إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (976)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المقدم: هذه حلقة جديدة مع قضاياكم في برنامج: نور على الدرب.

    قضايا هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله، وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====المقدم: شيخ عبد العزيز في حلقة مضت وصل بنا الحديث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم إلى إحرامه من مكة بعد وصوله إليها، أرجو أن تتفضلوا باستكمال حديثكم عن تلكم الحجة المباركة، جزاكم الله خيراً.

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:

    فقد سبق في حلقة مضت أن ذكرت صفة إحرامه صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة كما بينه للأمة، وكيف سار من ذي الحليفة إلى مكة المكرمة، وماذا فعل؟ كل ذلك تقدم بيانه من حين أحرم صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة إلى أن وصل إلى مكة وبات بها ثم صلى بها الصبح عليه الصلاة والسلام، واغتسل بها، ثم بعد ذلك أقام بمكة عليه الصلاة والسلام بعدما طاف وسعى عليه الصلاة والسلام، بعدما طاف وسعى لأنه كان قارناً ولم يحل -كما تقدم- بل بقي على إحرامه؛ لأنه كان قارناً، ساق الهدي، ومن ساق الهدي ليس له الإحلال حتى يحل يوم النحر، فبقي على إحرامه صلى الله عليه وسلم، وأمر الصحابة الذين لم يسوقوا الهدي أن يحلوا بالطواف والسعي والتقصير، وقال لهم صلى الله عليه وسلم: (لولا أن معي الهدي لأحللت معكم)، فسمعوا وأطاعوا وطافوا وسعوا وقصروا، وهم الذين أحرموا بالحج مفرداً، أو بالحج والعمرة جميعاً وليس معهم هدي، أما الذين أحرموا بالعمرة فقد طافوا وسعوا وقصروا وحلوا؛ لأنهم ليس لديهم مانع، ولهذا بين صلى الله عليه وسلم للذين أفردوا الحج أو جمعوا بالحج والعمرة وليس معهم هدي أن يحلوا من إحرامهم بالطواف والسعي والتقصير كالذين أحرموا بالعمرة، وقال لهم عليه الصلاة والسلام: (لولا أن معي الهدي لأحللت)، وقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة ولم أسق الهدي)، فطابت نفوسهم رضي الله عنهم، وطافوا وسعوا وقصروا وأحلوا.

    وأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يهدوا هدياً يذبح في أيام منى، وهو هدي التمتع، واشترك المسلمون السبعة في بدنة، والسبعة في بقرة، وهذا يعم الهدايا والضحايا، فمن ضحى بواحدة أو أهدى واحدة عن تمتعه أجزأه ذلك، ومن ضحى بسبع أو أهدى سبعاً عن تمتعه أو إقرانه بالحج والعمرة أجزأه ذلك، وإن اجتمع الجماعة في سبعة في ضحاياهم أو في هديهم عن إحرامهم وتمتعهم أجزأ ذلك، كما فعله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأمره عليه الصلاة والسلام.

    وبقي المسلمون في مكة في اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع حلالاً، إلا من كان معه الهدي فإنه بقي على إحرامه كالنبي صلى الله عليه وسلم ومن ساق الهدي، فلما كان يوم الثامن أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يتوجهوا إلى منى، وأن يلبوا بالحج من مكانهم، وكانوا نزلوا بالأبطح رضي الله عنهم فأحرموا من الأبطح.. أحرموا من الأبطح بالحج وتوجهوا إلى منى، ولم يأمرهم أن يدخلوا إلى مكة ليطوفوا طواف وداع فعلم بذلك أنه ليس هناك وداع، وأن المتوجه من مكة إلى منى لا يحتاج إلى وداع سواء كان حلالاً أو محرماً، فالنبي صلى الله عليه وسلم توجه من مكانه من الأبطح إلى منى على إحرامه؛ لأنه لم يحل، وهكذا المسلمون الذين ساقوا الهدي لم يحلوا وتوجهوا من مكانهم إلى منى، ولم يدخلوا إلى المسجد الحرام للطواف، وهكذا الذين حلوا من عمرتهم لم يؤمروا أن يدخلوا إلى مكة ليطوفوا للوداع، بل أحرموا من مكانهم، فدل ذلك على أن السنة الإحرام من محل القادم الذي نزل فيه حين فرغ من عمرته، فإنه يحرم من مكانه، وهكذا أهل مكة الذين يريدون الحج يحرمون من مكانهم، ما في حاجة إلى أن يذهبوا للبيت ويطوفوا، فكل إنسان يحرم من مكانه ويتوجه إلى منى، هذا هو السنة، ولهذا توجه الصحابة من منازلهم إلى منى.

    والأفضل للحلال أن يفعل عند إحرامه مثلما فعل في الميقات، الأفضل: يغتسل، ويتطيب، ويقلم أظفاره إن كانت طويلة، ويقص شاربه، ويأخذ إبطه وعانته، كما فعل في الميقات، وإذا كانت سليمة ليس فيها شيء فلا حاجة إلى هذا، إنما هذا في حق من كانت عنده حاجة إلى ذلك، فإذا كان شاربه طويلاً أو إبطه أو أظفاره أو عانته، كالذين مقيمين في مكة مدة طويلة مثلاً قبل شهر ذي الحجة، وكأهل مكة الذين مقيمين فيها.

    فالمقصود: أنه يفعل عند إحرامه بالحج مثلما يفعل عند إحرامه من الميقات، يعني: يغتسل ويتطيب ويلبس الإزار والرداء الرجل، وتلبس المرأة من ثيابها ما تشاء، لكن السنة أن تكون ليست جميلة، ولا تلفت النظر حتى لا يحصل بها فتنة.

    ثم يلبي الجميع بالحج: اللهم لبيك حجاً، أو لبيك حجاً، والأفضل بعد الركوب: إذا اغتسل وتطيب وفرغ من حاجاته يركب السيارة ومن كان عنده دابة فليركب، يركب الدابة، فالأفضل أنه بعد الركوب، مثلما فعل في الميقات يتهيأ من كل شيء، وإن توضأ وصلى ركعتين كما تقدم كما قاله جمهور أهل العلم فلا بأس، والإنسان إذا توضأ يشرع له أن يصلي ركعتين، فإذا صلى ركعتين وأحرم بالحج فلا بأس؛ لفعله صلى الله عليه وسلم لما أحرم من الميقات بعد الظهر عليه الصلاة والسلام، ولما قاله الجمهور من شرعية أن يكون النسك بعد صلاة ركعتين قياساً على فعله صلى الله عليه وسلم في الميقات، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (آتاني آت من ربي، فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة)، بهذا تعلق الجمهور رحمهم الله.

    ثم نزل عليه الصلاة والسلام في منى بعدما وصلها، وكانوا توجهوا ملبين، كلهم يلبون لبيك حجاً، ثم بعده: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، مثلما فعلوا من الميقات سواء سواء، يلبون في طريقهم حتى وصلوا إلى منازلهم بمنى، فنزلها عليه الصلاة والسلام، واستقر فيها ذلك اليوم يوم الثامن، وصلى بها الظهر ركعتين والعصر ركعتين والمغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين والفجر ركعتين، كل واحدة في وقتها، لم يجمع عليه الصلاة والسلام في منى؛ نازل مستريح فلم يجمع نعم، فدل ذلك على أن الأفضل للنازل المسافر عدم الجمع لعدم الحاجة إليه، وهكذا في أيام منى يوم العيد والحادي عشر والثاني عشر ليس فيها جمع هذا هو الأفضل.

    والنبي صلى الله عليه وسلم استمر في منى إلى يوم الثالث عشر ورمى الجمار كلها عليه الصلاة والسلام بعد الزوال ولم يجمع، بل صلى الصلوات في أوقاتها قصراً من دون جمع عليه الصلاة والسلام، فأخذ من ذلك العلماء: أن هذا هو الأفضل، أن الحجاج في منى لا يجمعون بل يقصرون ركعتين، يصلون ركعتين من دون جمع، يعني: الظهر في وقتها، والعصر في وقتها، والمغرب في وقتها، والعشاء في وقتها، والفجر في وقتها، هكذا فعل المصطفى عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، فالسنة للأمة أن تتأسى به في هذا عليه الصلاة والسلام، وأن تقصر الرباعية ركعتين من دون جمع، لكن إن دعت الحاجة إلى الجمع في الأسفار فلا بأس، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه جمع وهو نازل في تبوك للحاجة إلى ذلك، إذا احتاج المسافر وهو نازل أن يجمع إما لقلة الماء، أو لمشقة الاجتماع على الصلوات كل وقت فرأى الجمع من المصلحة فلا بأس بذلك.

    ثم إنه صلى الله عليه وسلم لما طلعت الشمس يوم عرفة توجه من منى إلى عرفات ملبياً عليه الصلاة والسلام، وكان بعض الصحابة يهلوا يقولوا: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، قال أنس : (كان يلبي الملبي فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه)، سفالأمر في هذا واسع، فإن توجهوا إلى عرفات ملبين أو مهللين ومكبرين كله لا بأس به، والتلبية أفضل لفعله صلى الله عليه وسلم.

    فلما وصل إلى نمرة وهي قرية غربي عرفة نزل هناك ووجد قبة قد ضربت من شعر فنزل بها واستظل بها عليه الصلاة والسلام.

    المقدم: كانت قرية في ذلك الوقت يا سماحة الشيخ؟

    الشيخ: يقولون كانت قرية، لكن الظاهر -والله أعلم- أنها ليست يعني قرية مستقيمة وإنما بقية قرية، ولهذا نزلوا بها، فلعلها كانت قديماً ثم خربت، فنزل بها صلى الله عليه وسلم، ونزل بها المسلمون، واستظل بالقبة، فدل ذلك على أن هذا هو الأفضل الحجاج ينزلون غربي عرفة، ولا بأس أن يستظلوا بالخيمة والشجر ونحو ذلك لا حرج في ذلك.

    ثم لما زالت الشمس ركب دابته صلى الله عليه وسلم وأتى الناس الوادي وقصدوا الوادي وادي عرنة فجعل يخطب بالناس ويذكرهم عليه الصلاة والسلام، ويعلمهم مناسك حجهم حتى انتهى من خطبته صلى الله عليه وسلم، وأمر جريراً وغيره أن يستنصت الناس، أن يأمرهم بالإنصات في خطبته صلى الله عليه وسلم، وفتح الله أسماع الناس وسمعوا خطبته عليه الصلاة والسلام، وسمعوا توجيهاته عليه الصلاة والسلام، وبين لهم صلى الله عليه وسلم ما يلزم في هذه الخطبة، وأن أمور الجاهلية موضوعة، والربا موضوع، ودماء الجاهلية موضوع، كل هذا بينه عليه الصلاة والسلام، وأن الواجب استقبال أمر دينهم عما يتلقونه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ومن كتاب ربهم، وأن أمور الجاهلية كلها موضوعة إلا ما وافق الشرع منها، إلا ما أقره الشرع منها، وبين لهم صلى الله عليه وسلم ما حق النساء عليهم، وحقهم على النساء عليه الصلاة والسلام.

    وبين لهم في قوله: (من لم يجد إزاراً فيلبس السراويل، ومن لم يجد نعلين فيلبس الخفين)، وبين لهم صلى الله عليه وسلم أنه تارك فيهم ما لن يضلوا إن اعتصموا به كتاب الله قال: (إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله)، رواه مسلم في الصحيح، وزاد الحاكم في رواية: (وسنتي)، (إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله وسنتي)، وهذا أمر معلوم؛ لأن كتاب الله يأمر بالسنة، وتعظيم السنة، وتعظيم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن التمسك بكتاب الله إلا مع التمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا لابد منه الأمران متلازمان، ولهذا قال جل وعلا في كتابه العظيم: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [المائدة:92]، فالتمسك بالسنة أمر لازم لأمر الله في القرآن سبحانه وتعالى، فدل ذلك على أن السنة للإمام أن يخطب الناس بعرفات ويذكرهم أو نائبه وكذلك يقوم مقامه، يعلمهم دينهم، وأحكام حجهم، ومناسكهم، ويبصرهم بدين الله؛ لأنه مجمع عظيم؛ فيبصرهم بدين الله، ولهذا بين لهم صلى الله عليه وسلم أمور دينهم، وتوحيد ربهم، والإخلاص له، وبين لهم التمسك بالقرآن، وتعظيم القرآن، وأنهم لن يضلوا أبداً إذا اعتصموا بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الواجب على الناس، الواجب على جميع الثقلين أن يتمسكوا بكتاب الله، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وألا يحيدوا عن ذلك أبداً، وأن يعرضوا كلام العلماء على هذين الأصلين على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما وافق ذلك من كلام أهل العلم قبل، وما خالف ذلك رد على قائله مع الترحم عليه والترضي عنه -إذا كان من أهل الإيمان- والدعاء له؛ لأنه مجتهد، فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر، لكن كل قول وكل رأي يخالف كتاب ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام فإنه يطرح وإن كان قائله عظيماً من الناس، هذا هو معنى ما أمر به عليه الصلاة والسلام، وهو معنى قوله جل وعلا: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] ، وهو معنى قوله سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10].

    ثم لما خطبهم عليه الصلاة والسلام قال: (إنكم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت؛ فجعل يرفعه إصبعه إلى السماء ثم ينكبها إلى الناس ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد) عليه من ربي أفضل الصلاة وأتم التسليم، ونحن نشهد كما شهد الصحابة رضي الله عنهم أنه قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فجزاه الله عنا وعن جميع أمته خير الجزاء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089170986

    عدد مرات الحفظ

    782386587