الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أيها المستمعون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم إلى هذا اللقاء الجديد من لقاءات نور على الدرب.
يسرنا أن نعرض ما لدينا من رسائل في هذه الحلقة على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة وردت من السائلة: مها. أ. م ، من الرياض، تقول في رسالتها:
هل يجوز للمرأة أن تكشف وجهها ورأسها أمام أخي زوجها البالغ الذي يعيش معها ومع زوجها في بيت واحد؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فلا شك أنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها ولا رأسها لأخي زوجها، سواء كان عاش معهم في البيت، أم كان خارج البيت، ما دام قد بلغ الحلم، بأن أكمل خمسة عشر سنة أو بلغ الحلم بغير ذلك؛ لأن الله يقول جل وعلا: وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا [النور:59]، فدل ذلك على أنهم حينئذٍ يجب الحجاب عنهم، فعلى المرأة أن تحتجب عن أخي زوجها، وعن عم زوجها، وعن خال زوجها؛ لأنهم ليسوا محارم، فتحجب وجهها ورأسها وسائر بدنها؛ لأن إبداء شيء من ذلك يعرضها للفتنة، ويعرضه للفتنة، والله يقول جل وعلا: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ .. [النور:31] الآية، ويقول سبحانه: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، أما أبو الزوج وجد الزوج فهؤلاء محارم، أبوه من جهة أبيه، وأبوه من جهة أمه، وجده من جهة أبيه، وجده من جهة أمه كلهم محارم، هكذا أولاده وأولاد بناته وأولاد بنيه كلهم محارم، أما الإخوة والأعمام والأخوال وبنو العم وبنو الخال هؤلاء كلهم أجانب، عليها أن تحتجب منهم، ولو كان بعضهم عاش معها في البيت.
الجواب: يشرع ذكر الله لكل أحد، سواء كانت حائضاً أو نفساء، أو كانت جنباً، وهكذا الرجل إذا كان جنباً، مشروع ذكر الله للجميع، قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه)، والله جل وعلا يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا [الأحزاب:41]، ويقول سبحانه: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ .. [الأحزاب:35]، إلى أن قال سبحانه: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (سبق المفردون، قيل: يا رسول الله! ما المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات).
فيشرع للمؤمن والمؤمنة الإكثار من ذكر الله بالتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والاستغفار.. هكذا للجميع، للحائض والنفساء والجنب وغيرهم، أما القرآن فلا. لا يقرؤه الجنب لا من المصحف ولا عن ظهر قلب، هكذا المرأة لا تقرأ القرآن حال كونها جنباً لا عن ظهر قلب ولا من المصحف.
واختلف العلماء رحمة الله عليهم هل تقرأ الحائض القرآن عن ظهر قلب من دون مس المصحف؟
فذهب الأكثرون إلى أنها لا تقرأ لأنها كالجنب، وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه يجوز لها أن تقرأ لعدم الدليل على المنع؛ لأن مدتها تطول، وهكذا النفاس يطول، فليس مثل الجنب .. الجنب مدته قليلة يغتسل ويقرأ، لكن الحائض والنفساء مدتهما تطول، فعليهما مشقة كبيرة في عدم القراءة، ولهذا الصواب: أنه لا بأس ولا حرج في قراءتهما القرآن عن ظهر قلب من دون مس المصحف، وأما حديث: (لا يقرأ شيئاً من القرآن الحائض والجنب) فهو حديث ضعيف عند أهل العلم، وإنما الذي ينكر هو قراءة الجنب، فالجنب لا يقرأ؛ لأنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان لا يمنعه شيء من القرآن إلا الجنابة)، وخرج ذات يوم إلى أصحابه فقرأ شيئاً من القرآن، فقال: (هذا لمن ليس جنباً، أما الجنب فلا. ولا آية) فدل ذلك على أن الجنب لا يقرأ القرآن حتى يغتسل سواء كان ذكراً أو أنثى.
إذا مات شخص وهو يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس ببشر، وأنه يعلم الغيب، وأن التوسل بالأولياء الأموات والأحياء قربة إلى الله عز وجل، فهل يدخل النار أو يعتبر مشركاً؟ علماً أنه لا يعلم غير هذا الاعتقاد، وأنه عاش في منطقة علماؤها وأهلها كلهم يقرون بذلك، فما حكمه؟ وما حكم التصدق عنه، والإحسان إليه بعد موته؟
الجواب: من مات على هذا الاعتقاد، يعتقد: أن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس ببشر، وليس من بني آدم، أو يعتقد أنه يعلم الغيب، فهذا اعتقاد كفري. يعتبر كافراً، وهكذا إذا كان يتوسل به، بمعنى: يدعوه ويستغيث به، وينذر له؛ لأن التوسل فيه تفصيل:
بعض الناس يطلق التوسل على دعاء الميت وطلبه المدد والاستغاثة به. وهذا من الكفر بالله، فإذا مات على هذه الحال فقد مات على حالة كفرية، لا يتصدق عنه، ولا يصلى عليه، ولا يغسل وهو في هذه الحال، ولا يدعى له، ثم بعد ذلك أمره إلى الله في الآخرة، إن كان عن جهالة، وعن عدم بصيرة، وليس عنده من يعلمه، فهذا حكمه حكم أهل الفترة يوم القيامة يمتحنون، ويؤمرون؛ فإن أجابوا وأطاعوا نجوا ودخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار.
أما إن كان يعلم ولكنه تساهل ولم يبال، فهذا حكمة حكم الكفرة؛ لأنه مكذب لله عز وجل، الله جل وعلا بين أن محمد بشر، وبين سبحانه أنه لا يعلم الغيب إلا الله، وأنه مستحق للعبادة فالذي يعتقد أن محمد ليس ببشر، وأنه يعلم الغيب قد كذب الله عز وجل؛ فيكون كافراً -نسأل الله العافية- لكنه إذا كان جاهلاً فأمره في الآخرة إلى الله، أما في الدنيا فحكمه حكم الكفرة: لا يصلى عليه، ولا يدعى له، إلى آخره.
أما التوسل بمعنى: التوسل بجاه فلان، يعني كونه يقول: أسأل الله بجاه فلان، أسال الله بجاه محمد صلى الله عليه وسلم، بجاه الأنبياء. بحق الأنبياء، هذا فيه خلاف بين العلماء: منهم من أجازه، ومنهم من منعه، وليس بشرك؛ من أجازه رأى أنه وسيلة لا بأس بها، ومن منعه يرى أنه بدعة وليس بشرك؛ لأن الوسائل لابد يأتي فيها النص، لابد أن تعرف من النصوص، ولم يأت في النص ما يدل على أن التوسل بجاه فلان أو حق فلان أنه جائز وأنه شرعي، بل جاءت النصوص تدل على أن هذا ليس بشرعي، وليس بجائز، بل هو بدعة؛ لأن الله سبحانه يقول: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، هذه الوسيلة، تسأل ربك بأسمائه، تقول: يا رب يا رحمان يا رحيم اغفر لي، أنجني من النار، يا سميع الدعاء، يا حي يا قيوم، إلى غير ذلك. تسأله بأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى.
وهكذا التوسل بالتوحيد والإيمان، تقول: اللهم إني أسالك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت بأني أؤمن بك وبأنبيائك ورسلك. هذه وسيلة شرعية لا بأس بها، أو تسأله بأعمالك الصالحة: اللهم إني أسالك ببري لوالدي، وطاعتي لك ولرسولك أن تغفر لي، أن تهب لي كذا وكذا. لا بأس، كما ثبت في الحديث الصحيح في قصة أهل الغار -وهم ثلاثة- آواهم المبيت أو المطر إلى غار، فلما دخلوا فيه انحدرت عليهم صخرة من أعلى جبل فسدت الغار عليهم، ولم يستطيعوا الخروج، ولم يستطيعوا دفعها، فقالوا فيما بينهم لن ينجيكم من هذا إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فتوجهوا إلى الله سبحانه وسألوه ببعض أعمالهم الطيبة، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، يعني: لا يسقي الغبوق -وهو اللبن- في الليل قبلهما أهلاً ولا مالاً، وأنه نأى بي طلب الشجر ذات ليلة، فلم أرح عليهما إلا وقد ناما، فحلبت لهما غبوقهما، وجعلته على يدي، ووقفت أنتظرهما حتى طلع الفجر واستيقظا فسقيتهما، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه. فانفرجت الصخرة بعض الشيء، لكنهم لا يستطيعون الخروج.
والثاني توسل بعفته عن الزنا: كانت ابنة عم يحبها كثيراً، وأرادها على نفسها فأبت عليه، ثم إنها ألمت بها حاجة -شدة- فجاءت إليه تطلب منه حاجة فأبى عليها إلا أن تمكنه من نفسها، فوافقت على هذا من أجل الحاجة، فأعطاها مائة دينار وعشرين ديناراً، فلما جلس بين رجليها، قالت له: يا عبد الله! اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فخاف من الله حينئذٍ وقام عنها، وترك لها الذهب خوفاً من الله عز وجل، فقال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، ففرجت الصخرة أكثر، لكن ما يستطيعون الخروج.
ثم قال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء، فأعطيت كل واحد منهم أجره إلا واحداً ترك أجره، فنميته له حتى صارت منه إبلاً وبقراً وغنماً ورقيقاً، فجاء يطلب أجره، فقلت له: كل هذا من أجرك، يعني: الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله! اتق الله ولا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئ بك إنه كله مالك، فاستاقه كله، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون.
هذا يدل على أن التوسل بالأعمال الطيبة الصالحة أمر مشروع، وأن الله جل وعلا يسبب به الفرج، أما التوسل بجاه فلان أو حق فلان أو بذات فلان هذا غير مشروع. هذا هو الصواب.
إذا كنت أعيش في منطقة أهلها لا يعرفون التوحيد، ويحيون البدع والخرافات، ومن اعتقاداتهم: التوسل بالأولياء، والعكوف عند الأضرحة، والذبح عندها، والنساء يخرجن متبرجات، وكثير من أهل هذه البلدة على هذه الحال، فهل يجوز لي أن أصلي خلفهم، علماً أنه لا يوجد مسجد آخر غير هذا المسجد الذي هم قائمون عليه؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب: ما دام أهل القرية بهذه الصفة فالواجب عليك أن تهاجر منها، وأن تنتقل إلى قرية صالحة، يعبد أهلها الله سبحانه وتعالى، فالهجرة واجبة من البلاد الشركية إلى بلاد إسلامية، أما إن كنت تستطيع توجيههم وإرشادهم، أو عندك من أهل العلم والبصيرة من يرشدهم حتى يتعلموا؛ فاستعينوا بالله وأرشدوهم؛ لأن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والذبح للأموات شرك أكبر -والعياذ بالله- فالعبادة حق الله وحده، يقول سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]، وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، .. آيات كثيرات، فالواجب إخلاص العبادة لله وحده، لا يدعى إلا هو سبحانه وتعالى، ولا يستغاث إلا به، ولا يصلى إلا له، ولا يسجد إلا له، فالذي يطلب الأموات المدد ويستغيث بهم قد أشرك بالله سبحانه وتعالى، وهكذا إذا صلى لهم وسجد لهم وذبح لهم ونذر لهم.. كل هذا عبادة لغير الله، فيجب عليه التوبة من ذلك، والرجوع إلى الله، والندم، ومن تاب تاب الله عليه، فالعبادة حق الله يجب إخلاصها لله.
وهكذا لا يجوز للنساء التبرج بين الرجال، وإخراج الزينة، هذا من المنكرات، ومن أسباب الفتن، وظهور الفواحش، فالواجب إنكار ذلك.
فالخلاصة: أن عليك يا عبد الله أن تنصح أهل هذه القرية، وأن تطلب لهم العلماء، ولو من بلاد أخرى يأتون إليهم حتى يرشدوهم، حتى يعلموهم، حتى ينصحوهم، لا يجوز تركهم على هذه الحالة السيئة، بل يجب أن يوجهوا إلى الخير وأن ينصحوا، وأن يطلب لهم العلماء من الأقطار الأخرى التي بقربهم من أهل التوحيد حتى ينصحوهم، حتى يوجهوهم، وإذا كنتم في السوادن فعندكم أنصار السنة، اطلبوا منهم من يأتي إليكم وينصحكم ويوجه هؤلاء إلى الخير، وهكذا في أي بلاد اطلب الذين يعرفون التوحيد ويدعون إلى التوحيد حتى يحضروا إلى هذه القرية، حتى يرشدوهم، حتى يعلموهم، فالدين النصيحة، والله يقول جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر، قال: (ادعهم إلى الإسلام -يعني: اليهود- وأخبرهم بما يجب عليهم في حق الله تعالى فيه، ثم قال: فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، يعني: خير لك من جميع النوق الحمر، والمعنى: خير لك من الدنيا وما عليها، فدل ذلك على عظم شأن الدعوة إلى الله، وإرشاد الناس، وأنها قربة عظيمة، فلا يجوز إهمال القرى الجاهلة التي يقع فيها الشرك والمعاصي الظاهرة، بل يجب إرشادهم، وتوجيههم إلى الخير، وتعليمهم ما أوجب الله عليهم حتى يزول الشرك، وحتى تختفي المعاصي. رزق الله الجميع التوفيق والهداية.
عندما يحتاج شخص إلى نقود يذهب إلى شخص آخر، ويقول له: أريد منك أن تدينني سيارة، ويستجيب الأخ لطلبه ويذهبان إلى المعرض، ويتفقان على البيع مؤجلاً قبل شراء السيارة، فإذا اتفقا على القيمة وعلى الربح اشترى صاحب المال السيارة، ودفع المبلغ إلى صاحب المعرض، ثم بيعت السيارة على حساب المشتري الثاني نقداً، فهل هذا البيع حلال أم حرام؟ أفيدونا أفادكم الله.
وإذا كان حراماً فما هي الطريقة التي يحصل بها المحتاج للمال إلى المال بالوجه الشرعي؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب: هذا البيع بهذا الوجه الذي ذكرت وبهذه الصفة التي ذكرت لا يجوز؛ لأنه بيع للمال قبل شرائه وقبل قبضه؛ فليس لأحد أن يبيع مالاً لا سيارة ولا غيرها حتى يشتريها وحتى يحوزها، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبع ما ليس عندك)، وقال: (لا يحل سلف وبيع، ولا بيع ما ليس عندك)، وقال زيد بن ثابت رضي الله عنه (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم).
فالطريق الشرعي: أنه يشتري السلعة ممن هي عنده موجودة قد حازها، فإذا اشترها بعد ذلك ينقلها إلى بيته أو إلى السوق أو إلى محل آخر، ثم يبيعها على الناس بالنقد، أما أنه يتفق مع إنسان يشتري منه، والسلع عند الناس ما بعد اشتريت. هذا لا يجوز، هذا بيع شيء بيع لم يملكه صاحبه.
فالحاصل أن الخلاصة: أن من أراد سلعة سيارة أو أكياس رز أو سكر أو غير ذلك يشتري السلعة بعد ما يملكها مالكها، يعني: صاحب السلعة وصاحب السيارة يكون قد ملكها، صاحب الرز كذلك يكون عنده في بيته في مخزنه في بخاره، يكون عنده المال فتشتري منه هذا المال الموجود عنده بثمن معلوم إلى أجل معلوم، ثم أنت تقبض هذه السلعة وتذهب بها إلى بيتك أو إلى السوق المعروف، ثم تبيعها بعد ذلك بالنقد على الناس، لا تبيعها على من باعها عليك لا. لا تبيعها عليه بأقل من ثمنها الذي اشتريتها به لا، لكن تبيعها على الناس، أما لو بعتها عليه هو بأقل يكون عينة ما تجوز، ويكون حيلة على بيع، نقود قليلة بنقود كثيرة. هذا ربا، لكن إذا اشتريتها منه، اشتريتها من زيد مثلاً تبيعها على الناس على غيره، وتنقلها من محله من دكانه من معرضه تنقلها إلى محل آخر، ثم تبيع على الناس بالنقد لحاجتك. هذا الطريق الشرعي.
أما أن تتفق مع زيد تشتري منه شيء عند غيره ما بعد ملكه، ثم هو يروح يشتري لك بعد ذلك، ويبيع عليك هذا ما يجوز، بل يجب إنكاره، نسأل الله للجميع الهداية.
ما حكم من يصوم شهر رمضان ويحافظ على صيامه في كل عام، لكنه لا يصلي إلا في رمضان فقط، ولا يصلي في غيره، وأحياناً يصلي بعض الفروض ويترك بعض بدون عذر شرعي، هل يعتبر مثل تارك الصلاة بالكلية، وأحياناً يصلي الجمعة فقط والعيدين وغيرها لا يصلي، وأحياناً يصلي بمفرده وهو يسمع النداء والمسجد قريب؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب: مثل هذا لا يصح صيامه؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر على الصحيح من أقوال العلماء، فالذي يصوم رمضان ويدع الصلاة قد كفر بتركه الصلاة وبطل عمله؛ لأن الله قال جل وعلا: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، وقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (رأس الأمر الإسلام - يعني: الشهادتين- وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)، وقال عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها فقد كفر)، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)، فهذه الأحاديث الصحيحة وما جاء في معناها كلها تدل على كفر تارك الصلاة، فالذي ما يصلي إلا في رمضان ثم يدع الصلاة، أو يصلي بعض الشهور ويدع بعض الشهور، أو بعض الأيام ويدع بعض الأيام، أو يصلي الظهر ويترك العصر، أو الفجر ويترك الظهر، أو يترك المغرب أو ما أشبه ذلك، كل هذا متلاعب، هذا لا دين له، يجب أن يصلي الصلوات الخمس جميعاً، ويحافظ عليها ويتقي الله، أما إذا كان تارة وتارة فهذا لا يصلح، ولا يكون مسلماً على الراجح من قولي العلماء، أما إن جحد وجوبها، قال: ما هي بواجبة. هذا كافر عند الجميع -نسأل الله العافية- أما إذا كان يعلم أنها واجبة، ولكنه يتساهل فيصلي في وقت. ولا يصلي في وقت هذا يكون كافراً على الصحيح؛ للأحاديث السابقة أو ما جاء في معناها، ولا ينفعه صومه رمضان وقد ضيع الصلاة، فالواجب عليه التوبة إلى الله والندم، واستقبال زمانه بالتوبة الصادقة وبأداء الصلاة، ومن تاب تاب الله عليه سبحانه وتعالى.
أنا شاب عمري خمساً وعشرين سنة، تزوجت قبل عام تقريباً، وكنت أحب هذه المرأة، ولكن خرجنا في نزهة أنا وأهلها ومعنا ابن لخالتها، وهو تقريباً في الثامنة عشرة من عمره، ووجدت أن زوجتي لا تتحجب عنه، وتخرج عليه وهي في أحسن زينتها، وأهلها يرضون بذلك، مدعين أن ابن خالتها لا زال صغيراً، ولكنني تألمت لهذا الوضع كثيراً لدرجة أنني أصبحت لا أطيقها، وطلبت منها كثيراً أن تخرج عن بيتي، وأصبحت أضيق بها ذرعاً، وبعد فترة أنجبت لي طفلاً وتركتها، وأرسلت لها ورقة بالطلاق، وكثيراً ما يدور في نفسي أنني لو حصلتها جالسة مع ابن خالتها مرةً أخرى لتلفظت عليها بالطلاق، وهذا كله يدور في نفسي ما عدا الورقة الأولى، فأنا أريد أن أراجعها الآن وقد ندمت على ما حصل، فهل يقع طلاق بالورقة التي أرسلت لها، وهل يحق لي مصالحتها؟ وهل إذا نوى الإنسان الطلاق ولم يوقعه كتابة يقع ؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب: أولاً: ليس لها أن تبرز لابن خالها كاشفة؛ لأن هذا غلط ومنكر، والولد إذا بلغ الحلم حرم الكشف له كابن الخالة وابن العمة وابن العم وابن الخال وسائر الأجانب، فالواجب عليها التستر عنه، وأنت مصيب في إنكارك عليها، وأهلها مخطئون حيث يرضون بذلك. هذا من قلة الغيرة، فالواجب عليها أن تستتر وأن تتحجب منه، وعليك أيضاً أن تأمرها بذلك، وأن تلزمها بذلك، وعلى أهلها أن يلزموها بذلك، وهذا هو الواجب على الجميع من باب إنكار المنكر.
أما ما كتبت لها من الطلاق فيقع به طلقة، إذا كانت طلقة واحدة يقع بها طلقة، ولك أن تراجعها، إن كانت في العدة تراجعها بدون عقد، تقول: اشهد يا فلان وفلان -شاهدين- أني راجعت زوجتي فلانة، هذا هو السنة، تشهد اثنين أنك راجعت زوجتك فلانة وتسميها لهم ما دامت في العدة لم تحض ثلاث حيضات بعد الكتابة، أما ما وقع في نفسك من قصد الطلاق لو رأيتها معه. هذا ما يضر، ما يقع في النفس من الحديث لا يقع به شيء، فلو طلق في نفسه ولم يتكلم ولم يكتب لا يقع شيء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم)، هذا من رحمة الله سبحانه وتعالى: أن حديث النفس لا يقع به شيء، لا طلاق ولا عتق ولا غيرهما.
وعليك بعد أن ترجع إليها أن تنصحها وتشدد عليها في هذا الشيء حتى تعرف الأمر الشرعي، وحتى تأدب بالآداب الشرعية.
المقدم: بارك الله فيكم.
بهذا مستمعي الكرام نصل إلى نهاية هذه الحلقة، فنشكر سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز على إجاباته، ونشكركم على حسن متابعتكم، ولكم تحية من مسجل هذه الحلقة مطر الغامدي، وإلى الملتقى في حلقات قادمة.
أستودعكم الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر