مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: (نور على الدرب).
رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز!
الشيخ: حياكم والله وبارك فيكم!
المقدم: حياكم الله.
====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع: (ح. ف) سوداني من المنطقة الغربية، أخونا له سؤال يقول فيه:
أعرفكم أنا في كل ليلة جمعة أصلي في الليل تسعاً وأربعين ركعة، ثم في شهر رمضان أصلي تسعاً وتسعين ركعة، أفيدوني عن صلاتي هذه ما حكمها؟ هل أستمر أم توجهوني إلى شيء آخر؟ جزاكم الله خيراً!
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فإن الصلاة في الليل لم يحددها الشارع عليه الصلاة والسلام، بل أطلقها للعباد، وما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم شرع محترم؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، كما قال الله عز وجل: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:1-4]، والمراد به نبينا عليه الصلاة والسلام.
وقد ثبت في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)، فلم يحدد عدداً معلوماً، بل قال: (صلاة الليل مثنى مثنى)، يعني: ثنتين ثنتين، فله أن يصلي عشراً، وله أن يصلي مائة، وله أن يصلي أكثر أو أقل، ثم يختم بركعة واحدة قبل الصبح.
لكن الأفضل أن يقتصر على إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة؛ تأسياً بالنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه في غالب أوقاته يوتر بإحدى عشرة، وربما أوتر بثلاث عشرة، وربما أوتر بأقل من ذلك عليه الصلاة والسلام، فإذا فعل المؤمن كما فعل عليه الصلاة والسلام، مع العناية بإطالة الركوع والسجود والقراءة؛ فهذا أفضل، وإن زاد وصلى عشرين كما فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في عهد عمر ، مع الإيتار بثلاث الجميع ثلاث وعشرون، أو صلى تسعاً وأربعين، أو ثلاثاً وأربعين، أو إحدى وأربعين، أو أكثر أو أقل، أو تسعاً وتسعين، أو مائة وواحدة، أو أكثر من هذا؛ كل ذلك لا حرج فيه، فإنه يصلي ما يسر الله له، ومن زعم أن الصلاة محدودة فقد غلط، لا في رمضان ولا في غيره، غير محدودة، وليس لأحد أن يحدد شيئاً ما شرعه الله؛ فإن العبادات توقيفية، ليس لأحد أن يحدد شيئاً في الليل أو النهار بغير حجة شرعية.
قال الله جل وعلا لأهل الكتاب لما قالوا: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى [البقرة:111]، قال لهم سبحانه: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:111].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد)، متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، أي: مردود، فمن قال: إن الصلاة في الليل لا يزاد فيها على إحدى عشرة، أو على ثلاث عشرة أو أقل أو أكثر، فليس عنده دليل؛ بل هو غالط في ذلك، لا يجوز تقليده ولا اتباعه في ذلك في هذا الغلط.
ولكن للمؤمن أن يصلي ما يسر الله له، يصلي ثلاثاً.. يصلي واحدة.. يصلي خمساً.. يصلي سبعاً.. يصلي تسعاً.. يصلي إحدى عشرة.. يصلي ثلاث عشرة.. يصلي غير ذلك، كما قال عليه الصلاة والسلام: (صلاة الليل مثنى مثنى)، زاد أهل السنن: (صلاة الليل والنهار)، بإسناد جيد.. (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)، وهكذا فهم الصحابة رضي الله عنهم، وهم أعلم الناس بعد الأنبياء، قد صلوا ثلاثاً وعشرين، وصلوا أكثر من ذلك، والأمر في هذا واسع، ليس فيه تحديد، هذا هو الحق.
وأنت أيها السائل! الأفضل لك أن تصلي ثلاث عشرة أو إحدى عشرة بالركود والطمأنينة في الركوع والسجود، وإطالة القراءة والتدبر، هذا هو الأفضل، وإن صليت أكثر أو أقل فلا حرج في ذلك والحمد لله.
يقول: لي أخ أكبر مني وكان في زينة، وكان يحمل سلاحاً ويطلق عيارات نارية في الهواء، وفي أثناء رميه في الهواء أصاب أحد الأشخاص فتوفي، ماذا على أخي أن يفعل؟
الجواب: إذا كان أصابه خطأً؛ فإن عليه الدية والكفارة، والدية يحملها العاقلة، وهم العصبة الأقرب فالأقرب، وعليه الكفارة وهي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين؛ لقول الله سبحانه وتعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا [النساء:92]، فإن سمحوا عن الدية؛ فلا بأس، أما الكفارة فعليه الكفارة، وهي لازمة، كما نصت عليه الآية الكريمة، لكنها عتق رقبة مؤمنة، فإن عجز صام شهرين متتابعين ستين يوماً.
الجواب: التوسل قسمان:
قسم شرعي مأمور به. وقسم منكر منهي عنه.
فأما التوسل الشرعي فهو أنواع أربعة:
النوع الأول: التوسل بتوحيد الله، والشهادة له بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة، كما في حديث بريدة عند أهل السنن بإسناد صحيح: (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو ويقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، فقال عليه الصلاة والسلام: لقد سأل الله باسمه الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب)، فهذا أفضل التوسل، تسأله بتوحيدك إياه، تقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، اللهم إني أسألك بإيماني بك، وتوحيدي لك، وشهادتي بأنك الواحد الأحد.. بأنك المستحق للعبادة، اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، وأن محمداً عبدك ورسولك، اللهم إني أسألك بإيماني بك، وإيماني بجميع المرسلين أن تغفر لي وأن ترحمني أو ترزقني كذا، أو تمنحني العلم النافع والعمل الصالح، أو ترزقني زوجة صالحة، أو ذرية طيبة، أو ما أشبه ذلك.
النوع الثاني: التوسل بالعمل الصالح، كأن تسأل الله بصلاتك وصيامك، وبر والديك، وصلة أرحامك، كفعل أهل الغار الذين آواهم المبيت والمطر إلى غار، فلما دخلوه قدر الله عليهم صخرة انحدرت عليهم، فسدت عليهم باب الغار، فلم يستطيعوا الخروج؛ فقالوا فيما بينهم: لن ينجيكم من هذا إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، والغبوق: إسقاء اللبن في الليل، فنأى بي طلب الشجر ذات ليلة فلم أرح عليهما إلا وقد ناما، فأخذت غبوقهما ووقفت عليهما أنتظر استيقاظهما، والصبية يتضاغون تحت قدمي، فلم يستيقظا حتى طلع الفجر، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك؛ فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة قليلاً، لكنهم لا يستطيعون الخروج.
ثم قال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم، أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، وإني طلبتها في نفسها فأبت، فألمت بها سنة -يعني: حاجة- فجاءت إليه تطلبه العون، فقال: لا، حتى تمكنيني من نفسك، فوافقت على ذلك على مائة دينار وعشرين ديناراً، فسلم لها مائة دينار وعشرين ديناراً، فلما جلس بين رجليها قالت: يا عبد الله! اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه؛ فخاف من الله وقام، وقال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، لكنهم لا يستطيعون الخروج.
فقام الآخر وقال: اللهم إني استأجرت أجراء، فأعطيت كل أجير حقه إلا واحداً ترك أجره، فنميته له، واشتريت منه إبلاً وبقراً وغنماً ورقيقاً، فلما جاء قلت: هذا من أجرك، فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي، فقال: إني لا أستهزئ بك.. كله من أجرك، فاستاقه كله، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه؛ فانفرجت الصخرة وخرجوا.
فهذا يدل على أن التوسل بالأعمال الصالحات من أسباب الفرج.
والنوع الثالث: التوسل إلى الله سبحانه بحبه له وحبه لأنبيائه، وحبه لعباده الصالحين، وهو نوع من العمل الصالح، فإن الحب عمل صالح، فالتوسل إلى الله بقولك: اللهم إني أسألك بحبي لك، وحبي لأنبيائك أن تفعل لي كذا وكذا، فهذا أيضاً توسل شرعي من جنس التوسل بالتوحيد والعمل الصالح.
النوع الرابع: التوسل بالدعاء.. دعاء الحي، كأن تقول: يا عبد الله! ادع الله لي أن يشفيني.. ادع الله أن يصلحني، كما كان الصحابة يقولون: يا رسول الله! ادع الله لنا.. ادع الله أن يغيثنا.. ادع الله أن يصلحنا، هذا أيضاً توسل شرعي، تقول لأخيك: ادع الله لي أن يشفيني.. ادع الله لي أن يغفر لي.. أن يهبني ذرية صالحة.
ومن هذا استغاثة المسلمين بالرسول صلى الله عليه وسلم في حال حياته، لما أجدبوا؛ فخطب الناس يوم الجمعة واستسقى، ومرة خرج إلى الصحراء وصلى ركعتين واستسقى عليه الصلاة والسلام، فهذا توسل شرعي بدعاء أخيك الحي الحاضر، يطلب الله لك.
أما القسم الثاني: وهو التوسل المنكر البدعي، فهذا التوسل بجاه الناس وأسمائهم، تقول: اللهم إني أسألك بجاه محمد عليه الصلاة والسلام، أو بجاه أهل البيت، أو بجاه فلان؛ هذا لا، بدعة، أو اللهم إني أسألك بحق فلان وحق فلان؛ هذا بدعة.
وأعظم من ذلك: أن تسأله بدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، هذا من الشرك الأكبر كما فعل المشركون، فإنهم يسمونه توسلاً وتشفعاً، فيقولون: يا فلان! أغثنا.. يا فلان! انصرنا.. اشف مرضانا.. المدد المدد، وهذا من الشرك الأكبر، وإن سموه توسلاً فهذا من الشرك الأكبر.
والتوسل بالجاه والحق من البدع، وهو من وسائل الشرك، وليس من الشرك لكنه من وسائل الشرك.
وبهذا تعلم الفرق بين التوسل الشرعي والتوسل البدعي المنكر.
فالتوسل الشرعي أقسام وأنواع؛ أعظمه التوسل بتوحيد الله الذي هو دين الله.. التوسل بتوحيد الله والإخلاص له والإيمان به وبرسله، ثم التوسل بالأعمال الصالحات، ثم التوسل بحبك لأنبيائه ورسله وعباده الصالحين؛ كحب آل البيت المؤمنين.. حب الرسل.. حب الصحابة؛ كل هذا من الوسائل الشرعية.
الرابع: التوسل بدعاء أخيك لك، أن تقول له: ادع الله لي يا أخي، ومنه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للناس واستسقاؤه للناس واستغاثته للناس لما أجدبوا عليه الصلاة والسلام.
أما القسم الثاني المنكر: فهو التوسل بالشرك، ودعاء الأموات، والاستغاثة بالأصنام؛ هذا شرك أكبر، وهذا معنى قوله جل وعلا في حق المشركين: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18]، ومعنى قوله: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، هذا توسل بالشرك وعبادة غير الله نعوذ بالله، وهذا شرك أكبر.
ومنه التوسل البدعي؛ وهو التوسل بجاه الأنبياء، أو بجاه الصالحين، أو حق الأنبياء، وحق الصالحين، أو ذوات الأنبياء أو ذوات الصالحين.. اللهم إني أسألك بنبينا، أو بـعمر ، أو بـأبي بكر ؛ هذا من البدع.
وفق الله الجميع. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
في أحد أسئلته يقول: يكثر عندنا النمل، وكذلك يهرب النحل من خلاياه المجاورة لنا، ونخاف -بطبيعة الحال- من أذاه؛ فنقتله بطرق متعددة، سمعنا أحد الناس يقول: إن هناك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تقتلوا النمل ولا النحل ولا الهدهد..)، ورابع لم أسمعه، أرجو التكرم بالإفادة عن هذا الموضوع جزاكم الله خيراً؟
الجواب: نعم، صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أربع: عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد، لكن ذكر أهل العلم أنها إذا لم تؤذ، فأما إذا آذت الناس.. آذى النمل الناس، أو آذاهم النحل؛ فلا مانع، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقتل خمس من الدواب في الحل والحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور)، وفي اللفظ الآخر: (والحية)، فهذه مثلها، إذا آذاكم النمل ولا يندفع شره إلا بقتله؛ فلا مانع من قتله، بما يزيل أذاه، وهكذا النحل إذا آذاكم ولم يتيسر صده عنكم إلا بقتله؛ فلا بأس بذلك.
الجواب: نعم، إذا كانت حقيرة فلا بأس بذلك، إذا كانت قيمتها ليست كثيرة؛ فلا مانع من أخذها والانتفاع بها: كالحبل، والعصا، وشسع النعل ونحو ذلك، إذا كانت قيمتها عشرة ريال.. عشرين ريال.. ثلاثين ريال؛ فإنها في وقتنا الآن لا قيمة لها، فالأمر في هذا واسع إن شاء الله، إلا أن تعرف صاحبها فأعطها إياه.
الجواب: لا حرج في ذلك إن شاء الله.
أولاً: شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن أقترض من أحد الأشخاص مبلغ خمسين ديناراً عراقي كدين إلى أن أرده له، وشاءت الإرادة أن سافرت إلى السعودية دون أن أتمكن من مقابلته، وقد وافاه الأجل وهو في غربته قبل أن نتقابل، وطبعاً المبلغ دين في عنقي، مع العلم أن أسرة الفقيد معنا في المنطقة بالسودان وهو أعزب، وأريد أن أرد المبلغ إلى أسرة الفقيد، لكن ما هي الطريقة التي أرد بها هذا المبلغ؟ هل أرده دينارات كما أخذتها؟ مع العلم أن الدينار نفسه في السودان ليس له أي قيمة تذكر إلا إذا حول إلى عملة أخرى مثل الريال أو الدولار، أم أردها ريالات فيما يعادل المبلغ المستلف؟ أم أردها عملة سودانية فيما يعادل المبلغ في حالة تحويله إلى تلك العملات المذكورة؟ أفيدوني عن هذا، جزاكم الله خيراً!
الجواب: الواجب عليك أن ترد القرض إلى أهله كما أخذته، فإذا كان الرجل معروف الأسرة؛ فالواجب عليك أن ترده إلى ورثته، على ما أخذته، سواء غلا أو رخص، ترد الدنانير التي أخذت منه على حالها، فإذا اتفقت مع الورثة على غيرها بالسعر الحالي؛ فلا بأس، فإذا اتفقت معهم على أن تردها لهم بالريال السعودي.. بالجنيه الإسترليني.. بالدولار وقت الاجتماع بهم والاتفاق معهم على السعر؛ فلا بأس في ذلك، وإلا فالواجب عليك أن ترد ما أخذت على ورثته بعد التأكد من الورثة.
حديث يحتج به القبوريون على استغاثتهم بأوليائهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سل! فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: أو غير ذلك؟ فقلت: هو ذا. فقال: فأعني على نفسك بكثرة السجود)، أو كما قال، نرجو منكم شرحاً وافياً حول هذا الموضوع، وهل يصلح استدلالاً للقبوريين؟
الجواب: ليس في هذا حجة للقبوريين؛ لأنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرافقته في الجنة بالعمل الصالح الذي يؤدي إلى هذا الخير.
فالمعنى: (أسألك مرافقتك في الجنة)، بإرشادي إلى أسباب ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك ذلك إلا بإرشاد الشخص إلى الأعمال الصالحة، فإنه صلى الله عليه وسلم أمره الله أن يخبر الناس قال: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ [الأعراف:188].. قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا [الجن:21]، فهو لا يملك ضر أحد ولا رشده ولا هدايته: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56].. لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272].
فالمعنى: أسألك أن ترشدني إلى الأسباب التي تجعلني رفيقاً لك في الجنة؛ ولهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أعني على نفسك بكثرة السجود)، يعني: بكثرة الصلوات التي تجعله أهلاً لأن يكون رفيقاً للرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة.
وفي رواية أحمد قال: (أسألك أن تشفع لي، قال عليه الصلاة والسلام: أعني على نفسك بكثرة السجود)، فالمعنى: أعني على الشفاعة لك في دخول الجنة بأن تكثر من الصلاة؛ فهذا يدل على عظم شأن الصلاة، وأنها من أسباب دخول الجنة، وأن يكون صاحبها رفيقاً للرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك.
وليس في هذا حجة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يملك إدخال زيد الجنة أو منعه من ذلك، فالقرآن نص على هذا، والرسول صلى الله عليه وسلم نص على هذا، والقرآن قال عنه صلى الله عليه وسلم: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ [الأعراف:188].. قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا [الجن:21].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل بيته: (يا معشر قريش! اشتروا أنفسكم من الله؛ فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً)، والله صرح بهذا فقال: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56].
وقد حرص على هداية عمه أبي طالب حين مرضه، ودعاه إلى أن يقول: لا إله إلا الله، فأبى أبو طالب، ومات على دين قومه، ولم يستطع هدايته.
تنبيه: وقع في سؤال السائل الذي قبل هذا: شاءت إرادة الله! ولا ينبغي هذا التعبير، فلا يقال: شاءت إرادة الله، ولا شاءت قدرة الله، ولكن يقال: شاء الله سبحانه كذا وكذا.. شاء الله كذا وكذا.. قدر الله كذا وكذا، هكذا ينبغي؛ لأن الإرادة والقدرة ليس لها مشيئة، المشيئة لله وحده سبحانه: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ [الأنعام:112].. (ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن).
ما حكم القراءة -أي: قراءة يس- على المقابر بعد الفراغ من الدفن وقبله، والتهليل سبعين ألف مرة للميت، وفي ثالث أيامه يحتفلون ويذبحون خير بقرة له، ثم في الخامس عشر وفي تمام الشهر من وفاة الميت يحتفلون ويذبحون ويأكلون، ولا يبالون بما بقي لليتامى والورثة؟ ما حكم الشرع في مثل هذا في نظركم؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب: كل هذا بدعة، لا أصل له في الشرع، فـ(يس) لا تقرأ على الأموات ولا على القبور، وإنما تقرأ على المحتضر قبل أن يموت، كما جاء به الحديث الشريف، وإن كان في سنده مقال، لكن صححه بعض أهل العلم؛ فلا بأس بقراءته على المحتضر قبل أن يموت.. قراءة سورة (يس).
أما قراءتها على الميت بعد الموت، أو على القبر؛ فهذا لا أصل له، ولا يشرع؛ بل هو بدعة.
وهكذا الاستغفار له سبعين ألف مرة، هذا لا أصل له.
وهكذا الاحتفال بالذبح لله في ثالث أيام الموت أو خمسة عشر بعد الموت أو على رأس الشهر أو بعد ذلك، أو على رأس الأربعين أو على رأس السنة؛ كل هذا من البدع، لا يجوز لهم أن يفعلوا، لا من أموالهم ولا من أموال الورثة؛ لأن الرسول ما فعل هذا ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم، فالخير في اتباعهم، وقد قال الله جل وعلا: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، وقال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، فلا يخص بدعاء ولا باستغفار سبعين ألف ولا عشرة آلاف ولا ألف ولا ألفين، لا شيء مقدر، يدعى له بالمغفرة والرحمة ولأموات المسلمين.. يتصدق عنه لا بأس.. يضحى عنه لا بأس.
أما الاحتفال بشيء معين من الذبائح في يوم معين يوم الموت أو ثالث الموت أو عاشر الموت أو خامس عشر أو بعد شهر أو بعد سنة؛ فكل هذا من البدع يجب التناهي عن هذا، ويجب التناصح بين المسلمين في ذلك، ويجب على من يعلم إرشاد من لا يعلم، هكذا يجب على المسلمين التناصح، والتواصي بالحق؛ حتى تزول البدع ويقل الشر، قال الله عز وجل في وصف الرابحين: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].
وقال جل وعلا: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2].
وأكل الذبائح من أموال اليتامى أو من أموال الورثة ظلم، وإذا رضوا بذلك فهذا جهل وبدعة، ومن عمل الجاهلية؛ فالواجب الحذر والتناصح.
المقدم: جزاكم الله خيراً!
سماحة الشيخ! في الختام أتوجه لكم بالشكر الجزيل -بعد شكر الله سبحانه وتعالى- على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
الشيخ: نرجو ذلك.
المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، شكراً لمتابعتكم، وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر