الشيخ: حياكم الله، وبارك فيكم.
المقدم: وفيكم سماحة الشيخ. هذه الحلقة سماحة الشيخ تذاع في أول أيام رمضان المبارك هل من كلمة في بداية هذا البرنامج أهل الذكر سماحة الشيخ عبد العزيز ؟
====
الشيخ: بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه، أما بعد:
فإني أوصي إخواني في هذا الشهر الكريم بتقوى الله عز وجل، وأن يعتنوا بصيامه ويصونوه من كل ما يجرحه من سائر المعاصي القولية والفعلية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله؛ فليقل: إني امرؤ صائم).
فالمؤمن في هذا الشهر الكريم يجتهد في أنواع الخير من القراءة للقرآن والإكثار منها، يكثر من ذكر الله عز وجل من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، من الصدقات للفقراء والمساكين، من كثرة الصلاة النافلة في الليل والنهار إلى غير هذا من وجوه الخير، مع الدعوة إلى الله إن كان عنده علم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عيادة المريض، اتباع الجنائز، إلى غير هذا من وجوه الخير، تجتهد في أنواع الخير.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، يقول سبحانه: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك).
الصائم له شأن، له فرحة عندما يفطر، عندما أباح الله له الأكل والشرب يفرح بذلك أن الله جل وعلا أعانه على أداء الصيام، ويسر له تناول ما شرع الله له من الإفطار، ثم يفرح يوم القيامة بصومه لما له من الأجر العظيم في ذلك والخير الكثير؛ فينبغي للمؤمن أن يجتهد في إتقان هذا الصيام وصيانته وحمايته من كل ما يجرحه من سائر المعاصي.
وكذلك ينبغي له أيضاً أن يستكثر من أنواع الخير ولاسيما قراءة القرآن؛ فإنه يشرع في هذا الشهر الكريم العناية بالقرآن الكريم والإكثار من تلاوته، وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفاً من القرآن فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: آلم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا هذا القرآن؛ فإنه يأتي شفيعاً لأصحابه يوم القيامة)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالقرآن يوم القيامة وبأهله الذين يعملون به تقدمهم سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن أصحابهما)، فالقرآن حجة لصاحبه أو عليه، حجة له إذا أدى حقه، واستقام على ما فيه من الأوامر وترك النواهي فهو حجة له، ومن أسباب دخوله الجنة، أما إن أضاعه ولم يقم بالواجب بأن ركب المحارم، وقصر في الأوامر فهو حجة عليه.
وصيامنا نعمة من الله علينا عظيمة، نعمة عظيمة، فالمشروع لكل مسلم ولكل مسلمة أن يصون هذا الصيام حتى يجد ثوابه كاملاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً)، إيماناً بأن الله شرعه، واحتساب الأجر عنده سبحانه وتعالى، (غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، هذا فضل عظيم، وخير كثير، فأوصي إخواني جميعاً من الرجال والنساء بتقوى الله، والحذر من محارم الله في هذا الشهر الكريم، والعناية بأنواع الطاعات والاستكثار منها، مع صيانة الصيام وحفظه مما يجرحه.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية والقبول.
الشيخ: يستقبلوه بالفرح والسرور، والتواصي بالعمل الصالح فيه؛ لأنه شهر عظيم نعمة من الله إدراكه، كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه يقول: (أتاكم رمضان، شهر مبارك شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليلة تطوعاً)، فالمؤمن يستبشر بهذا الشهر ويجتهد في أداء الأعمال الصالحة فيه، ويفرح به كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه به عليه الصلاة والسلام.
الشيخ: الشهر العظيم له خصائص: منها: الله جعل صيامه من أسباب تكفير السيئات، وهكذا قيامه من أسباب تكفير السيئات لمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً، وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، فسر لهم ذلك حتى يفطروا، كما في الحديث: (إن الله أعطى هذه الأمة خمس خصال لم تعطها أمة قبلها: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله كل يوم جنته ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليك، ويغفر لهم في آخر ليلة، قيل: يا رسول الله! أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ولكن الصائم إنما يوفى أجره إذا قضى عمله).
فالمؤمن في هذا الشهر يغتنم الفرصة بأنواع الأعمال الصالحات، بأنواع الذكر، بالصدقة، بسائر أنواع الخير، قراءة القرآن، والاستكثار من ذلك بالتدبر والتعقل.
الجواب: الغرض من الصيام: هو التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بترك الشهوات التي كان يعتادها طاعة له، وتعظيماً له، وتقرباً إليه بما شرع سبحانه وتعالى؛ لأن الله جل وعلا يحب من عباده أن يتقربوا إليه بترك ما تحبه نفوسهم طاعة له وتقرباً إليه، فإن من طبيعة الإنسان محبة الأكل والشرب والاتصال بأهله، فالله جل وعلا فرض عليه ترك ذلك في أيام الصيام تقرباً إليه، وابتلاء وامتحاناً له هل يؤثر محاب الله أو يؤثر هواه؟ فإذا وفقه الله لإيثار محاب الله وطاعته سبحانه وتعالى بصيانة صيامه عما حرم الله عليه، كان ذلك دليلاً على قوة إيمانه، وقوة يقينه، ورغبته فيما عند الله عز وجل.
الجواب: صيام الجوارح كفها عن محارم الله. إذا صام الإنسان يصوم لسانه عن محارم الله، يغض بصره يغضه عن محارم الله، يده يكفها عن محارم الله، رجله لا يمشي بها إلى محارم الله.. هكذا مثلما قال جابر رضي الله عنه: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن ذلك وقار وسكينة، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء، ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
فالمؤمن يصون جوارحه عن الظلم والتعدي، ويغض بصره عن المحارم، وسمعه عما لا يحل له، ولسانه عما لا يحل له.
الجواب: استنبط بعض أهل العلم من هذا: أنه سر بينه وبين الله اختصه الله بنفسه؛ لأنه شيء لا يعلمه إلا الله، لو أكل أو شرب أو جامع ما درى عنه أحد من الناس إلا زوجته إذا جامعها، ولو أكل في محل خاص أو شرب لم يعلمه أحد إلا الله، فإذا ترك هذه الأشياء في السر والجهر مراقبة لله، وطاعة لله، وتعظيماً له، فالله سبحانه يقدر له هذا التعظيم، وهذه العناية، ويدخر له فضل هذا العمل العظيم، وجعله خاصاً به سبحانه: (الصوم لي وأنا أجزي به) جعل الله له به كرامة وزيادة في الأجر؛ لأنه سر بين الله وبين عبده سبحانه وتعالى.
الجواب: مشروع لجميع الأمم، قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، فهو كتب علينا كما كتب على من قبلنا، وذلك من رحمة الله وإحسانه إلى عباده أن يصوموا ويتقربوا إليه بترك شهواتهم طاعة له، وتعظيماً له، فيجازيهم أحسن الثواب وأجزله سبحانه وتعالى.
الجواب: يؤجل، فإذا خرج رمضان يصوم اليوم الذي عليه ويطعم مسكين، كما أفتى به جماعة من الصحابة رضي الله عنهم عن تأخيره إذا كان أخره بغير عذر، أما إن كان مريض جاء رمضان وهو مريض ما طاق السنة كلها فهو معذور يقضيه ولو بعد ذلك ولا حرج ولا شيء عليه، لكن إذا أخره تساهلاً فإنه يقضي اليوم أو الأيام ويطعم عن كل يوم مسكيناً كفارة زيادة، مع التوبة إلى الله والندم والإقلاع مع عدم العودة إلى التأخير.
الجواب: نعم، ينبهه إذا رآه يأكل أو يشرب، يقول: أنت صائم تنبه؛ لأنه منكر ظاهر وإذا كان يغفر له لأجل نسيانه لكن لا يغفر لمن حضره ألا ينبهه.
المقدم: سماحة الشيخ قبل أن نختم هذا اللقاء وهذه الحلقة تذاع في أول يوم من رمضان هل تود أن تضيف أي نقطة في هذا اللقاء الطيب المبارك معكم؟
الشيخ: أضيف في الوصية السابقة: الوصية بهذا الشهر العناية بتقوى الله، وأن يحذر ما حرم الله عليه في هذا الشهر الكريم، وأن يبذل وسعه في اغتنام الأعمال الصالحات التي يستطيعها في هذا الشهر الكريم؛ لأنها فرصة عظيمة.
المقدم: اللهم آمين، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من المقبولين في هذا الشهر الكريم، وأن يكون هذا الشهر شاهداً لنا بالعمل الصالح لا شاهداً علينا.
شكراً لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.
شكر الله لسماحته، وشكراً لزميلي مهندس الصوت: فهد العثمان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر