إسلام ويب

تفسير سورة الكوثرللشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الكوثر هو الخير العظيم، وقد أعطاه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ومن أعطي خيراً أو بركة أو رزقاً فإن الشكران هو الذي يجب أن يقوم به، لا الكفر والإعراض والغفلة، وقد تمثل النبي وصحابته هذا الخير وقاموا بما أعطاهم الله من خير الدنيا خير قيام، وعلى رأس ذلك إخلاص التوحيد لله رب العالمين، وعدم صرف شيء من ذلك لغير الله لا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن سورتنا الليلة لسورة ميمونة مباركة، إنها سورة الكوثر وتلاوة الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3].

    معشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! سورة الكوثر آيها ثلاث آيات: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3].

    وهذه السورة مكية مدنية؛ لأنه من الجائز عند أهل العلم وأهل القرآن أن تنزل الآيات في مكة وتنزل في المدينة، وأن تنزل السورة في مكة وتنزل بالمدينة.

    ومن هنا كانت سورة الفاتحة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] نزلت مرتين، مرة ومعها بسم الله الرحمن الرحيم، فكانت آية، ومرة نزلت بدونها فكانت الآيات سبع بدون بسم الله الرحمن الرحيم.

    إذاً: الكوثر مكية؛ لأن السبب في نزولها: لما مات الابن الطاهر عبد الله بن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة تكلم المغرضون والحسدة والأعداء في مجالسهم، وقالوا: الآن أصبح محمد أبتر بانقطاع نسله، واصبروا على هذه الأيام وسوف تنتهي بوفاته، وقالوا أكثر من ذلك، كما تعرفون الحسدة والمغرضين إلى اليوم إذا أرادوا أن يعيبوا أو يسبوا أو ينتقصوا يقولون هذا.

    فهذا الطاغية قال في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أنه أصبح أبتر، فعزى الله تعالى رسوله بهذه السورة، وحكم بأن الأذل الأقل الأبتر هو ذاك الذي قال في رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسله إلى يوم القيامة، أبناء فاطمة الزهراء لن ينقرضوا إلا بانقراض الكون، وذاك المجرم انتهى وجوده بموته، ولم يعقب ولداً لا ابناً ولا بنتاً.

    وثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة أغفى غفوة بين أصحابه فاستيقظ يبتسم، فقالوا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت علي الآن سورة، وقرأ: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1].. إلى نهايتها.

    وأخبرهم بمعنى الكوثر الذي تضمنته السورة، وأنه نهر في الجنة، ووصفه بصفات عجب، وفعلاً قد رآه وشاهده ووقف عليه وأدخل يده في تربته، فإذا هي أطيب من المسك الأذفر، حافتاه قباب الذهب، وكئوسه عدد نجوم السماء، وماؤه أحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأبيض من اللبن. هذا هو الكوثر.

    إذاً: من هنا لا مانع أن تكون السورة نزلت بمكة ونزلت بالمدينة. مثاله: نحن الآن ندرس هذه السورة، ونستشهد بآيات من سورة البقرة، أو من آل عمران أو من النساء، فلما يأتي الحدث المقتضي للآية جبريل يرشد الرسول إلى أن يقرأ الآية الفلانية فيفهم أنها نزلت من جديد.

    وعلى كل حال؛ هذا إن شئتم قولوا: علم لا ينفع، وجهالة لا تضر، فلا نوسوس بمثل هذه الأشياء، فالعبرة بأن نستقيم على منهج الله.

    إذاً: نزل قول الله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3]. فهي تتضمن عزاء للرسول صلى الله عليه وسلم في موت ولده ورداً لمقولة المغرضين والحسدة والمبطلين والتشديد عليهم بأنهم هم الأذلاء الناقصون الأقلون، وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088546645

    عدد مرات الحفظ

    777250897