إسلام ويب

نداءات الرحمن لأهل الإيمان 7للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جبل الإنسان في هذه الحياة على حب المال، ولما علم الله عز وجل منه ذلك حثه في مواطن كثيرة من كتابه على الإنفاق، وقدم له من الإغراءات -إن هو فعل ذلك- الشيء الكثير، وجعل ذلك من باب الترغيب، وحذره من البخل والشح من قبيل الترهيب، وبين له المواطن التي يكون فيها الإنفاق في سبيل الرحمن، والمواطن التي يكون فيها في سبيل الشيطان.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا والحمد لله ربنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان.

    وآخر نداء سمعناه وأجبنا من نادانا به والحمد له لا لسواه هو هذا النداء السادس، وهو في وجوب قبول شرائع الإسلام كلها، وحرمة اتباع الشيطان عليه لعائن الرحمن. وهذا النداء هو: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:208-209]. وهذه الجملة سقطت من النداء عفواً، والآن نضيفها إليه، وليكمل النداء بما أراد الله تعالى أن يخبرنا به.

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! نادانا الرحمن جل جلاله وعظم سلطانه بعنوان الإيمان لأننا مؤمنون، وقد نادانا ليأمرنا بأعظم أمر وأجله وأقدسه، وهو أن ندخل في الإسلام بكاملنا؛ لأن السلم المراد به هنا: الإسلام، وسمي الإسلام سلماً لأن صاحبه يسلم من غضب الله وعقابه في الدنيا وفي الآخرة.

    وأنه لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يتخير من هذا الدين، ويقول: الشيء الفلاني لا آخذ به، أو الفريضة الفلانية لا أراها، أو القول الفلاني لا أقوله، فالذي يتخير في الإسلام بأن يقبل شرعاً ويرفض آخر ليس بالمؤمن.

    سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة)

    علمنا أن سبب نزول هذه الآية: أن الحبر الرباني المبشر بالجنة عبد الله بن سلام رضي الله عنه وأرضاه رأى في نفسه لو يقرأ بالتوراة في الصلاة، والتوراة كتاب الله وكلام الله، فقد رأى أن يقرأ في النافلة أو الفريضة إذا صلى وراء الإمام بآيات من التوراة، فنزل هذا التحذير من أجله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:208]. فالشيطان هو الذي يزين الباطل ويحسن القبيح، حتى يحمل عبد الله أو أمة الله على الفسق والفجور عن دين الله؛ فيهلك كما هلك الشيطان.

    وقد تمنى أيضاً أو خطر بباله أن لو يعظم السبت؛ إذ كان معظماً، وكان مفروضاً تعظيمه على بني إسرائيل، والله هو الذي شرعه، وهو الذي كتب عليهم السبت، ولما خانوا وخالفوا مسخ منهم أمة قردة وخنازير، فلما هم بهذا وقبل أن يفعل أنقذه الله بهذه الآية الكريمة، وهي باقية ببقاء هذه الأمة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:208].

    حكم الاحتفال بأعياد النصارى

    مما ينبغي أن نعلمه وقد غفلنا عنه ونسيناه أن بعض الغافلين من ذوي الجهل من المسلمين في العالم الإسلامي يحتفلون بأعياد وبذكريات النصارى، ومن ذلك عيد الفصح الذي يأتي في الربيع، ومن ذلك عيد الميلاد أو شهر السنة الميلادية، ووالله لا يصح لمؤمن ولا مؤمنة أن يظهر احتفالاً بغير ما شرع الله تعالى لأمة الإسلام، ولا مجاملة ولا مصانعة ولا مداهنة، فهذا عيدهم، وهو عيد باطل، بل العيد الحق هو الذي شرعه الله الإله الحق، وليس عندنا في الحقيقة أعياد، ولكن حسبنا عيد الفطر وعيد الأضحى.

    معنى قوله تعالى: (فإن زللتم ...)

