إسلام ويب

هذا الحبيب يا محب 12للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان محمد صلى الله عليه وسلم نتاج زواج مبارك بين شريف من أشراف قريش وهو عبد الله بن عبد المطلب، وشريفة من شريفات بيوت مكة وهي آمنة بنت وهب، وقد حملت به أمه حملاً خفيفاً لم تكابد فيه ما تكابده سائر النساء في حملهن، وكان يوم مولده مليئاً بالآيات، فقد ولد صلى الله عليه وسلم مسروراً مختوناً، وارتج يوم مولده إيوان كسرى، وخمدت نيران فارس، وغير ذلك من الآيات الباهرات.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    قد انتهى بنا الدرس إلى مقطوعة (طلوع الفجر المحمدي)، بعد أن عرفنا تلك الإرهاصات والبشارات من الكتب السماوية، بل حتى من الجن.

    قال: [طلوع الفجر المحمدي أو الميلاد السعيد] ميلاد من هذا؟ إنه ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم! كيف لا يكون سعيداً وقد سعدت الدنيا كلها به.

    قال: [من عام الفيل] وقد عرفنا عام الفيل، فـأبرهة -بلغة المعاصرين- عميل الأحباش، بنى كعبة في صنعاء سماها القليس، بغية تحويل تجارة العرب كلها إلى اليمن، ولكي يهجر الناس الكعبة، ولكن الله أذلة وأخزاه، وحسبك أن تقرأ السورة التي نزلت فيه، قال الله عز وجل: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل:1-5]، وهذا قبل أن تعرف البشرية القذائف النارية أو الغازية.

    [وفي شهر ربيع الأول الذي أصبح يعرف بربيع الأنوار] عند كثير من الناس [ومن ليلة الإثنين الثاني عشر منه] أي: من ربيع الأول [طلع فجر النبوة المحمدية].

    قال: [هذا الذي عليه أكثر المؤرخين للميلاد النبوي السعيد] ولا ننظر إلى الخلافات.

    قال: [الحمل قبل الميلاد] فالحمل بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل ميلاده [والمصاهرة قبل الحمل] تزوج أبو الرسول بآمنة قبل الحمل [والوالد قبل الوالد] إذاً: علينا نعرف الوالد قبل الولد [ولكل زمان ومكان] هناك زمان للحمل وزمان للميلاد والمكان وهكذا.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [في بطحاء مكة] والبطحاء هي الأرض الواسعة، والأبطح في مكة معروف [وفي بيت عريق في الشرف -بيت شيبة الحمد عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي - زوج عبد المطلب ولده عبد الله الذبيح] وستعرفون لِم قيل فيه ذبيح [سليلة الشرف] زوجه بسليلة الشرف [أشرف فتاة وأعفها وأكملها خلقاً وخلقاً؛ وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب الزهرية القرشية ] هذه أم نبيكم.

    قال: [أما عبد الله الوالد] عرفنا الأم فمن هو الوالد؟ [فللقبه بالذبيح قصة من أظرف القصص وأطرفها] لِم لقب بالذبيح؟ والذبيح بمعنى المذبوح، فـ(فعيل) في الغالب بمعنى (مفعول) [تتشنف الآذان بسماعها، وتهفو القلوب لذكرها، وهذا عرضها باختصار حتى لا نبعد من ساحة الأنوار] لأننا في الميلاد.

    قال: [كانت زمزم قد طمرتها جرهم] بئر زمزم دفنتها جرهم وهدمتها ورمت عليها الصخور والتراب، وفعلت هذا لأنها احتلت مكة والمنطقة وهي يمنية، ثم لما فسق رجالها وخرجوا عن طاعة الله وانتهكوا حرماته؛ سلط الله عليهم أهل مكة فأخرجوهم.

    قال: [عند مغادرتها مكة؛ لظلمها فانهزامها، وكان ذلك منها نقمة على أهلها الذين حاربوها وطردوها] لما عرفت أنها انهزمت وسوف تغادر البلاد وأن رايتها قد سقطت دمرت زمزم فطمرتها.

    [وظلت زمزم مطمورة إلى عهد شيبة الحمد عبد المطلب ، فأُري في المنام مكانها وحاول إعادة حفرها] رأى رؤيا دُلّ فيها على مكان زمزم [ومنعته قريش] من أن يفعل ذلك، حتى لا يفوز بهذا الشرف ويظفر به وحده. وتعرفون الحسد، وحب الذات والنفس.

    [ولم يكن له يومئذ من ولد يعينه على تحقيق مراده إلا الحارث ، فنذر لله تعالى إن رزقه عشرة من الولد -يحمونه ويعينونه- ذبح أحدهم] لمن؟ للآلهة؛ لأنهم كانوا ينذرون أولادهم للآلهة، واقرءوا قول الله تعالى من سورة الأنعام، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ [الأنعام:136-137]، فزينوا لهم قتل أولادهم بنذرهم للآلهة ليتحقق لهم ما يتحقق، كنذر جهال المسلمين للأولياء، سواء بسواء.

    [ولما رزقه الله عشرة من الولد وأراد أن يفي بنذره لربه] والحمد لله فقد نذر لله، أما جماعاتكم أيها المسلمون فينذرون لسيدي عبد القادر ، وسيدي مبروك ، وسيدي فلان.. أما لله فلا، ولهذا قال بعض العلماء: كفار قريش أشراف الكفار؛ لأن عندهم ميزات خير من هؤلاء الكفار الهابطين.

    [فاقترع على أيهم يكون الذبيح] اقترع على أولاده العشرة من منهم يكون الذبيح، والقرعة معروفة، أقرها الإسلام، وجاءت حتى في القرآن، في سورة الصافات، قال الله عز وجل: فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ [الصافات:141-142]، فإذا اختلف أهل المال في قسمته وتنازعوا فالفاصل هو القرعة، فمن خرجت قرعته حمِد الله.

    [فكانت القرعة على عبد الله ، وهمَّ أن يذبحه عند الكعبة فمنعته قريش] هم عبد المطلب شيبة الحمد أن يذبح عبد الله عند الكعبة وفاء بالنذر فمنعته قريش [وطلبوا إليه أن يرجع في أمره إلى عرّافة بالمدينة تفتيه في أمر ذبح ولده] والعرافة هي التي تدعي علم الغيب بواسطة الجن، فأرشدوه إلى أن يذهب إلى المدينة النبوية -وكانت تسمى يومئذٍ يثرب- لأن فيها عرافة تفتيه في القضية وتحل مشكلة ذبح ولده.

    [فأرشدته] أي: العرافة [إلى أن يضع عشراً من الإبل] وهذه خير من عرافاتنا اليوم بمليون مرة [وهي دية الفرد عندهم] في ذلك الوقت، كانت دية الإنسان عشرة من الإبل [وأن يضرب بالقداح على عبد الله وعلى الإبل] والقداح جمع قدح، وهي الأزلام، وتكون بأن يجعل أحدهم في خريطة أو كيس عيدان أصلها سهام استعملت، مكتوب عليها: ناجح أو خاسر ونحوها من الكلمات التي تبشر أو تنذر، فتأتي أنت وتعطي العراف عشر ريالات ليبحث لك عن المستقبل؛ هل تتزوج فلانة أو لا، هل تدرس في كلية الأدب أم في كلية الشريعة، وهكذا ..ثم يدير هذه الأعواد ويخرج عوداً ويقرأه، فإذا وجد (رابح) قال لك: امش، وامض في طريقك، وإذا وجد خاسر ، قال لك: لا، وأدارها وأعاد الاختيار ثانية، وهكذا تتحكم فيهم الأهواء والشياطين.

    [فإن خرجت على عبد الله الذبيح زاد عشراً من الإبل، وإن خرجت على الإبل فانحرها] أي: عن عبد الله وتركه [فقد رضيها ربكم] أي أن هذه الكاهنة العرافة تقول: ضع عشرة من الإبل، وضع عبد الله ثم أقم القرعة، فإن خرجت على عبد الله فافده بعشرة أخرى، وهكذا حتى بلغت مائة -كما سيأتي- [ونجا صاحبكم!!] تعني عبد الله .

