إسلام ويب

نداءات الرحمن لأهل الإيمان 7للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جبل الإنسان في هذه الحياة على حب المال، ولما علم الله عز وجل منه ذلك حثه في مواطن كثيرة من كتابه على الإنفاق، وقدم له من الإغراءات -إن هو فعل ذلك- الشيء الكثير، وجعل ذلك من باب الترغيب، وحذره من البخل والشح من قبيل الترهيب، وبين له المواطن التي يكون فيها الإنفاق في سبيل الرحمن، والمواطن التي يكون فيها في سبيل الشيطان.

    1.   

    ملخص لما جاء في النداء السابق

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا والحمد لله ربنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان.

    وآخر نداء سمعناه وأجبنا من نادانا به والحمد له لا لسواه هو هذا النداء السادس، وهو في وجوب قبول شرائع الإسلام كلها، وحرمة اتباع الشيطان عليه لعائن الرحمن. وهذا النداء هو: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:208-209]. وهذه الجملة سقطت من النداء عفواً، والآن نضيفها إليه، وليكمل النداء بما أراد الله تعالى أن يخبرنا به.

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! نادانا الرحمن جل جلاله وعظم سلطانه بعنوان الإيمان لأننا مؤمنون، وقد نادانا ليأمرنا بأعظم أمر وأجله وأقدسه، وهو أن ندخل في الإسلام بكاملنا؛ لأن السلم المراد به هنا: الإسلام، وسمي الإسلام سلماً لأن صاحبه يسلم من غضب الله وعقابه في الدنيا وفي الآخرة.

    وأنه لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يتخير من هذا الدين، ويقول: الشيء الفلاني لا آخذ به، أو الفريضة الفلانية لا أراها، أو القول الفلاني لا أقوله، فالذي يتخير في الإسلام بأن يقبل شرعاً ويرفض آخر ليس بالمؤمن.

    سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة)

    علمنا أن سبب نزول هذه الآية: أن الحبر الرباني المبشر بالجنة عبد الله بن سلام رضي الله عنه وأرضاه رأى في نفسه لو يقرأ بالتوراة في الصلاة، والتوراة كتاب الله وكلام الله، فقد رأى أن يقرأ في النافلة أو الفريضة إذا صلى وراء الإمام بآيات من التوراة، فنزل هذا التحذير من أجله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:208]. فالشيطان هو الذي يزين الباطل ويحسن القبيح، حتى يحمل عبد الله أو أمة الله على الفسق والفجور عن دين الله؛ فيهلك كما هلك الشيطان.

    وقد تمنى أيضاً أو خطر بباله أن لو يعظم السبت؛ إذ كان معظماً، وكان مفروضاً تعظيمه على بني إسرائيل، والله هو الذي شرعه، وهو الذي كتب عليهم السبت، ولما خانوا وخالفوا مسخ منهم أمة قردة وخنازير، فلما هم بهذا وقبل أن يفعل أنقذه الله بهذه الآية الكريمة، وهي باقية ببقاء هذه الأمة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:208].

    حكم الاحتفال بأعياد النصارى

    مما ينبغي أن نعلمه وقد غفلنا عنه ونسيناه أن بعض الغافلين من ذوي الجهل من المسلمين في العالم الإسلامي يحتفلون بأعياد وبذكريات النصارى، ومن ذلك عيد الفصح الذي يأتي في الربيع، ومن ذلك عيد الميلاد أو شهر السنة الميلادية، ووالله لا يصح لمؤمن ولا مؤمنة أن يظهر احتفالاً بغير ما شرع الله تعالى لأمة الإسلام، ولا مجاملة ولا مصانعة ولا مداهنة، فهذا عيدهم، وهو عيد باطل، بل العيد الحق هو الذي شرعه الله الإله الحق، وليس عندنا في الحقيقة أعياد، ولكن حسبنا عيد الفطر وعيد الأضحى.

    معنى قوله تعالى: (فإن زللتم ...)