    قوله: فَإِنْ زَلَلْتُمْ [البقرة:209] وهو مع الآية مع نداء الرحمن فإن الفاء هذه مبنية على ما سبق، ومعنى زللتم: زل فلان في مشيه: ارتبكت رجله واضطربت ووقع، وزل فلان يزل زلاً: إذا وقع في معصية الله بأن ترك واجباً، أو فعل محرماً، أو اعتقد باطلاً، أو أنكر حقاً، فَإِنْ زَلَلْتُمْ [البقرة:209] أيها المؤمنون! بأن اعتقدتم ما حرم الله اعتقاده، أو قلتم ما لم يأذن الله في قوله، أو عملتم ما لم يشرع الله في شرعه، أو رفضتم ما شرع بأن رفضتم ما أوجب أو أبحتم ما حرم، هذا هو الزلل الذي يدعو إليه الشيطان، وهو الذي يوقع فيه، فالشيطان عدوكم فلا تستجيبوا له، فإن زللنا وشاهدنا الزلل وشاهدنا السقوط، هذا يقع في الربا، وهذا في الزنا، وهذا في الكذب، وهذا في البدعة، وهذا في الشركيات، وهذا في الضلالات، وشاهدنا هذا الباطل، واستراحت نفوسنا واطمأنت؛ لأننا في أمن ورغد عيش، مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ [البقرة:209] يحملها كتاب الله ويبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفتم ما أحل الله وما حرم من الاعتقاد والقول والعمل، وعرفتم ما فرض الله وأوجب، وعرفتم ما كره الله وغضب من أجله، فبعد الآن من وقع في زلة فهو الذي يخسر نفسه بكامله.

    إمهال الله عز وجل للظالمين

    الله عز وجل قال في التعليل: فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:49]. وهذا أسلوب تهديد ليس بعده تهديد، فإن أبيتم إلا ما حصل فاعلموا أن الله عزيز قوي قدير، لا يمانع في شيء يريده، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا تقولوا: نحن أمة عظيمة، نطير في السماء، ونملك كل شيء، ولا تخافون الله؛ فإن الله لا يعجزه شيء. وهو حكيم: يضع كل شيء في موضعه، ومن حكمة الله عز وجل أنه يمهل الظالم، ولكنه إذا أخذه لم يفلته، ووالله ما هي إلا إمهالات الرحمن، وعلى ذلك المنبر قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن الله ليملي للظالم )، أي: يزيده في أيامه أيام الراحة والسعادة، ( حتى إذا أخذه لم يفلته ). ثم قرأ قول الله تعالى بعد هذا الحديث: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]. فيحول النعم نقماً، ويحول العافية إلى بلاء، ويحول الصحة مرضاً، وهذا فعل العزيز الحكيم. والمراد بالقرى: الحواضر والعواصم والمدن الكبرى، لا قرى الفقراء والبادية. وهذا شأن الله. ومعنى هذا: إياكم والأمن! فبعض الناس إذا استقامت حالهم في معاشهم وصحتهم وحياتهم وحصل أمن ورخاء ظنوا أنهم آمنون، والله يقول: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99].

    ومعنى هذا - معاشر المؤمنين والمؤمنات!- إذا ظهر بيننا أو رأينا ظلماً أو شراً أو فساداً أو خبثاً فيجب أن ترتعد فرائصنا، وأن توجل قلوبنا، وأن نسأل الله العفو والعافية قبل أن يعاقب.

    عاقبة التخلي عن دين الله عز وجل

    لنتأمل هذا الكلام الإلهي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208]. فلا يبقى بيننا من يبيح الحرام، ولا من يتخلى عن الواجبات ونسكت عنه ونرضى، إذ معنى هذا: أننا نقاد إلى الهاوية، فهذا واحد فقط، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عالماً نحريراً، ولما خطر بباله أن يعظم السبت بتعظيم الله السابق قبل أن ينسخ، أو يتلو آيات في صلاته من التوراة وهي كتاب الله هددهم الله بهذا التهديد: فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:209]. وقد أرانا الله عز وجل ذلك، وما زلنا لم نع ولم نبصر ولم نستييقظ، وقد أضعنا الأندلس جنة الإسلام الخضراء، وادرسوا التاريخ واقرءوا صفحاته، وانظروا ما فعل الصليبيون بالمؤمنين، وكيف مزقوهم وشتتوهم وأحرقوهم، وانظروا كيف خربوا منازلهم، وكيف رموا بهم في البحار، وغير ذلك، وسبب ذلك لأن الله تخلى عنهم بعد أن تخلوا عنه، وغرتهم الحياة الدنيا بعد أن ارتفعت أسماؤهم عالياً، وارتفعت أقدارهم، وعلا مكانهم في العالم، وأصبحوا أهل علم ومعرفة، وتمتعوا بالدنيا وزخارفها، فغرتهم، فأقبلوا على الشهوات والمعاصي، فأدخلوا الأغاني في المستشفيات، كما هم بعض الجاهلين عندنا، وطالبوا الحكومة بهذا، فأصبحنا نروح على المرضى بالأغاني في المستشفيات، فلما حصل هذا زلوا وسقطوا، فأنزل الله بهم نقمته، وشردهم تشريداً لا نظير له.

    وإخواننا في شرق أوروبا انظروا ما يحصل لهم هذه الأيام، وما نزل بهم، ولو أن ذا قلب حي شاهد تلك المناظر فقد يغمى عليه ويموت. وسبب هذا: أنهم زلت أقدامهم، وآثروا الشيوعية والاشتراكية والبلشفية الحمراء، واندمجوا في روسيا، ورضوا بالحياة الهابطة، فهذا بعض الجزاء، وغداً سينزل بنا، وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون.

    وقد سادتنا بريطانيا في الشرق الأوسط، واستعمرت ممالك الهند الإسلامية، وجزر جاوة الإسلامية داستها بنعالها هولندا، وشمال إفريقيا ديار العرب والإيمان والإسلام والنخوة والعزة أذلتهم أيطاليا وفرنسا وإسبانيا وأهانتهم دهراً من الزمن.

    والله ليس بغافل، فالمسلمين اليوم تحت النظارة، فإما أن يتوبوا إلى الله توبة نصوحاً، والفرصة والله متاحة، والزمان موالٍ، والبلاد كلها متحررة، والصوت يرفع في المدينة يسمعه كل مسلم ومسلمة، وليس هناك مانع أن يجتمعوا في روضة محمد صلى الله عليه وسلم ويبايعون إماماً لهم، ويقدم لهم شرع الله في صورة دستور أجمع عليه علماء المسلمين، ويطبقونه في بلادهم، فتنتهي مظاهر الفسق والفجور والظلم والشر، بعد مظاهر الشرك والخرافات والضلالات التي هدمت أساس الإسلام، بدلاً من أن نرضى بتقسيمنا واستقلالنا، وليس هناك ما يمنع أهل الإقليم المسلم أن يقيموا الصلاة، وأن يجبوا الزكاة كما جباها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يحرموا ما حرم الله كالخمر وما إلى ذلك، لا أن ينمو الكفر، والفساد ينتشر، والقلوب تتمزق، وهكذا حتى تدق الساعة.

    وحينئذ: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا [الفرقان:27]. وهذا في الدنيا، وأما عذاب الآخرة فلا تسأل، فذو النفس الخبيثة العفنة بأوزار الشرك والمعاصي لن يفلح قط، وإن انتسب إلى محمد مليون مرة.

    وعجب هذه الآية يا أبناء الإسلام، فقد قال: فإن زللتم ثم قال: فاعلموا ، فارفعوا رءوسكم واعلموا أن الله عزيز قادر على أن ينتقم ويضرب، وهو حكيم يضع كل شيء في موضعه، فهو لا يغدق الخيرات والأمن والبركات على أمة وهي تغني وتفجر وترقص، وتبيح كشف وجوه النساء، واختلاط النساء بالرجال، والربا، وبيع الخمر، وتسمع من يسب الله ورسوله وهي تضحك، وغير ذلك، وهذه عظائم، فلا تظن أن الله غافل، وما الله بغافل عما يعمل الظالمون.

    فإن زللتم ومعنى زللنا: وقعنا فيما حرم علينا، واستبحنا المحرمات، وأعرضنا عن الواجبات، وأهملناها وما بالينا بها، وظننا أننا مسلمون وسعداء. وقل اليوم من لا يفهم ما حرم الله وما أوجب الله، فهذه الوسائل الإعلامية علمت الناس، فأصبح كل واحد يعرف الحرام من الحلال إلا من شاء الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088053796

    عدد مرات الحفظ

    775418411