إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (977)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المقدم: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: نور على الدرب.

    رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز!

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلينا من إحدى الأخوات المستمعات من بريدة، تقول: طبيبة مصرية، ورمزت إلى اسمها بالحروف: (أ. أ. م)، أختنا تسأل وتقول:

    سؤالي هو قضية قرأتها في كتاب أثرت في نفسي كثيراً ولم أقتنع بما قرأت، وهي قضية العذر بالجهل، من هم الذين يعذرون بجهلهم؟ وهل يعذر الإنسان بجهله في الأمور الفقهية أم في أمور العقيدة والتوحيد؟ ولو أن المرء الذي أقر بالشهادة قام بأمور تنافي هذه الشهادة من زيارة لقبور الصالحين والذبح لغير الله، وسب الدين.. إلى آخره، كما يحدث عندنا، وعلماء تلك المناطق لا ينكرون هذا البلاء، وهم صامتون على ما يرون، نرجو من سماحتكم أن تتفضلوا بالتوضيح حول هذه المسألة، وكيف ينكر على هؤلاء الناس الذين يعيشون في ديار الإسلام؟ واسم الكتاب عندي وسأوضحه لكم إذا طلبتم، جزاكم الله خيراً.

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فإن دعوى الجهل والعذر بالجهل فيه تفصيل، وليس كل أحد يعذر بالجهل، فالأمور التي جاء بها الإسلام، وبينها الرسول صلى الله عليه وسلم للناس، وأوضحها كتاب الله، وانتشرت بين المسلمين؛ فإن دعوى الجهل لا تقبل، ولا سيما ما يتعلق بالعقيدة وأصل الدين؛ فإن الله عز وجل بعث نبيه صلى الله عليه وسلم ليوضح للناس دينهم، وليشرح لهم دينهم، وقد بلغ البلاغ المبين، وأوضح للأمة حقيقة دينها، وشرح لها كل شيء، وتركها على البيضاء ليلها كنهارها، وفي كتاب الله الهدى والنور، فإذا ادعى بعض الناس الجهل فيما هو معلوم من الدين بالضرورة، قد انتشر بين المسلمين، كدعوى الجهل بالشرك، وعبادة غير الله عز وجل، أو دعوى أن الصلاة غير واجبة، أو صيام رمضان غير واجب، أو الزكاة غير واجبة، أو الحج مع الاستطاعة غير واجب، هذا كله لا يقبل؛ لأن هذا أمر معلوم بين المسلمين، قد علم بالضرورة من دين الإسلام، قد انتشر بين المسلمين؛ فلا تقبل منه الدعوى في ذلك.

    وهكذا إذا ادعى أنه يجهل ما يفعله المشركون عند القبور، أو عند الأصنام من دعوة الأموات، والاستغاثة بالأموات، والذبح لهم، والنذر لهم، أو الذبح للأصنام، أو للكواكب، أو للأشجار والأحجار، والاستغاثة بهم، وطلب الشفاء، أو النصر على الأعداء من الأموات، أو الأصنام، أو الجن، أو الملائكة، أو الأنبياء، فكل هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة وأنه شرك أكبر، قد أوضح الله في كتابه كل ذلك، وأوضحه رسوله صلى الله عليه وسلم، وبقي ثلاثة عشر سنة في مكة، وهو ينذر الناس هذا الشرك، وهكذا في المدينة عشر سنين، وهو يوضح لهم وجوب إخلاص العبادة لله وحده، ويتلو عليهم كتاب الله: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23].. إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5].. وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5].. فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2-3]، فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، ويقول سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].

    ويقول سبحانه يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:1-2].

    ويقول عز وجل: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، ويقول سبحانه: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117].

    وهكذا الاستهزاء بالدين، والطعن في الدين، والسخرية والسب، كل هذا من الكفر الأكبر، ومما لا يعذر فيه من تعاطاه؛ لأنه معلوم من الدين بالضرورة: أن سب الدين أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم من الكفر الأكبر.

    وهكذا الاستهزاء والسخرية، قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66].

    فالواجب على أهل العلم في أي مكان أن ينشروا هذا بين الناس، وأن يظهروه حتى لا يبقى للعامة عذر، وحتى ينتشر بينهم هذا الأمر العظيم، وحتى يدعوا التعلق بالأموات والاستغاثة بالأموات في أي مكان، في مصر أو الشام أو العراق أو في المدينة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو في مكة، أو غير ذلك، حتى ينتبه الحجيج وينتبه الناس، ويعلموا شرع الله ودينه، فسكوت العلماء من أسباب هلاك العامة وجهلهم؛ فيجب على أهل العلم أينما كانوا في أي مكان أن يبلغوا الناس دين الله، وأن يعلموهم توحيد الله، وأنواع الشرك بالله حتى يدعوا الشرك على بصيرة، وحتى يعبدوا الله وحده على بصيرة.

    وهكذا ما يقع عند قبر البدوي ، أو الحسين رضي الله عنه، أو عند قبر الشيخ عبد القادر الجيلاني ، أو عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، أو عند غيرهم، يجب التنبيه على هذا الأمر، وأن يعلم الناس أن العبادة حق الله وحده، ليس لأحد فيها حق، كما قال عز وجل: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]، وقال سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2-3]، ويقول سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ ، يعني: أمر ربك، أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23].

    فالواجب على أهل العلم في جميع البلاد الإسلامية، وفي كل مكان، وفي الأقليات الإسلامية، وفي كل مكان: أن يعلموا الناس توحيد الله، وأن يبصروهم بمعنى عبادة الله، وأن يحذروهم من الشرك بالله عز وجل الذي هو أعظم الذنوب، وقد خلق الله الثقلين ليعبدوه، وأمرهم بذلك، يقول سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وعبادته بطاعته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإخلاص العبادة له، وتوجيه القلوب إليه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21].

    أما المسائل التي قد تخفى كمسائل المعاملات، في بعض شئون الصلاة، في بعض شئون الصيام؛ فقد يعذر فيها الجاهل في بعض المسائل، كما عذر النبي صلى الله عليه وسلم الذي أحرم في جبة وتلطخ بالطيب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اخلع عنك الجبة، واغسل عنك أثر الخلوق، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجتك)، ولم يأمره بالفدية لجهله، كونه أحرم بالجبة وكونه تلطخ بالطيب لم يأمره بالفدية لجهله.

    هكذا في بعض المسائل التي قد تخفى يعلم فيها الجاهل، يبصر فيها الجاهل، أما الأمور الأصولية: أصول العقيدة، أركان الإسلام، المحرمات الظاهرة، فلا يقبل من أحد عذر في ذلك، فلو قال أحد: إني ما أعرف أن الزنا حرام وهو بين المسلمين ما يعذر، يقام عليه حد الزنا، أو قال: ما أعرف أن الخمرة حرام وهو بين المسلمين لا يعذر، أو قال: ما أعرف أن عقوق للوالدين حرام ما يعذر، يضرب.. يؤدب، أو قال: ما أعرف أن اللواط -وهو الإتيان في الدبر- حرام ما يعذر؛ لأن هذه أمور ظاهرة معروفة عند المسلمين، معروفة في الإسلام، لكن لو كان في شواطئ أمريكا، وبعض البلاد البعيدة عن الإسلام، أو في مجاهل أفريقيا التي ليس حولها مسلمون، قد يقبل منه دعوى الجهل في هذه البلاد البعيدة عن الإسلام، إذا مات على ذلك يكون أمره إلى الله.. يكون حكمه حكم أهل الفترة، والصحيح أنهم يمتحنون يوم القيامة ويؤمرون؛ فإن أجابوا وأطاعوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار، أما الذي بين المسلمين وهو يتعاطى أنواع الكفر بالله، ويترك الواجبات المعلومة. هذا لا يعذر؛ لأن الأمر واضح، والمسلمون بحمد الله موجودون يعملون بهذه الأعمال، يصلون.. يصومون.. يحجون، كل هذا معلوم، يعرفون أن الزنا حرام، وأن الخمرة حرام، وأن العقوق حرام، ومعروف بين المسلمين وظاهر بين المسلمين؛ فدعوى الجهل دعوى باطلة، والله المستعان.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088882547

    عدد مرات الحفظ

    779680615