قضايا هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله، وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====المقدم: شيخ عبد العزيز في حلقة مضت وصل بنا الحديث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم إلى إحرامه من مكة بعد وصوله إليها، أرجو أن تتفضلوا باستكمال حديثكم عن تلكم الحجة المباركة، جزاكم الله خيراً.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:
فقد سبق في حلقة مضت أن ذكرت صفة إحرامه صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة كما بينه للأمة، وكيف سار من ذي الحليفة إلى مكة المكرمة، وماذا فعل؟ كل ذلك تقدم بيانه من حين أحرم صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة إلى أن وصل إلى مكة وبات بها ثم صلى بها الصبح عليه الصلاة والسلام، واغتسل بها، ثم بعد ذلك أقام بمكة عليه الصلاة والسلام بعدما طاف وسعى عليه الصلاة والسلام، بعدما طاف وسعى لأنه كان قارناً ولم يحل -كما تقدم- بل بقي على إحرامه؛ لأنه كان قارناً، ساق الهدي، ومن ساق الهدي ليس له الإحلال حتى يحل يوم النحر، فبقي على إحرامه صلى الله عليه وسلم، وأمر الصحابة الذين لم يسوقوا الهدي أن يحلوا بالطواف والسعي والتقصير، وقال لهم صلى الله عليه وسلم: (لولا أن معي الهدي لأحللت معكم)، فسمعوا وأطاعوا وطافوا وسعوا وقصروا، وهم الذين أحرموا بالحج مفرداً، أو بالحج والعمرة جميعاً وليس معهم هدي، أما الذين أحرموا بالعمرة فقد طافوا وسعوا وقصروا وحلوا؛ لأنهم ليس لديهم مانع، ولهذا بين صلى الله عليه وسلم للذين أفردوا الحج أو جمعوا بالحج والعمرة وليس معهم هدي أن يحلوا من إحرامهم بالطواف والسعي والتقصير كالذين أحرموا بالعمرة، وقال لهم عليه الصلاة والسلام: (لولا أن معي الهدي لأحللت)، وقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة ولم أسق الهدي)، فطابت نفوسهم رضي الله عنهم، وطافوا وسعوا وقصروا وأحلوا.
وأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يهدوا هدياً يذبح في أيام منى، وهو هدي التمتع، واشترك المسلمون السبعة في بدنة، والسبعة في بقرة، وهذا يعم الهدايا والضحايا، فمن ضحى بواحدة أو أهدى واحدة عن تمتعه أجزأه ذلك، ومن ضحى بسبع أو أهدى سبعاً عن تمتعه أو إقرانه بالحج والعمرة أجزأه ذلك، وإن اجتمع الجماعة في سبعة في ضحاياهم أو في هديهم عن إحرامهم وتمتعهم أجزأ ذلك، كما فعله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأمره عليه الصلاة والسلام.
وبقي المسلمون في مكة في اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع حلالاً، إلا من كان معه الهدي فإنه بقي على إحرامه كالنبي صلى الله عليه وسلم ومن ساق الهدي، فلما كان يوم الثامن أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يتوجهوا إلى منى، وأن يلبوا بالحج من مكانهم، وكانوا نزلوا بالأبطح رضي الله عنهم فأحرموا من الأبطح.. أحرموا من الأبطح بالحج وتوجهوا إلى منى، ولم يأمرهم أن يدخلوا إلى مكة ليطوفوا طواف وداع فعلم بذلك أنه ليس هناك وداع، وأن المتوجه من مكة إلى منى لا يحتاج إلى وداع سواء كان حلالاً أو محرماً، فالنبي صلى الله عليه وسلم توجه من مكانه من الأبطح إلى منى على إحرامه؛ لأنه لم يحل، وهكذا المسلمون الذين ساقوا الهدي لم يحلوا وتوجهوا من مكانهم إلى منى، ولم يدخلوا إلى المسجد الحرام للطواف، وهكذا الذين حلوا من عمرتهم لم يؤمروا أن يدخلوا إلى مكة ليطوفوا للوداع، بل أحرموا من مكانهم، فدل ذلك على أن السنة الإحرام من محل القادم الذي نزل فيه حين فرغ من عمرته، فإنه يحرم من مكانه، وهكذا أهل مكة الذين يريدون الحج يحرمون من مكانهم، ما في حاجة إلى أن يذهبوا للبيت ويطوفوا، فكل إنسان يحرم من مكانه ويتوجه إلى منى، هذا هو السنة، ولهذا توجه الصحابة من منازلهم إلى منى.
والأفضل للحلال أن يفعل عند إحرامه مثلما فعل في الميقات، الأفضل: يغتسل، ويتطيب، ويقلم أظفاره إن كانت طويلة، ويقص شاربه، ويأخذ إبطه وعانته، كما فعل في الميقات، وإذا كانت سليمة ليس فيها شيء فلا حاجة إلى هذا، إنما هذا في حق من كانت عنده حاجة إلى ذلك، فإذا كان شاربه طويلاً أو إبطه أو أظفاره أو عانته، كالذين مقيمين في مكة مدة طويلة مثلاً قبل شهر ذي الحجة، وكأهل مكة الذين مقيمين فيها.
فالمقصود: أنه يفعل عند إحرامه بالحج مثلما يفعل عند إحرامه من الميقات، يعني: يغتسل ويتطيب ويلبس الإزار والرداء الرجل، وتلبس المرأة من ثيابها ما تشاء، لكن السنة أن تكون ليست جميلة، ولا تلفت النظر حتى لا يحصل بها فتنة.
ثم يلبي الجميع بالحج: اللهم لبيك حجاً، أو لبيك حجاً، والأفضل بعد الركوب: إذا اغتسل وتطيب وفرغ من حاجاته يركب السيارة ومن كان عنده دابة فليركب، يركب الدابة، فالأفضل أنه بعد الركوب، مثلما فعل في الميقات يتهيأ من كل شيء، وإن توضأ وصلى ركعتين كما تقدم كما قاله جمهور أهل العلم فلا بأس، والإنسان إذا توضأ يشرع له أن يصلي ركعتين، فإذا صلى ركعتين وأحرم بالحج فلا بأس؛ لفعله صلى الله عليه وسلم لما أحرم من الميقات بعد الظهر عليه الصلاة والسلام، ولما قاله الجمهور من شرعية أن يكون النسك بعد صلاة ركعتين قياساً على فعله صلى الله عليه وسلم في الميقات، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (آتاني آت من ربي، فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة)، بهذا تعلق الجمهور رحمهم الله.
ثم نزل عليه الصلاة والسلام في منى بعدما وصلها، وكانوا توجهوا ملبين، كلهم يلبون لبيك حجاً، ثم بعده: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، مثلما فعلوا من الميقات سواء سواء، يلبون في طريقهم حتى وصلوا إلى منازلهم بمنى، فنزلها عليه الصلاة والسلام، واستقر فيها ذلك اليوم يوم الثامن، وصلى بها الظهر ركعتين والعصر ركعتين والمغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين والفجر ركعتين، كل واحدة في وقتها، لم يجمع عليه الصلاة والسلام في منى؛ نازل مستريح فلم يجمع نعم، فدل ذلك على أن الأفضل للنازل المسافر عدم الجمع لعدم الحاجة إليه، وهكذا في أيام منى يوم العيد والحادي عشر والثاني عشر ليس فيها جمع هذا هو الأفضل.
والنبي صلى الله عليه وسلم استمر في منى إلى يوم الثالث عشر ورمى الجمار كلها عليه الصلاة والسلام بعد الزوال ولم يجمع، بل صلى الصلوات في أوقاتها قصراً من دون جمع عليه الصلاة والسلام، فأخذ من ذلك العلماء: أن هذا هو الأفضل، أن الحجاج في منى لا يجمعون بل يقصرون ركعتين، يصلون ركعتين من دون جمع، يعني: الظهر في وقتها، والعصر في وقتها، والمغرب في وقتها، والعشاء في وقتها، والفجر في وقتها، هكذا فعل المصطفى عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، فالسنة للأمة أن تتأسى به في هذا عليه الصلاة والسلام، وأن تقصر الرباعية ركعتين من دون جمع، لكن إن دعت الحاجة إلى الجمع في الأسفار فلا بأس، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه جمع وهو نازل في تبوك للحاجة إلى ذلك، إذا احتاج المسافر وهو نازل أن يجمع إما لقلة الماء، أو لمشقة الاجتماع على الصلوات كل وقت فرأى الجمع من المصلحة فلا بأس بذلك.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم لما طلعت الشمس يوم عرفة توجه من منى إلى عرفات ملبياً عليه الصلاة والسلام، وكان بعض الصحابة يهلوا يقولوا: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، قال أنس : (كان يلبي الملبي فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه)، سفالأمر في هذا واسع، فإن توجهوا إلى عرفات ملبين أو مهللين ومكبرين كله لا بأس به، والتلبية أفضل لفعله صلى الله عليه وسلم.
فلما وصل إلى نمرة وهي قرية غربي عرفة نزل هناك ووجد قبة قد ضربت من شعر فنزل بها واستظل بها عليه الصلاة والسلام.
المقدم: كانت قرية في ذلك الوقت يا سماحة الشيخ؟
الشيخ: يقولون كانت قرية، لكن الظاهر -والله أعلم- أنها ليست يعني قرية مستقيمة وإنما بقية قرية، ولهذا نزلوا بها، فلعلها كانت قديماً ثم خربت، فنزل بها صلى الله عليه وسلم، ونزل بها المسلمون، واستظل بالقبة، فدل ذلك على أن هذا هو الأفضل الحجاج ينزلون غربي عرفة، ولا بأس أن يستظلوا بالخيمة والشجر ونحو ذلك لا حرج في ذلك.
ثم لما زالت الشمس ركب دابته صلى الله عليه وسلم وأتى الناس الوادي وقصدوا الوادي وادي عرنة فجعل يخطب بالناس ويذكرهم عليه الصلاة والسلام، ويعلمهم مناسك حجهم حتى انتهى من خطبته صلى الله عليه وسلم، وأمر جريراً وغيره أن يستنصت الناس، أن يأمرهم بالإنصات في خطبته صلى الله عليه وسلم، وفتح الله أسماع الناس وسمعوا خطبته عليه الصلاة والسلام، وسمعوا توجيهاته عليه الصلاة والسلام، وبين لهم صلى الله عليه وسلم ما يلزم في هذه الخطبة، وأن أمور الجاهلية موضوعة، والربا موضوع، ودماء الجاهلية موضوع، كل هذا بينه عليه الصلاة والسلام، وأن الواجب استقبال أمر دينهم عما يتلقونه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ومن كتاب ربهم، وأن أمور الجاهلية كلها موضوعة إلا ما وافق الشرع منها، إلا ما أقره الشرع منها، وبين لهم صلى الله عليه وسلم ما حق النساء عليهم، وحقهم على النساء عليه الصلاة والسلام.
وبين لهم في قوله: (من لم يجد إزاراً فيلبس السراويل، ومن لم يجد نعلين فيلبس الخفين)، وبين لهم صلى الله عليه وسلم أنه تارك فيهم ما لن يضلوا إن اعتصموا به كتاب الله قال: (إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله)، رواه مسلم في الصحيح، وزاد الحاكم في رواية: (وسنتي)، (إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله وسنتي)، وهذا أمر معلوم؛ لأن كتاب الله يأمر بالسنة، وتعظيم السنة، وتعظيم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن التمسك بكتاب الله إلا مع التمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا لابد منه الأمران متلازمان، ولهذا قال جل وعلا في كتابه العظيم: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [المائدة:92]، فالتمسك بالسنة أمر لازم لأمر الله في القرآن سبحانه وتعالى، فدل ذلك على أن السنة للإمام أن يخطب الناس بعرفات ويذكرهم أو نائبه وكذلك يقوم مقامه، يعلمهم دينهم، وأحكام حجهم، ومناسكهم، ويبصرهم بدين الله؛ لأنه مجمع عظيم؛ فيبصرهم بدين الله، ولهذا بين لهم صلى الله عليه وسلم أمور دينهم، وتوحيد ربهم، والإخلاص له، وبين لهم التمسك بالقرآن، وتعظيم القرآن، وأنهم لن يضلوا أبداً إذا اعتصموا بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الواجب على الناس، الواجب على جميع الثقلين أن يتمسكوا بكتاب الله، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وألا يحيدوا عن ذلك أبداً، وأن يعرضوا كلام العلماء على هذين الأصلين على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما وافق ذلك من كلام أهل العلم قبل، وما خالف ذلك رد على قائله مع الترحم عليه والترضي عنه -إذا كان من أهل الإيمان- والدعاء له؛ لأنه مجتهد، فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر، لكن كل قول وكل رأي يخالف كتاب ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام فإنه يطرح وإن كان قائله عظيماً من الناس، هذا هو معنى ما أمر به عليه الصلاة والسلام، وهو معنى قوله جل وعلا: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] ، وهو معنى قوله سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10].
ثم لما خطبهم عليه الصلاة والسلام قال: (إنكم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت؛ فجعل يرفعه إصبعه إلى السماء ثم ينكبها إلى الناس ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد) عليه من ربي أفضل الصلاة وأتم التسليم، ونحن نشهد كما شهد الصحابة رضي الله عنهم أنه قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فجزاه الله عنا وعن جميع أمته خير الجزاء.
إذا لم أصل في مسجد رسول الله وأنا جئت للحج هل يكون حجي صحيحاً أو لا؟
الجواب: نعم، الحج صحيح، والزيارة إلى المسجد النبوي ليست واجبة، الزيارة مستحبة، فإن زار في وقت الحج أو في غير وقت الحج فذلك سنة وقربة وطاعة، ولكنها ليست واجبة عند أهل العلم، بإجماع العلماء ليست الزيارة واجبة ولكنها سنة، إنما الواجب الحج حج الفريضة والعمرة، وأما الزيارة فهي سنة، فمن تيسرت له فعلها، ومن تركها فلا حرج عليه، ويكفيه اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في أي مكان، يكفيه أن يتبع النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي عليه ويعظم سنته ويدعو إلى سنته في أي مكان، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا علي؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، خاف من الغلو، وخاف من التكلف والتنطع، ولهذا قال: (لا تجعلوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا علي؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم).
ومن تيسرت له الزيارة زار، وصلى في المسجد النبوي، وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه، ودعا له ولهما رضي الله عنهما، ثم ينصرف، ويزور البقيع، ويسلم على أهل البقيع، ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة، ويزور الشهداء أيضاً شهداء الصحابة الذين استشهدوا هناك في أحد يزورهم، ويسلم عليهم، ويدعو لهم بالرحمة والمغفرة، هذه السنة، ويزور قباء أيضاً مسجد قباء ويصلي فيه ركعتين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يزوره عليه الصلاة والسلام، يزوره كل سبت ويصلي فيه ركعتين، ويقول صلى الله عليه وسلم: (من تطهر في بيته فأحسن الطهور، ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه ركعتين كان كعمرة)، وهذا فضل عظيم.
فالسنة للزائر أن يصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ويكثر من الصلاة فيه، ويلزم ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)، فمن زار فليغتنم يصلي في هذا المسجد ما تيسر، ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه -كما تقدم- يقف أمامه ويسلم عليه قائلاً: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمتك خير الجزاء، فإن قال: أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق الجهاد، فكل هذا حق، لا بأس بذلك، لكن لا يتمسح بالحجرة، ولا يتمسح بالشباك، ولا يدعو النبي ولا يستغيث به، ولا يطلب منه الشفاعة، لا، كل هذا لا يجوز بل هذا من الشرك، كونه يدعو النبي ويستغيث به هذا من الشرك.
أما التمسح بالجدران جدران المسجد أو جدران الحجرة أو الشباك هذا بدعة لا يجوز، فالواجب على المؤمن أن يتأدب بالآداب الشرعية، ويبتعد عن الآداب المبتدعة، فيقف أمامه من دون تمسح بالحجرة ولا غيرها، ويسلم عليه صلى الله عليه وسلم، ويدعو له كما شرع الله، ثم يسلم على صاحبيه ويترضى عنهما ويدعو لهما ثم ينصرف، وهكذا في البقيع يزورهم ويسلم عليهم ويدعو لهم، لكن لا يدعوهم مع الله ولا يستغيث بهم، ولا ينذر لهم كل هذا لا يجوز، وهكذا الشهداء يزورهم ويسلم عليهم ولكن لا يدعوهم مع الله، ولا يستغيث بهم، ولا يسألهم قضاء حاجة، كل هذا من عمل الجاهلية، كل هذا من الغلو ومحرم بل من الشرك الأكبر، ثم يزور مسجد قباء -كما ذكرنا- يستحب إذا زار مسجد قباء للصلاة فيه فقط. والله ولي التوفيق.
الجواب: لابد أن تكون ذبائح تذبح، لا يشتري لحم من السوق ولا يجزي عنها القيمة، لابد أن يشتري هدياً أو يسوقه من بلاده إذا كان متمتعاً أو قارناً حتى يذبحه في منى أو في مكة، ولا يجزي القيمة، ولا يجزي شراء لحم من المجزرة لا، لابد أن يذبح الهدي لله عز وجل يتقرب إليه سبحانه وتعالى من الإبل أو البقر أو الغنم، الشاة الواحدة عن واحد، والبقرة عن سبعة، والبدنة عن سبعة، فلو أخرج الصدقة أخرج المال والنقود لم تجز، أو اشترى لحماً لم يجز لابد أن يشتري حياً حيواناً حياً من الإبل أو البقر أو الغنم ثم يذبحه لله في نفس الحرم في مكة أو في منى، ويأكل ويهدي ويتصدق من هذا الهدي، كما فعله نبينا عليه الصلاة والسلام، فإنه أهدى وأكل من لحم الإبل وشرب مرقها عليه الصلاة والسلام، والله يقول: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28]، هكذا شرع الله عز وجل.
الجواب: نعم. إذا عجز بأن صارت النقود عنده قليلة لا تكفي لشراء الهدي فإنه يصوم لعجزه عن الهدي لفقره وحاجته أو ضياع نفقته أو نحو ذلك فإنه يصوم عشرة أيام: ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله؛ لقوله جل وعلا: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]يعني: أن هذا للآفاقى الذي يأتي من خارج مكة، فإنه إذا عجز يصوم عشرة أيام: ثلاثة في الحج قبل عرفة أفضل يصومها في العشر قبل عرفة أو في ذي القعدة بعد فراغه من العمرة يصومها، والسبع تؤخر إلى بلده؛ لأن هذا أسهل عليه، ولو صامها في مكة بعد الحج فلا بأس، لكن تأخرها إلى بلده أفضل له، فإن لم يصم الثلاثة قبل عرفة صامها في أيام النحر في الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر.
الرخصة خاصة لمن عجز عن الهدي يصوم في أيام أخر، ولا يجوز صيامها لغيره؛ لأنها أيام عيد، فلا تصام إلا لمن عجز عن الهدي ولم يصم قبل عرفة فإنه يصومها، ثم يصوم السبعة بعد ذلك في مكة، أو في أهله، وصومها في أهله أفضل؛ لقوله سبحانه: وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ يعني: هذا رحمة من الله وتيسير منه سبحانه وتعالى أنه يؤخر صوم السبعة حتى يصل إلى أهله؛ لأنه في الغالب أفضل، لكن لو أقام في مكة وأحب أن يصوم في مكة فلا بأس.
الجواب: لا ما في إطعام، ما في إلا الصوم، إما هدي وإما الصوم فقط، إن قدر عليه أهدى كما تقدم، وإن عجز عن الهدي فإنه يصوم عشرة أيام.
ثم الهدي يذبح في أيام العيد، لا قبله؛ لأن العبادة لا تقدم قبل وقتها، الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ذبحوا في أيام العيد، وبعض الفقهاء أجاز التقديم ولكنه قول ضعيف مرجوح، والصواب: أن هذه الهدايا تذبح يوم العيد وفي أيام النحر الثلاث .. أربعة أيام، في أيام ذبح الهدي والضحايا، فإن فاتت شغل عن ذلك، أو فقد الهدي، أو ضاعت نفقته ولم يتيسر له الذبح في أيام العيد؛ فإنه يقضي بعد العيد الهدايا هذه، ولو بعد العيد قضاء كما تقضى الصلاة، فإذا لم يتيسر له الذبح أيام النحر الأربعة فإنه يذبح هديه التمتع والقران بعد ذلك قضاء يذبحها في مكة، ويأكل ويطعم كما لو ذبحها في الأيام الأربعة.
أما الضحايا وهدي التمتع وهدي التطوع هذا ينتهي بانتهاء أيام النحر، إذا لم يذبح الضحية أيام النحر انتهى ذهب وقتها، وهكذا هدي التطوع ذهب وقته، لكن الهدي الواجب الذي يلزم المعتمر، يلزم المتمتع والقارن هذا لو فات في الأيام الأربعة لسبب من الأسباب فإنه يقضيه بعد ذلك، ويفعل فيه كما يفعل لو ذبحه في أيام النحر من الأكل والإطعام.
الجواب: الواجب أن يرمي في النهار يوم العيد إلى غروب الشمس، وأيام التشريق بعد الزوال إلى غروب الشمس هذا المشروع، فإن لم يتيسر ذلك جاز الرمي في الليل على الصحيح؛ لأن الوقت قد لا يتسع للناس مع كثرتهم، فإذا رمى بعد الغروب فلا بأس في ذلك عند الزحمة وعند الكثرة والمشقة فلا بأس أن يرمي بعد الغروب، لكن لليوم الذي غابت شمسه ليوم العيد يرمي بعد الغروب ليوم العيد في ليلة إحدى عشر، ويوم الحادي عشر يرمي بعد الغروب ليلة اثنا عشر ليوم الحادي عشر، لليوم الذي غابت شمسه ما هو لليوم المستقبل، وهكذا في يوم الثاني عشر يرمي بعد الغروب لليوم الثاني عشر، وأما اليوم الثالث عشر فلا يؤخر؛ لأن ليلة أربعة عشر ليس فيها مناسك، فلابد أن يرمي قبل الغروب في اليوم الثالث عشر، والغالب أنه لا يشق في اليوم الثالث عشر؛ لأن الناس في الغالب يتعجلون في اليوم الثاني عشر ولا يبقى في اليوم الثالث عشر إلا القليل، والغالب أنه لا يشق الرمي بعد الزوال، فلا يجوز تأخير الرمي إلى بعد الغروب في اليوم الثالث عشر، أما يوم العيد والحادي عشر والثاني عشر فمن لم يتيسر له الرمي بعد الزوال في اليوم الحادي عشر والثاني عشر أو في يوم العيد اليوم العاشر رمى بعد الغروب، وإن أخرها ورماها في يوم الثالث عشر أو الثاني عشر مرتبة فلا بأس عند جمع من أهل العلم، لكن يكون خالف السنة، السنة أن يرمي يوم العيد في وقته والحادي عشر في وقته والثاني عشر.. هذه السنة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، والمؤمن يجتهد في ذلك، والعاجز يوكل، المريض والحبلى والمرضع التي يشق عليها الرمي لعدم وجود من يحفظ ولدها ونحو ذلك يوكلون، هكذا الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وضعيف البنية الذي لا يحسن الرمي يوكل من يرمي عنه، والصبيان كذلك البنين والبنات الصغار كل هؤلاء يرمي عنهم أولياؤهم حتى لا يزحموا ولا يؤذوا؛ لأنهم لا يتحملون، والمرضى كذلك لا يتحملون والشيخ الكبير والعجوز الكبيرة والحبلى والأطفال كل هؤلاء إذا وكلوا أن يرمي عنهم جاز ذلك.
المقدم: جزاكم الله خيراً. إذاً تأخير الرمي إلى آخر يوم مثلاً جائز لكنه خالف السنة؟
الشيخ: نعم. مع الترتيب، يرمي ليوم العيد، ثم يرمي لليوم الحادي عشر، ثم الثاني عشر، ثم الثالث عشر مرتبة، لكن كونه يرمي يوم العيد في وقته، والحادي عشر في وقته، والثاني عشر في وقته هذا هو السنة.
المقدم: نعم. جزاكم الله خيراً.
سماحة الشيخ! انتهى الوقت المخصص لهذه الحلقة، آمل أن يتجدد اللقاء، وأنتم دائماً على خير.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر