إلا الله، لا نحلف بغيره، ولا نرهب سواه، ولا نطمع في غيره, هو إلهنا وربنا لا رب لنا سواه, ذو العظمة والجلال والكمال.
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ
[الرحمن:6] لله تعالى, ظلالهما سجود، فأنت حين تقف وإن كنت كافراً فظلك ساجد لله تعالى خاضع له عز وجل.
قال تعالى:
وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا 
[الرحمن:7] من رفع السماء؟ آباؤنا، أجدادنا، الجن، أمريكا واليابان؟ من رفع السماء؟ وهل هي مرفوعة أو لا؟ فمن أوجدها, ومن رفعها؟
ليس لك إلا أن تقول: الله.. الله.. الله فقط، أخبر عن نفسه أنه رفع السماء, ما رفعها غيره ولا بناها ولا نصبها غيره.
وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ
[الرحمن:7], من علم البشرية في البيع والشراء الميزان؟ والله! ليس إلا الله الذي علمهم، وهذا يوجد في بلاد الشرك والكفر والفسق والفجور, في العالم بأسره، فطرة إلهية غرزها، لا بد أن يكون هناك ميزان للوزن ومكيال للكيل، من هدى إليه؟ الرحمن، من علمه البشرية؟ الرحمن؛ حتى ما يظلم أحدهم أحداً، حتى ما يأكل هذا حق هذا ولا هذا، لولا الميزان فكيف سنبيع ونشتري؟ فهذا من رحمته لأنه الرحمن.
فمن مظاهر رحمته الدالة عليها أن وضع الميزان في الأرض, فعلم آدم والبشرية كيف تكيل الحبوب والثمار، وكيف تزن وما إلى ذلك، ومن قال: غير الله صنع ذلك فليرفع يده ليقول: أمي أو أبي أو اليابان أو الصين! فما هناك إلا الله، هذه مظاهر رحمته الدالة يقيناً على وجوده والمستلزمة لألوهيته وعبادته، فلا يُعبد إلا الله.
ثم قال تعالى:
أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ 
[الرحمن:8] ومن هنا حرام على الوازن أو الكائل أن ينقص، ولا بأس إن زاد، أما أن ينقص جراماً واحداً متعمداً فحرام عليه ولا يحل, ويتعرض لغضب الله وعذابه، فأمة كاملة دمرها من أجل أنها تطفف الكيل والوزن، فقوم شعيب دمرهم الله تعالى لماذا؟ لأنهم كانوا يطففون في الكيل والوزن، فلهذا أيما مؤمن, أيما كافر إذا وزن يجب أن يكون الميزان تاماً بالضبط، إذا كال أيضاً يجب أن يكون المكيال كذلك، مظهر من مظاهر رحمة الله, أليس الكفار يزنون ويكيلون؟ من علمهم هذا؟ الرحمن، وحرم عليهم الطغيان فيه وتجاوز الحد، لا بد من العدل:
أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ 
[الرحمن:8].
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ
[الرحمن:9] أي: بالعدل, أقيموا الوزن إذا وزنتم بالعدل، ولهذا فالمؤمنون الصادقون أولوا البصائر إذا وزنوا وكالوا ما يطففون أبداً، ولكن يعدلون، وإذا وجد فسقة أو لصوص أو مجرمون فقد يخونون ويسرقون والعياذ بالله تعالى, وويا ويلهم.
ثم قال تعالى:
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ 
[الرحمن:13] أليس هناك بطيخ، وفواكه، وسماء فوقنا، وميزان، وشمس، وقمر؟ فبأي آية تكذبون؟ آيات الله لا تعد ولا تحصى، آلاء الله، إنعاماته وإفضالاته, فبأي نعمة نكذب؟
فلا بشيء من آلاء ربنا نكذب، آمنا بالله وبآلائه وإنعامه، لا بشيء من آلاء ربنا نكذب، ولما نزلت هذه الآية قالت الجن هذه الكلمة: لا بشيء من آلائك ربنا نكذب.