الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
العمرة من شعائر الله عز وجل: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32]، ولها واجبات وأركان.
وصفتها: أن الإنسان إذا وصل إلى الميقات اغتسل كما يغتسل للجنابة، ولبس إزاراً ورداءً، والأفضل أن يكونا أبيضين نظيفين، وتطيب في رأسه ولحيته دون إزاره وردائه، وقال: لبيك اللهم عمرة، لبيك اللهم لك لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. ولا يزال يلبي حتى يشرع في الطواف، فإذا وصل إلى المسجد الحرام دخله مقدماً رجله اليمنى قائلاً: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك. ثم يتقدم إلى الحجر الأسود فيستلمه بيده اليمني -أي: يمسحه ويقبله-، وهذا إن تيسر، فإن لم تيسر فإنه يشير إليه، ثم يجعل الكعبة عن يساره ويطوف سبعة أشواط، يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى منها، والرمل أن يسرع في المشي مع مقاربة الخطى بدون أن يهز الكتفين، ويضطبع في جميع الطواف في كل الأشواط، وصفة الاضطباع أن يخرج كتفه الأيمن ويجعل طرفي الرداء على الكتف الأيسر، وهذا الاضطباع لا يشرع إلا في الطواف فقط، وليس مشروعاً من حين الإحرام كما يظنه العامة، بل إذا شرعت في الطواف فاضطبع إلى أن تنتهي منه فقط، وفي طوافك تدعو بما شئت، وتذكر الله عز وجل، إلا أنك إذا مررت بالحجر الأسود تكبر كلما مررت به، وتقول بينه وبين الركن اليماني: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].
وقد شاع عند كثير من الناس كتيبات فيها أدعية مخصوصة لكل شوط، وهذه الأدعية المخصوصة لكل شوط ليست من السنة، بل هي بدعة، فلا ننصحك بها، بل ادع الله سبحانه وتعالى بحاجتك التي في قلبك، والتي تريدها أنت وتعرف معناها، وتتضرع إلى الله عز وجل في تحقيقها، أما هذه الأدعية المكتوبة فإن كثيراً من الناس يتلوها وكأنها حروف هجائية لا يعرف معناها أبداً.
فإذا فرغت من الطواف فصل ركعتين خلف مقام إبراهيم قريباً منه إن تيسر، وإلا ولو بعيداً، تقرأ في الركعة الأولى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]. بعد الفاتحة، وفي الثانية: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، بعد الفاتحة، وتخفف هاتين الركعتين، ولا تجلس بعدها بل تنصرف إلى المسعى.
واعلم أنه ليس هناك دعاء عند مقام إبراهيم؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فرغت من الركعتين فاتجه إلى المسعى، فإذا قربت من الصفا فاقرأ قول الله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]. أبدأ بما بدأ الله به، ثم اصعد إلى الصفا واستقبل القبلة وارفع يديك كبر واحمد الله، وقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثم ادع الله بما شئت، وأنت لا تزال واقفاً على الصفا، ثم أعد الذكر مرة أخرى، ثم أعد الذكر مرة ثالثة، ثم انصرف إلى المروة تمشي مشياً معتاداً إلى أن تصل إلى العلم الأخضر -العمود الأخضر-، فإذا وصلت إلى هذا العمود الأخضر فاسع -يعني: اركض ركضاً شديداً-، بشرط أن لا تؤذي أحداً حتى تصل إلى العلم الأخضر الثاني، ثم تمشي مشياً معتاداً إلى المروة، فإذا وصلت المروة فإنك تقول مثل ما قلت على الصفا، هذا شوط، فإذا رجعت من المروة إلى الصفا فهو شوط آخر، فإذا أتممت سبعة أشواط فقد تم السعي، وحينئذٍ تحلق رأسك أو تقصره، ويكون التقصير شاملاً لكل الرأس وليس لجزء منه أو لشعيرات منه، وبهذا تمت العمرة وحللت منها، فألبس ثيابك.
فإن رجعت إلى بلدك من فورك فلا وداع عليك، وإن تأخرت في مكة فلا تخرج من مكة حتى تطوف للوداع بدون سعي، تطوف للوداع بدون سعي وعليك ثيابك، لا تحتاج إلى ثياب الإحرام في هذه الحال، وتخرج، وتجعل طواف الوداع آخر أمورك، هذه صفة العمرة.
قال أهل العلم: وأركانها: الإحرام، والطواف، والسعي. وواجباتها: أن يكون الإحرام من الميقات، والحلق أو التقصير.
وقول السائل: هل يجوز أن أهدي العمرة إلى روح أبي؟ نقول في جوابه: إن كنت قد أديت العمرة عن نفسك فلا حرج عليك أن تجعل العمرة لأبيك، وإن كنت لم تؤدها عن نفسك فأبدأ بنفسك أولاً. على أننا نقول: إذا لم تكن العمرة واجبة على أبيك فالأفضل أن تدعو لأبيك وأن تجعل العمرة لك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد أمته إلى الدعاء دون هبة الثواب، فقال صلى الله عليه وسلم: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ). ولم يقل صلى الله عليه وسلم: أو ولد صالح يعتمر له، أو يحج له، أو يصوم له، أو يصلي له، ولو كان هذا أفضل لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لا يدع خيراً يعلمه إلا دل أمته عليه، لكمال نصحه صلوات الله وسلامه عليه وشفقته على أمته، وأنت سوف تحتاج إلى العمل، بل أنت محتاج إلى العمل حتى في الدنيا؛ لأن في العمل صلاح القلب واستنارته وزيادة الخير، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد:17]. وقال الله عز وجل: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا [مريم:76]. فاجعل الأعمال الصالحة لنفسك، ولمن تحب اجعل له الدعاء، فهذا هو الأحسن والأفضل.
الجواب: قبل الإجابة على سؤاله أود أن أذكر له ملاحظة أرجو أن تكون جرت على لسانه بلا قصد، وهي قوله: أعيش مع الإخوة المسيحيين. فإنه لا أخوة بين المسلمين وبين النصارى أبداً، الأخوة هي الأخوة الإيمانية، كما قال الله عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]. وإذا كانت قرابة النسب تنفى مع اختلاف الدين فكيف تثبت الأخوة مع اختلاف الدين وعدم القرابة؟! قال الله عز وجل عن نوح وابنه لما قال نوح عليه الصلاة والسلام: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ [هود:45-46]. فلا أخوة بين المؤمن والكافر أبداً، بل الواجب على المؤمن أن لا يتخذ الكافر ولياً، كما قال الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [الممتحنة:1] . فمن هم أعداء الله؟ أعداء الله هم الكافرون، قال الله: مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:98]. وقال سبحانه وتعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]. فلا يحل لمسلم أن يصف الكافر أياً كان نوع كفره، سواء كان نصرانياً أم يهودياً أم مجوسياً أم ملحداً دهرياً، لا يجوز له أن يصفه بالأخ أبداً، فاحذر يا أخي مثل هذا التعبير.
ولا يعني ذلك حينما أقول هذا أنه لو كان أخاً لك في النسب حقيقة أن أخوته تنتفي -أعني أخوته النسبية-، بل إن أخوته النسبية ثابتة إذا كان أخاً لك، مثل أن يكون من أولاد أمك أو أولاد أبيك، لكن أخوة تكون أخوة ربط بينك وبينه هذه لا تجوز أبداً.
وأما الجواب على سؤاله: فإن الذي ينبغي للإنسان أن يبتعد عن مخالطة غير المسلمين، يبتعد عنهم؛ لأن مخالطتهم تزيل الغيرة الدينية من قلبه، وربما تؤدي إلى مودتهم ومحبتهم، وقد قال الله تعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22].
الجواب: هذه المسألة مسألة عظمية وخطيرة يقع فيها بعض الناس، بأن يكونوا يصومون ويحجون ويعتمرون ويتصدقون ولكنهم لا يصلون، هل أعمالهم الصالحة هذه مقبولة عند الله عز وجل أم مردودة؟
هذا ينبني على الخلاف في تكفير تارك الصلاة، فمن قال: إنه لا يكفر. قال: إن هذه الأعمال مقبولة، ومن قال: إنه يكفر، قال: إن هذه الأعمال غير مقبولة، ومرجع خلاف العلماء ونزاعهم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، وقوله: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]. ونحن إذا رددنا نزاع العلماء في هذه المسألة إلى كتاب الله وسنة رسوله وجدنا أن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يدلان على أن تارك الصلاة كافر، وأن كفره كفر أكبر مخرج عن الملة، فمن ذلك قوله تعالى في المشركين: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]. فإن هذه الجملة الشرطية تدل على أنه لا تتم الأخوة لهؤلاء ألا بهذه الأمور الثلاثة: التوبة من الشرك، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة. وإذا كانت هذه الجملة الشرطية فإن مفهومها أنه إذا تخلف واحد منها لم تثبت الأخوة الدينية بيننا وبينهم، ولا تنتفي الأخوة الدينية بين المؤمن وغيره إلا بانتفاء الدين كله، ولا يمكن أن تنتفي بالمعاصي ولو عظمت، فمن أعظم المعاصي قتل المؤمن، وقد قال الله فيه: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]. ومع ذلك فقد قال الله تعالى في آية القصاص: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178]. ذكر السورة والآية فجعل الله تعالى القتيل أخاً للقاتل، مع أن القاتل قتله وهو مؤمن، وقتل المؤمن من أعظم كبائر الذنوب بعد الشرك، وهذا دليل على أن المعاصي وإن عظمت لا تنتفي بها الأخوة الدينية، أما الكفر فتنتفي به الأخوة الدينية.
فإن قلت: هل تقول بكفر من منع الزكاة بخلاً؟ قلت: لولا الدليل لقلت به بناءً على هذه الآية، ولكن هناك دليل رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة في مانع الزكاة، حيث ذكر عقابه، ثم قال بعد ذلك: ( ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ). وكونه يرى سبيله إلى الجنة دليل على أنه لم يخرج من الإيمان، وإلا ما كان له طريق إلى الجنة.
وأما من السنة: فمثل قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه جابر : ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ). أخرجه مسلم في صحيحه، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه بريدة وأخرجه أهل السنن: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ). وهذا هو الكفر المخرج عن الملة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل بين إسلام هذا الرجل وكفره فاصلاً، وهو ترك الصلاة، والحد الفاصل يمنع من دخول المحدودين بعضهما ببعض، فهو إذا خرج من هذا دخل في هذا، ولم يكن له حظ من الذي خرج منه، وهو دليل واضح على أن المراد بالكفر هنا الكفر المخرج عن الملة، وليس هذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ( اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب، والنياحة على الميت )؛ لأنه قال: هما فقط بهم كفر. أي أن هذين العملين من أعمال الكفر، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ( سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر ). فجعل الكفر منكراً عائداً على القتال فقط، أي: أن القتال كفر بالأخوة الإيمانية، ومن أعمال الكافرين؛ لأنهم هم الذين يقتلون المؤمنين.
وقد جاء في الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم بكفر تارك الصلاة، فقال عبد الله بن شقيق وهو من التابعين الثقات: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. ونقل إجماع الصحابة على ذلك -أي: على أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة-، نقله إسحاق بن راهوية الإمام المشهور، والمعنى يقتضي ذلك، فإن كل إنسان في قلبه إيمان يعلم ما للصلاة من أهمية، وما فيها من ثواب، وما في تركها من عقاب لا يمكن أن يدعها، خصوصاً إذا كان قد بلغه أن تركها كفر بمقتضى دلالة الكتاب والسنة، فإنه لا يمكن أن يدعها ليكون من الكافرين.
وبهذا علمنا أن دلالة الكتاب والسنة وآثار الصحابة والاعتبار الصحيح كلها تدل على أن من ترك الصلاة فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، وقد تأملت ذلك كثيراً، وراجعت ما أمكنني مراجعته من كتب أهل العلم في هذه المسألة، وبحثت مع من شاء الله ممن تكلمت معه في هذا الأمر، ولم يتبين لي إلا أن القول الراجح هو أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة، وتأملت الأدلة التي استدل بها من يرون أنه ليس بكافر، فرأيتها لا تخلو من أربع حالات:
إما أن لا يكون فيها دليل أصلاً.
وإما أن تكون مقيدة بوصف يمتنع معه ترك الصلاة.
وأما أن تكون مقيدة بحال يعذر فيها من ترك الصلاة، لكون معالم الدين قد اندرست.
وإما لأنها عامة مخصصة بأحاديث، أو بنصوص كفر تارك الصلاة، ومن المعلوم عند أهل العلم أن النصوص العامة تخصص بالنصوص الخاصة، ولا يخفى ذلك على طالب علم.
وبناء على ذلك؛ فإنني أوجه التحذير لإخواني المسلمين من التهاون بالصلاة وعدم القيام بما يجب فيها، وبناء على هذا القول الصحيح الراجح -وهو أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة- فإن ما يعمله تارك الصلاة من صدقة وصيام وحج لا يكون مقبولاً منه؛ لأن من شرط القبول الأعمال الصالحة أن يكون العامل مسلماً، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة:54] فدل ذلك على أن الكفر مانع من قبول الصدقة، مع أن الصدقة عمل نافع متعد نفعه للغير، فالعمل القاصر من باب أولى أن لا يكون مقبولاً.
وحينئذ فالطريق إلى قبول أعمالهم الصالحة أن يتوبوا إلى الله عز وجل مما حصل منهم من ترك الصلاة.
وإذا تابوا فإنهم لا يطالبون بقضاء ما تركوه في هذه المدة، بل يكثرون من الأعمال الصالحة، ومن تاب تاب الله عليه، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا [الفرقان:68-71]. أسأل الله أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم، وأن يمن علينا بالتوبة النصوح التي يمحو بها ما سلف من ذنوبنا، إنه جواد كريم.
الجواب: الصحيح أن الدم الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، سواء خرج من الأنف كالرعاف، أو خرج من جرح، أو خرج من أجل اختبار الدم عمداً من الإنسان، فكل هذا لا ينقض الوضوء، سواء كان قليلاً أم كثيراً، هذا هو القول الراجح؛ وذلك لعدم الدليل على النقض، والنقض حكم شرعي يحتاج إلى دليل، والوضوء قد ثبت بمقتضى دليل شرعي، وما ثبت بمقتضى دليل شرعي لا يرتفع إلا بدليل شرعي، وليس هناك دليل شرعي يدل على انتقاض الوضوء بخروج شيء من البدن من غير السبيلين، سواء كان دماً أم قيحاً أم قيئاً ما دام من غير السبيلين فإنه لا ينقض لا قليله ولا كثيره.
ولكن إذا خرج من العضو وكان كثيراً فإنه يغسله، كما ورد في الحديث الصحيح: ( أن
ولكن هذا العام اشتد بي المرض، وعرضت نفسي على دكتور، واستمريت في العلاج إلى أن جاء شهر رمضان، وحاولت أن أصوم، ولكنني لم أستطع الصوم؛ لشعوري بآلام تمزقني بسبب الجوع، علماً بأن الدكتور لم يعارض من الصوم، ولكن عندما أخبرته بالألم نصحني بأن أفطر عندما أحس بتلك الآلام.
الآن صحتي تحسنت والحمد لله، ولم أعد أشرب الدواء إلا عند اللزوم، ولكنني لا أقدر أن أظل بدون طعام لفترة طويلة، علماً بأن الدكتور أوصاني بأن آكل بنظام ساعات حتى لا أجوع؛ لأن ذلك يؤثر على صحتي، كما أن مرضي ليس له دواء ينهيه.
سؤالي: ما حكم الشرع في نظركم يا فضيلة الشيخ إذا لم أصم شهر رمضان المقبل؟ وهل يصح لي أن أكفر عن كل يوم أفطرته؟ وهل هذا جائز أم لا؟ أفيدونا مأجورين.
الجواب: إذا كان المرض لا يرجى برؤه فإن حكم المريض حكم الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم، وكلاهما يلزمه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، ولا يلزمه الصوم؛ لعجزه عنه وتضرره به، وقد قال الله عز وجل في آيات الصيام: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]. فإن دام فيك هذا المرض، ولم تتمكني من الصوم، وكان حسبما وقع لا يرجى زواله في المستقبل فأطعمي عن كل يوم مسكيناً، وذلك كاف عن الصوم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر