إسلام ويب

نداءات الرحمن لأهل الإيمان 5للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • فرض الله عز وجل على أمة الإسلام الصيام كما فرضه على من سبقها من الأمم، فعلم بذلك أن مشقة الصيام ليست أمراً اختصت به هذه الأمة وحدها، إلا أن الله عز وجل اختص هذه الأمة بصيام رمضان، وأنزل عليها فيه خير كتبه، وجعل في لياليه ليلة تعدل في الفضل ألف شهر ليس فيها هذه الليلة، وهذا من عظيم فضل الله تعالى ومنته على هذه الآمة.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان.

    وبالأمس كان النداء بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:178]. وعلمنا مما علمنا ربنا في هذا النداء أنه لابد من المساواة، فلا يقتل الحر بالعبد، ولا الأنثى بالرجل، ولكن الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى.

    وعلمنا أن هذا سببه: أنه كان هناك حيان من أحياء العرب، حي قاهر للآخر ومتعال عليه ومتسلط، فإذا قتل من الحي الغالب امرأة أبى إلا أن يقتل بدلها رجلاً، وإذا قتل عبد من ذلك الحي الغالب يأبى أن يقتل عبداً بل يقتل حراً، واستمر هذا زمناً، ثم جاءت أنوار الله وهداية الرحمن في هذا الدين الإسلامي، فأبطل الله تلك العادة الجاهلية، وأصبح الحر بالحر والأنثى بالأنثى والرجل بالرجل.

    ثم علمنا من هذه الآية الكريمة أن من قتل له قتيل أنه مخير بين ثلاثة: إن شاء عفا وأجره على الله، وقد أحيا نفساً تعبد ربه، فله أجرها ما عبدت الله ولو ألف سنة، وإن شاء أخذ دية قننها وبينها الرسول صلى الله عليه وسلم كما علمنا، وإن شاء اقتص، فيقدم القاتل بين يدي الإمام ويقتل، فهذا فيه تخفيف من الله عنا ورحمة منه بنا. ويدلك على ذلك أن اليهود كان لا عفو عندهم ولا دية، بل القتل؛ وذلك لغلظ أكبادهم، وشدة إيغالهم في الشر والفساد، والنصارى دونهم، فلا قصاص ولا دية، وإنما هو العفو، فمن مات أبوه أو أخوه أو ولده ليس له إلا أن يقول: عفونا لله تعالى، فجاءت هذه الملة القيمة ففتحت باب الرحمة على مصراعيه، فمن شاء أن يأخذ الدية فليتفضل، ومن شاء أن يعفو فليتفضل، ومن أراد أن يقتص فليقتص، إلا أن الإمام هو الذي يجري هذه الأحكام.

    وفي هذا يقول تعالى: ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ .

    ثم تنبيه إلهي: إذا رضي أخونا بالدية فيجب أن نسلمها وافية كاملة بلا مماطلة ولا مناقصة، ولا نحيل على فلان ولا إلى البلد الفلاني، بل يجب أن نؤديها وافية بكل أدب واحترام، وعلى من يتسلم الدية أيضاً ويأخذها كذلك عليه أن يتسلمها بأدب واحترام، لا بعنف وشدة وغضب، ومن أخذ الدية ثم قتل فهذا أمره إلى الله وعذابه في الآخرة، والجمهور على أنه يقتل ولا دية فيه أيضاً، هذا ما علمناه، زادنا الله علماً من هذا النداء الرابع من نداءات الرحمن جل جلاله وعظم سلطانه.

    وإليكم النداء وتأملوا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى . وهذا الجزء نسخ بآية المائدة: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ .

    وقوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ بأن رضي بالدية فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ . فالذي يطالب بالدية يجب أن يطالب بالمعروف، ولا يقول: نريد ملء الأرض ذهباً، أو لا أقبل مائة ألف، ومن أراد أن يؤدي الدية فليؤديها أيضاً بإحسان، فهذا واجب الله علينا، وبذلك رقينا وسمونا، وأصبحنا والله خير أمة أخرجت للناس.

    ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ . ووجه الرحمة أنه لو فرض علينا القصاص دون الدية للزم القتل، وكذلك من التخفيف: أنه لم يلزمنا بالدية بل وشرع العفو.

    فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ بأن أخذ الدية ثم قتل فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ فقد نقض العهد ونكثه، ولا يحل لمؤمن أن يقدم على مثل هذا بأن يعطي عهداً وعفواً ثم يقتل، أو يأخذ الدية ثم يقتل، حتى لا تبقى نافذة من نوافذ الشر والفساد في أمة الإسلام.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088560542

    عدد مرات الحفظ

    777336948