    [فوصلوا مكة، وجيء بالإبل وصاحب القداح، وقام عبد المطلب عند هبل داخل الكعبة يدعو الله عز وجل، وأخذ صاحب القداح يضربها، وكلما خرجت على عبد الله زادوا عشراً من الإبل] من أجل فداه [حتى بلغت مائة؛ كل ذلك وعبد المطلب قائم يدعو الله عز وجل عند هبل] وجماعتنا يدعون الله عند الأولياء، تجده عاكفاً على الضريح يدعو. وهبل كان أكبر أصنام قريش أو أعظم آلهتهم.

    [فقال رجال قريش: قد انتهى رضا ربك يا عبد المطلب ] أي: يكفي دعاء [فأبى إلا أن يضرب عنها القداح ثلاث مرات ففعل] كان قوي النية والإرادة، ما اطمأن لأول مرة، بل جعلها تُضرب ثلاث مرات [فكانت في كل مرة تخرج على الإبل، وعندها رضي عبد المطلب ونحر الإبل وتركها لا يصد عنها إنسان ولا حيوان] كل الناس يأكلون من تلك الإبل [ونجّى الله تعالى -والحمد لله لا لسواه- عبد الله والد رسول الله] صلى الله عليه وسلم [فهذا سبب لقب عبد الله بالذبيح، وهو أحب أولاد عبد المطلب العشرة إليه، وزاده حباً فيه هذه الحادثة العجيبة] وقد قال مرة يهودي للنبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن الذبيحين، فاندهش الناس كيف عرف!

    فالذبيح الأول هو إسماعيل عليه السلام؛ فقد وُضع على الأرض ليذبحه إبراهيم، والذبيح الثاني هو عبد الله بن عبد المطلب الذي كاد أن يذبح لولا أن الله فداه، فالرسول هو ابن الذبيحين عند أهل الكتاب، يعرفونه بهذا اللقب.

    [وأكرم الله عبد المطلب بإعادة حفر زمزم إذ وافقته قريش على حفرها؛ وكانت موافقتها لآية شاهدتها لـعبد المطلب ] وافقت قريش على إعادة حفر زمزم لآية من الآيات شاهدتها، فسلمت وقالت: افعل يا عبد المطلب [وهي أنهم لما منعوه من حفرها وأبى عليهم ذلك، قالوا: نختصم إلى الكاهنة -وهي كاهنة بني سعد وكانت بأعالي الشام-] قالوا: نذهب إلى الكاهنة لنتحاكم إليها، فلم يكن عندهم أمم متحدة، ولكن هذا الموجود [فذهبوا إليها، وأثناء سيرهم في طريقهم إليها عطشوا لنفاد مائهم، فلما ظنوا الهلاك] من شدة العطش؛ لأنهم مسافرون على الجمال [وإذا بعين تنفجر تحت خف ناقة عبد المطلب ] هذه هي الآية، وهي أن ناقة عبد المطلب وضعت بقوة رجلها على الأرض ففار الماء من تحتها [فقاموا وشربوا وسقوا، وعندها أذعنوا لأمر عبد المطلب ورضوا له بحفر بئر زمزم خالصة له دون غيره من أهل مكة].

    فـعبد المطلب أراد أن يحفر بئر زمزم بعدما أن طمرتها جرهم من سنين فمنعته قريش، فسأل الله تعالى أن يرزقه عشرة أولاد حتى يشدوا ساعده ويقووا ظهره ويحفر زمزم، فرزق عشرة أولاد بعدما كان له ولد واحد، وهو الحارث ، وإذا بتسعة وعلى رأسهم عبد الله ، فأراد أن ينفذ ما نذره لله، وجاء بـعبد الله وأراد أن يذبحه وفاء بنذره؛ لأنه تحقق له مراده بإذن الله فمنعته قريش، واقترحت عليه الذهاب إلى الكاهنة المدنية، فتولت هي القضية، وقالت له: ائت بعشرة من الإبل واقترع عليها وعلى ولدك، فإن كان الولد زدت عشراً، وإن كانت العشرة ذبحتها، ففعل حتى بلغت الإبل المائة، فقيل فيه الذبيح. هذا هو عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وعند أهل الكتاب -كما سمعتم-: الذبيح الأول إسماعيل عليه السلام، والثاني عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088585652

    عدد مرات الحفظ

    777504541