    قوله: فَإِنْ زَلَلْتُمْ [البقرة:209] وهو مع الآية مع نداء الرحمن فإن الفاء هذه مبنية على ما سبق، ومعنى زللتم: زل فلان في مشيه: ارتبكت رجله واضطربت ووقع، وزل فلان يزل زلاً: إذا وقع في معصية الله بأن ترك واجباً، أو فعل محرماً، أو اعتقد باطلاً، أو أنكر حقاً، فَإِنْ زَلَلْتُمْ [البقرة:209] أيها المؤمنون! بأن اعتقدتم ما حرم الله اعتقاده، أو قلتم ما لم يأذن الله في قوله، أو عملتم ما لم يشرع الله في شرعه، أو رفضتم ما شرع بأن رفضتم ما أوجب أو أبحتم ما حرم، هذا هو الزلل الذي يدعو إليه الشيطان، وهو الذي يوقع فيه، فالشيطان عدوكم فلا تستجيبوا له، فإن زللنا وشاهدنا الزلل وشاهدنا السقوط، هذا يقع في الربا، وهذا في الزنا، وهذا في الكذب، وهذا في البدعة، وهذا في الشركيات، وهذا في الضلالات، وشاهدنا هذا الباطل، واستراحت نفوسنا واطمأنت؛ لأننا في أمن ورغد عيش، مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ [البقرة:209] يحملها كتاب الله ويبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفتم ما أحل الله وما حرم من الاعتقاد والقول والعمل، وعرفتم ما فرض الله وأوجب، وعرفتم ما كره الله وغضب من أجله، فبعد الآن من وقع في زلة فهو الذي يخسر نفسه بكامله.

    إمهال الله عز وجل للظالمين

    الله عز وجل قال في التعليل: فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:49]. وهذا أسلوب تهديد ليس بعده تهديد، فإن أبيتم إلا ما حصل فاعلموا أن الله عزيز قوي قدير، لا يمانع في شيء يريده، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا تقولوا: نحن أمة عظيمة، نطير في السماء، ونملك كل شيء، ولا تخافون الله؛ فإن الله لا يعجزه شيء. وهو حكيم: يضع كل شيء في موضعه، ومن حكمة الله عز وجل أنه يمهل الظالم، ولكنه إذا أخذه لم يفلته، ووالله ما هي إلا إمهالات الرحمن، وعلى ذلك المنبر قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن الله ليملي للظالم )، أي: يزيده في أيامه أيام الراحة والسعادة، ( حتى إذا أخذه لم يفلته ). ثم قرأ قول الله تعالى بعد هذا الحديث: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]. فيحول النعم نقماً، ويحول العافية إلى بلاء، ويحول الصحة مرضاً، وهذا فعل العزيز الحكيم. والمراد بالقرى: الحواضر والعواصم والمدن الكبرى، لا قرى الفقراء والبادية. وهذا شأن الله. ومعنى هذا: إياكم والأمن! فبعض الناس إذا استقامت حالهم في معاشهم وصحتهم وحياتهم وحصل أمن ورخاء ظنوا أنهم آمنون، والله يقول: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99].

    ومعنى هذا - معاشر المؤمنين والمؤمنات!- إذا ظهر بيننا أو رأينا ظلماً أو شراً أو فساداً أو خبثاً فيجب أن ترتعد فرائصنا، وأن توجل قلوبنا، وأن نسأل الله العفو والعافية قبل أن يعاقب.

    عاقبة التخلي عن دين الله عز وجل

    لنتأمل هذا الكلام الإلهي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208]. فلا يبقى بيننا من يبيح الحرام، ولا من يتخلى عن الواجبات ونسكت عنه ونرضى، إذ معنى هذا: أننا نقاد إلى الهاوية، فهذا واحد فقط، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عالماً نحريراً، ولما خطر بباله أن يعظم السبت بتعظيم الله السابق قبل أن ينسخ، أو يتلو آيات في صلاته من التوراة وهي كتاب الله هددهم الله بهذا التهديد: فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:209]. وقد أرانا الله عز وجل ذلك، وما زلنا لم نع ولم نبصر ولم نستييقظ، وقد أضعنا الأندلس جنة الإسلام الخضراء، وادرسوا التاريخ واقرءوا صفحاته، وانظروا ما فعل الصليبيون بالمؤمنين، وكيف مزقوهم وشتتوهم وأحرقوهم، وانظروا كيف خربوا منازلهم، وكيف رموا بهم في البحار، وغير ذلك، وسبب ذلك لأن الله تخلى عنهم بعد أن تخلوا عنه، وغرتهم الحياة الدنيا بعد أن ارتفعت أسماؤهم عالياً، وارتفعت أقدارهم، وعلا مكانهم في العالم، وأصبحوا أهل علم ومعرفة، وتمتعوا بالدنيا وزخارفها، فغرتهم، فأقبلوا على الشهوات والمعاصي، فأدخلوا الأغاني في المستشفيات، كما هم بعض الجاهلين عندنا، وطالبوا الحكومة بهذا، فأصبحنا نروح على المرضى بالأغاني في المستشفيات، فلما حصل هذا زلوا وسقطوا، فأنزل الله بهم نقمته، وشردهم تشريداً لا نظير له.

    وإخواننا في شرق أوروبا انظروا ما يحصل لهم هذه الأيام، وما نزل بهم، ولو أن ذا قلب حي شاهد تلك المناظر فقد يغمى عليه ويموت. وسبب هذا: أنهم زلت أقدامهم، وآثروا الشيوعية والاشتراكية والبلشفية الحمراء، واندمجوا في روسيا، ورضوا بالحياة الهابطة، فهذا بعض الجزاء، وغداً سينزل بنا، وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون.

    وقد سادتنا بريطانيا في الشرق الأوسط، واستعمرت ممالك الهند الإسلامية، وجزر جاوة الإسلامية داستها بنعالها هولندا، وشمال إفريقيا ديار العرب والإيمان والإسلام والنخوة والعزة أذلتهم أيطاليا وفرنسا وإسبانيا وأهانتهم دهراً من الزمن.

    والله ليس بغافل، فالمسلمين اليوم تحت النظارة، فإما أن يتوبوا إلى الله توبة نصوحاً، والفرصة والله متاحة، والزمان موالٍ، والبلاد كلها متحررة، والصوت يرفع في المدينة يسمعه كل مسلم ومسلمة، وليس هناك مانع أن يجتمعوا في روضة محمد صلى الله عليه وسلم ويبايعون إماماً لهم، ويقدم لهم شرع الله في صورة دستور أجمع عليه علماء المسلمين، ويطبقونه في بلادهم، فتنتهي مظاهر الفسق والفجور والظلم والشر، بعد مظاهر الشرك والخرافات والضلالات التي هدمت أساس الإسلام، بدلاً من أن نرضى بتقسيمنا واستقلالنا، وليس هناك ما يمنع أهل الإقليم المسلم أن يقيموا الصلاة، وأن يجبوا الزكاة كما جباها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يحرموا ما حرم الله كالخمر وما إلى ذلك، لا أن ينمو الكفر، والفساد ينتشر، والقلوب تتمزق، وهكذا حتى تدق الساعة.

    وحينئذ: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا [الفرقان:27]. وهذا في الدنيا، وأما عذاب الآخرة فلا تسأل، فذو النفس الخبيثة العفنة بأوزار الشرك والمعاصي لن يفلح قط، وإن انتسب إلى محمد مليون مرة.

    وعجب هذه الآية يا أبناء الإسلام، فقد قال: فإن زللتم ثم قال: فاعلموا ، فارفعوا رءوسكم واعلموا أن الله عزيز قادر على أن ينتقم ويضرب، وهو حكيم يضع كل شيء في موضعه، فهو لا يغدق الخيرات والأمن والبركات على أمة وهي تغني وتفجر وترقص، وتبيح كشف وجوه النساء، واختلاط النساء بالرجال، والربا، وبيع الخمر، وتسمع من يسب الله ورسوله وهي تضحك، وغير ذلك، وهذه عظائم، فلا تظن أن الله غافل، وما الله بغافل عما يعمل الظالمون.

    فإن زللتم ومعنى زللنا: وقعنا فيما حرم علينا، واستبحنا المحرمات، وأعرضنا عن الواجبات، وأهملناها وما بالينا بها، وظننا أننا مسلمون وسعداء. وقل اليوم من لا يفهم ما حرم الله وما أوجب الله، فهذه الوسائل الإعلامية علمت الناس، فأصبح كل واحد يعرف الحرام من الحلال إلا من شاء الله.

    1.   

    الإنفاق في سبيل الله قبل الفوات بالموت

    الآن مع النداء السابع جعلنا الله تعالى من أهله [ النداء السابع ] من نداءات الرحمن لأهل الإيمان عنوانه: [ في الإنفاق في سبيل الله قبل الفوات بالموت ] ومعنى الفوات بالموت: أنه إذا مات أحدنا فاته الإنفاق، ولم يعد يوجد له ما ينفقه وقد وضع في قبره، فالإنفاق في سبيل الله يكون قبل الفوات بالموت.

    [ الآية (254) من سورة البقرة

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]. ومن يتعذر عليه حفظه الآن فبعد أن ينتهي الدرس يأخذ المصحف ويحفظ، والذي ما يحسن القراءة يجلس إلى جنب أخيه ممن حضروا الدرس ويقول له: من فضلك أعد النداء حتى أحفظه، فإذا أعاده عليه أربع مرات أو خمس أو عشر فقد حفظه، وهؤلاء هم أهل العزم.

    ووالله لأن نحفظ هذا النداء خير لنا من ملء الأرض ذهباً، ولا يوجد تشويق أكثر من هذا. وقد شرفت بأن ناداك رب العالمين، ورزقك الإيمان، وبه أصبحت أهلاً لأن يناديك الله. ثم يأتيك نداء الله ليس في برقية ولا خطاب، وأنت تسمعه في أذنيك ولا تلتفت إليه، ولا تهتم به، ولا تحاول حفظه، ولا تعمل على فهمه، وفهم المطلوب، والواجب أن تقول: سمعاً وطاعة يا إلهي! وتفهم مراد الله منه، وتمسي قرير العين؛ لأنك تلقيت عن الله رب السماوات ورب الأرض ورب العالمين نداء موجهاً إليك، فحفظته وفهمت معناه، فاعمل بمقتضاه، فلا يوجد كمال أعظم من هذا الكمال.

    سبب نداء الله للمؤمنين دون غيرهم

    قال الشارح غفر الله لنا وله، ورحمنا وإياه: [ إن معنى هذا النداء أيها القارئ الكريم! ] والمستمع المستفيد العظيم! [ هو أن الله تبارك وتعالى نادى عباده المؤمنين به ] رباً وإلهاً [ وبلقائه ] يوم نقف بين يديه ويسألنا عن أفعالنا، ماذا فعلنا، وماذا تركنا؟ [ وكتبه ] ومنها القرآن العظيم [ ورسله ] ومنهم محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم [ وملائكته ] ومن بينهم جبريل الذي كان يتردد على بيوت رسول الله، وكان يجلس مع رسول الله وأصحابه [ وقضائه وقدره ] النافذين فينا، ووالله ما وقع شيء في الأرض إلا وقد سبق به قضاء الله وحكمه وتقديره [ ناداهم بعنوان الإيمان ] يا أيها الذين آمنوا! [ لأن المؤمن حي يسمع النداء، يجيب الداعي لما دعاه من أجله ] فلا ننسى هذه الحقائق العلمية التي جهلها أكثر البشرية، فالمؤمن حي يسمع ويعي ويفهم، ويقدر على أن يعمل ويترك، ولهذا ناداه الله، ولم يناد الكفار والمشركين والضالين؛ لأنهم لا يسمعون ولا يبصرون، ولا يقدرون على النهوض بالتكاليف، حتى يرزقهم الإيمان فيؤمنوا، فإذا آمنوا حيوا، فيصبحون أهلاً للنداء مثلنا والحمد لله.

    من ميادين إنفاق المال في سبيل الله

    قال: [ وهنا ناداهم ليأمرهم بالإنفاق، أي: إنفاق المال ] وقد أقسمنا مرات على أن الله لا يأمرنا بأمر إلا لصالحنا، ولا يمكن أن يكون لخسارنا أبداً، ولا نهانا عن شيء لنتركه إلا لأنه ضار أكثر من النار وأكثر من السم، ومع هذا ما نحفظ نداءاته، ولا نعرف ما نادانا من أجله، ولا نحتفل به؛ لأنهم موتونا [ حيث تعين ] ووجب [ الإنفاق، وذلك كالجهاد في سبيل الله ] لا في سبيل الطين والتراب والوطنية الكاذبة الخادعة، بل في سبيل أن يعبد الله في الأرض، فإذا ارتفعت راية لا إله إلا الله، وقال إمام المسلمين: نريد المال لإعداد العدة من سلاح وغيره فهنا يجب أن ننفق المال؛ لأنه تعين، ومن ذلك أن يدفع غزو العدو الكافر عن المؤمنين؛ إذ أنه إذا غلبهم عطل عبادة الله منهم، وحولوهم إلى عبدة للشياطين [ وسد حاجة الفقراء والمساكين ] وما أكثرهم، وهم منتشرون في العالم، وجمعيات الإغاثة تعمل لهذا السبيل، فلنساهم معها ولو بريال واحد. وقد مررت في الظهر بصناديق منصوبة في الطريق وضعت من أجل أن يضع فيها المؤمنون المعونات، وشاهدت مؤمناً في يده إما قرشاً وإما ريالاً فتألمت وقلت: آن الأوان أن أساهم، فأتيت بالفلوس في جيبي فلم أجد الصناديق [ وكإعداد العدة للجهاد لحماية الملة ] أي: الدين [ والعباد ] الذين يعبدون الله عز وجل.

    وقد أرشدنا الله إلى السلم المسلح، فهناك آية فيها معنى السلم المسلح، وهي قوله تعالى من سورة الأنفال: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]. فإذا شاهدت أوروبا العالم الأسلامي يملك الذرة والهيدروجين، ويملك السلاح بانوعه سالمته، وأعلنت عن السلم، وإذا شاهدونا مخلخلين مزعزعين ضعفاء مهزومين انتصروا وطمعوا أيضاً أن يعودوا إلى مستعمراتهم.

    فلنسمع هذا النداء، ولنعي هذا الكلام الإلهي، وأعدوا لهم ما استطعتم [الأنفال:60]، أي: ابذلوا كل ما في قدرتكم حتى تعجزوا. وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة [الأنفال:60] على اختلاف أنواعها وتلون أحوالها، والقوة ليست دائماً في المال ولا في السلاح، بل هي قوى متنوعة في العلم والمعرفة. [ وكالإنفاق لتحرير الرقيق ] والآن لا يوجد رقيق، بل نحن الآن أرقاء للكافرين، فحتى الإبرة لا نصنعها، ونحتاج إليهم أن يعطونا إبرة. فينفق المال في تحرير الرقيق عندما يوجد الأرقاء، وسيوجدون عند ما يعلن عن لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فيسقط المشركون أسرى بين أيدينا، فيدخلون في رحمة الله، فنعتقهم بأموالنا [ ومداواة المريض ] أيضاً الذي يئن من الألم ويحتاج إلى دواء، فمداواته باب من أبواب الإنفاق في سبيل الله [ وما إلى ذلك من مواطن الإنفاق في سبيل الله لا في سبيل الشيطان ].

    من رحمة الله بعباده أن دعاهم إلى إنفاق بعض ما عندهم من المال

    قال: [ وذكرهم رأفة بهم ] يا رسولنا! [ أن الإنفاق الذي أمرهم به هو من ماله تعالى الذي رزقهم إياه ] كما قال تعالى: أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ [يس:47]. فهو ماله، وليس مالنا حتى نقول: لا نعطي، فهو قال: أنفقوا من مالي، فنحن ليس لنا فضل، إلا أن الله عز وجل لكرمه ورأفته ورحمته بعباده المؤمنين يعطيهم المال، ويأخذ منهم المال الحسنة بسبعمائة، والريال بعشرة إلى سبعمائة، وهو الذي أعطاهم، وهذا كمال الله وجوده وكرمه [ وأنه بعضه لا كله ] فهو لم يقل: أنفقوا ما رزقناكم، أو أخرج كل ما في بيتك، أو أعط كل ما في جيبك، بل قال: مما رزقناكم، ومن هذه للتبعيض، فالذي عنده مليار ينفق مليوناً، والذي عنده مليون ينفق عشرة ألاف، والذي عنده عشرة ريال ينفق ريالاً [ إذ قال لهم: أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:254]، أي: من بعض المال الذي رزقناكموه؛ فضلاً منا وإحساناً إليكم ].

    ميادين الإنفاق في سبيل الشيطان

    قال: [ وإن قلت أيها القارئ الكريم!: وهل للشيطان سبيل ينفق فيها المال؟ ] وهذا السؤال يطرحه المؤمن على نفسه [ أجبتك قائلاً ] لك: [ إي ورب الكعبة! إنها كل ما ينفق في معصية الله تعالى ] من قليل أو كثير [ هو ] والله [ إنفاق في سبيل الشيطان، وذلك كالإنفاق في القمار واللهو والباطل، وكالإنفاق في أكل وشرب ولبس الحرام، وكالإسراف في الأكل والشرب وغيرهما، كل هذا الإنفاق هو في سبيل مرضاة الشيطان ] أي: ليرضى، والذي يلقي سيجارة أو شمة في أنفه مما حرم الله فقد أنفق على الشيطان، وكل معصية ينفق فيها ريال أو ألف هو في سبيل الشيطان لا في سبيل الرحمن [ ولذا فهو يأمر به ويزينه لفاعله ] وكل ريال أو دينار أو درهم ينفق في غير طاعة الله ورسوله فهو إنفاق في سبيل الشيطان.

    استعجال الله عباده في الإنفاق في سبيل الله قبل فوات الآوان

    قال: [ وهل تدري أيها القارئ ] الكريم! والمستمع الرحيم! [ ما يدل عليه قوله تعالى في هذا النداء، وهو قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]؟ إنه دل على أن الله تعالى رحمة بعباده المؤمنين وشفقة عليهم استعجلهم في الإنفاق في حياتهم قبل موتهم ] أي: طلب العجلة قبل فوات الوقت؛ رحمة ورأفة بهم؛ [ إذ المرء ] الإنسان [ إذا مات انقطع عمله، وتلقى الجزاء عن عمله الذي عمله قبل موته، إن كان خيراً فهو خير، وإن كان شراً فهو شر ] والعياذ بالله [ والعبد إذا مات دخل في الحياة الآخرة ] فبمجرد ما تطير روحه دخل في الحياة الآخرة [ حيث لا ينفع المرء يومئذ بيع؛ إذ لا يملك شيئاً حتى يبيعه، ولا يوجد من يشتري ] أيضاً [ كما لا تنفعه خلة ] أي: صحبة [ أو صداقة أحد ] أو مودته أو أخوته، وذلك لا ينفعه [ ولا شفاعة إن وجد من يشفع له ] أيضاً، ولا وجود لمن يخاللـه في القبر، فهو وحده فقط.

    شرطا الشفاعة يوم القيامة

    قال: [ إذ لا شفاعة إلا بعد إذن الله تعالى للشافع، ورضاه عن المشفوع له ] وهذه حقيقة ينساها الكثيرون، فالشفاعة موجودة يوم القيامة، ولكن أولاً: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]؟ فلا ننسى هذه الجملة، فلا وجود أبداً لشافع في عرصات القيامة يشفع بدون أن يأذن الله له، فهذا والله لا يوجد، وقد علمنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم موعود بوعد الله الصادق أن يشفع يوم القيامة، ومع هذا لما تأتيه البشرية تطلب ذلك يأتي تحت العرش ويخر ساجداً، ويلهمه الله تعالى ألفاظ حمد ما كان يعرفها، ولا يزال يحمده بها ويثني عليه فترة، لا تعلم مدتها حتى يقول له: ( محمد! ارفع رأسك، واسأل تعط، واشفع تشفع ). مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم مضمون له هذه، وقد قال تعالى: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]. وقد أوتي خمساً ما أوتيها غيره من الأنبياء، ومنها الشفاعة، ومع هذا لا يعطاها حتى يذل ويخضع وينكسر بين يدي الجبار، فلا أحد يشفع عند الله إلا بإذنه.

    ولا يستطيع نوح أو إبراهيم أو محمد صلى الله عليه وسلم أن يشفع لكافر مشرك وتقبل شفاعته، فهذا والله ما كان، وإبراهيم أبو الأنبياء عليه ألف سلام وسلام أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم عن حاله في عرصات القيامة أنه ينادي ربه: رب! لقد وعدتني ألا تخزيني يوم يبعثون، وها هم قد بعثوا، وأي خزي أخزى من أن يكون أبي في النار! ولا يزال في هذه الحيرة حتى يقال له: انظر تحت قدميك، فينظر فإذا أبوه آزر في صورة ذكر ضباع ملطخ بالدماء والقيح، وأبشع مخلوق هو ذكر الضباع في صورته، فـآزر يمسخ هذه المسخة، ويلقى بين يدي إبراهيم في صورة ضبع ملطخ بالدماء والقيح، وما إن يشاهده إبراهيم حتى يعلو صوته: سحقاً سحقاً، أبعدوه، فيؤخذ بقوائمه الأربع ويلقى في جهنم. فلا أحد يشفع في كافر أو مشرك، مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]. وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ [النجم:26] بلايين لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26]عمن يشفع له. وهذه الآية فاصلة، ولكن أمة الإسلام وآباءنا وأجدادنا عاشوا على الشرك والخرافات، فقد انطمس نور العلم، وانتهت الهداية، ومن القرن التاسع وأمتنا تتخبط في الضلالات، فاقرءوا هذه الآية، وهم يبيعون الشفاعة ببستان، فيجئ المسئول على الزاوية وعلى الطريقة أو المقدم كما يسمونه ويقول: إذا أردت أن تشتري الجنة فأعط هذا البستان للإخوان وسنكتب لك صكاً بأن الشيخ سيدي أحمد البدوي أو سيدي عبد القادر يشفع لك، ونمد أعناقنا ونفرح، وجعلنا القرآن في المقبرة، يقرأ ليلة الموت.

    وهذه الآية من سورة النجم، فالملك الذي في السماوات الذي يستطيع أن يقلب هذه المدينة لا تغني شفاعته شيئاً، إلا من بعد أن يأذن الله للشافع، ويرضى للمشفوع له بأن يدخل دار السلام مع أوليائه.

    وأما أن يقوم شخص يقول: رب! أشفع في عمي الذي مات كافراً، فوالله لا تقبل له شفاعة، ولا يمكن لأحد أن يشفع، وهذا ليس إلا موقف الخليل فقط، وعنده وعد، فقد قال: وعدتني ألا تخزني يوم يبعثون، وأي خزي أعظم من أن يكون أبي في جهنم.

    وإذا لم يأذن للشافع فوالله لا يشفع أحد، وإذا لم يرض للمشفوع له فوالله لن يدخل الجنة إلا بعد رضا الله، مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]. وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26]. وقد يشفع الله الأنبياء، ويشفع العلماء، ويشفع الآباء، ويشفع الأبناء في آبائهم، لكن بعد ما علم أن هذا يستحق الجنة، فيكرم الأب بأن يشفع في ابنه؛ إكراماً للشافع وأيضاً للمشفوع له أن يدخل دار السلام؛ لأنه كان ذا إيمان وعمل صالح وتقوى.

    ملازمة صفة الظلم للكافرين

    قال: [ وختم تعالى هذا النداء الرحيم بقوله: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]. يحذر عباده المؤمنين من الكفر ] قال بعض التابعين: الحمد لله ما قال: والظالمون هم الكافرون، وإلا والله ما نجا أحد؛ إذ ما منا أحد إلا ويظلم، هذا يظلم امرأته، وهذا يظلم جاره، وهذا يظلم حتى الحيوان، فإذا كان الظالم هو الكافر فوالله ما بقي أحد، لكن الله قال: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]. فكل كافر ظالم، ولا تشك في هذا؛ إذ لا ظلم أفظع من أن يتنكر لخالقه ولا يؤمن به، ويترك شرع الله ومنهجه، ويسلك شرع الشيطان وسبيله؛ إذ الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، فمن وضع شيئاً في غير المكان اللائق به فقد ظلم، وهو ظالم، لكن هنا يبدو والله أعلم أن الكافرين هم الظالمون في معنى: أن كفار النعم وجاحديها، وهم الذين يبخلون ولا ينفقون، ويناديهم منادي الإنفاق في سبيل الله فيعرضون أو يتكبرون أو يمنعون ويبخلون يدخلون في كافري النعمة.

    الفرق بين كفر الملة وكفر النعمة

    قال: [ والكفر نوعان: كفر ملة، وكفر نعمة، كل منهما صاحبه ظالم ] فالذي لا يشاهد نعمة الله عليه فلا يقول يوماً: الحمد لله، ولا يخر ساجداً بين يديه شكراً له على هذه النعمة فهو كافر بها. وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]. سواء كان كفر الملة أو كفر النعمة، فكل كافر بإحدى النعمتين فصاحبه ظالم [ والظالمون أعد الله لهم عذاباً أليماً، كما قال تعالى في سورة الإنسان: يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الإنسان:31].

    [ وإن سألت أيها القارئ! ] أو المستمع! [ عن الفرق بين كفر الملة وكفر النعمة ] ولك الحق أن تسأل [ فاعلم أن كفر الملة هو جحود العبد لبعض شرائع الله تعالى، أو جحودها كاملة بألا يعترف بالدين الإسلامي ] وذلك [ كاليهود أو النصارى والمجوس والمشركين؛ إذ كلهم كفار لعدم دخولهم في الإسلام، وجحودهم له، وعدم اعترافهم به.

    وأما كفر النعمة فهو عدم الاعتراف لله تعالى بها، وعدم شكره عليها، وصرفها في غير مرضاته، وبذلك يدخل في عداد الظالمين ] فقد أعطي المال فأنفقه ضد الله، وهذا هو الظلم، فبدلاً من أن ينفقه في مرضاة الله أنفقه في سخط الله، وهذا هو الظلم بعينه.

    معنى الظلم

    قال: [ إذ الظلم حقيقته هو: وضع الشيء في غير محله ] فلو قام أحدكم الآن وأخذ يؤذن في الحلقة بأعلى صوته فقد ظلم مع أنه لم يزد على أن ذكر الله وكبر وهلل، ولكن هذا الموطن ليس موطن أذان، وهذا ظلم، أو الذي يزحزح الجالسين ويقول: دعوني أستريح وأنام، فهذا ليس مكان نوم، فاذهب إلى فراشك أو تحت الجدار، لا أن تنام في الحلقة. وهذا مثال.

    والذي لا يعرف الظلم يقع فيه، فأكثر من يظلمون لا يعرفون الظلم، فالسيدة لما تتبخر وتتعطر وتتطيب وتحسن ملابسها وتخرج تتغنج في الشارع هذا ظلم؛ إذ أن هذا التطيب والتعطر والتغنج والتكسر لا يكون إلا في بيتها؛ لترغب فحلها فيها؛ من أجل أن تنجب البنين والبنات؛ ليعبد الله جل جلاله وعظم سلطانه، لا أن تخرج في الشوارع متغنجة متكسرة في اللباس؛ من أجل أن تساعد الشيطان على الجريمة، وهذا ظلم [ والذي رزقه الله تعالى مالاً فبخل به وشح فمنع الزكاة ] أولاً [ وتجاهل الواجبات ] كالنفقة على الأولاد والزوجة، والنفقة على الضيف، وعلى الجار الفقير، والواجبات كثيرة [ فـ ] إذا [ لم ينفق فيها فهو قطعاً ظالم؛ إذ وضع المال في غير موضعه ] فكان بذلك ظالماً [ وبذلك هو من أهل العذاب الأليم الذي توعد الله به الظالمين في قوله: وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ [الإنسان:31] ] أي: هيأ وأحضر [ عَذَابًا أَلِيمًا [الإنسان:31] ] أي: مؤلماً شديد الإيلام، وسمي العذاب عذاباً لأنه يزيل عذوبة الحياة، وقد يكون العذب بالضرب أو السجن أو العطش؛ ليذهب عنه طعم الحياة وعذوبتها.

    التحذير من البخل والشح

    قال: [ ألا فلنحذر أيها القارئ والمستمع! البخل والشح ومنع الزكاة، ومنع الواجبات المالية، كنفقة الجهاد، ونفقة الآباء والأزواج والأولاد والمسكين وابن السبيل، واعلم أن مما يساعدك على الإنفاق قراءة هذه الآية التي شرحناها ] فاقرأها دائماً ولا تنساها، وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]. فهذه تساعد على الإنفاق [ واجعلها دائماً نصب عينيك؛ إذ فيها أمر الله بالإنفاق، والتذكير بالدار الآخرة، وجزاء الظالمين، والعياذ بالله تعالى رب العالمين.

    وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765794789