الجواب: هذا السؤال كما يقول فيه السائل: إن هذا العقد الذي تم من مسلمٍ على امرأةٍ لا تصلي أو من شخصٍ لا يصلي على امرأةٍ تصلي عقد غير صحيح، وصدق في أنه عقد غير صحيح؛ ذلك أنه بين مسلم وكافر، والعقد بين مسلم وكافرٍ غير صحيح، إلا إذا كانت الزوجة من أهل الكتاب والرجل مسلمًا.
وقلنا: إنه بين مسلمٍ وكافر لأن تارك الصلاة كافر كفرًا مخرجًا عن الملة، على القول الراجح من أقوال أهل العلم، بدلالة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال الصحابة، والنظر الصحيح، أما من كتاب الله فقد قال الله تعالى في المشركين: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11] ، ووجه الدلالة من الآية: أن الله جعل الأخوة في الدين مشروطةً بشروط ثلاثة: أن يتوبوا من الشرك، وأن يقيموا الصلاة، وأن يؤتوا الزكاة.
ومن المعلوم أن ما علق على شروط فإنه لا يتم إلا بوجودها، وعلى هذا فالأخوة في الدين تنتفي إذا انتفى واحد من هذه الشروط، ولا تنتفي الأخوة في الدين إلا حيث انتفى الدين كله، لأن الأخوة في الدين تثبت مع المعاصي ولو كانت كبيرة، ألا ترى إلى قوله تعالى في آية القصاص الذي لا يثبت إلا بقتل العمد: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178] فقتل العمد من كبائر الذنوب، قال الله تعالى فيه: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، ومع هذا فالأخوة بين القاتل والمقتول ثابتة بنص هذه الآية.
وقال الله تعالى في الطائفة التي تصلح بين طائفتين من المؤمنين اقتتلوا، قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10] مع أن قتال المؤمنين بعضهم بعضاً من كبائر الذنوب، بل قد أطلق عليه النبي صلى الله عليه وسلم الكفر، فقال: ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ).
فلنرجع إلى الآية التي ذكرناها دليلًا على كفر تارك الصلاة لنبين وجه دلالتها: قال الله تعالى: فَإِنْ تَابُوا [التوبة:5]، أي: من الشرك وَأَقَامُوا الصَّلاةَ [البقرة:277] ، أي: أتوا بها قائمةً على الوجه المطلوب منهم، وَآتَوُا الزَّكَاةَ [التوبة:11]: أعطوها لمستحقيها، فإذا اختل واحد من هذه الثلاثة فليسوا إخوةً لنا في دين الله، ويعني ذلك: أنهم كافرون، وإلا لكانوا إخوةً لنا وإن عملوا معصية.
فإذا تابوا من الشرك ولم يقيموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوةً لنا، وإن تابوا من الشرك وأقاموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوةً لنا في ظاهر الآية الكريمة، ولكن قد دلت السنة على أن من ترك الزكاة تهاوناً وبخلاً، فإنه لا يكفر ولكنه يعذب بعذاب عظيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( ما من صاحب ذهبٍ ولا فضةٍ لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، وأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ) .
فهذا الحديث يدل على أنه ليس بكافر، لأن الكافر ليس له سبيل إلى الجنة، فتبقى الآية دالةً على أنهم إن بقوا على كفرهم وشركهم فهم كفار، وإن لم يقيموا الصلاة والشرك فإنهم كفار.
وأما من السنة: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة ) أخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله ، وقال صلى الله عليه وسلم: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر ) أخرجه أصحاب السنن من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة حداً فاصلاً بين الإيمان والكفر، ومن المعلوم أن الحد يفصل بين المحدودين، وأن المحدودين لا يدخل أحدهما في الآخر، بل كل منهما منفرد بنفسه، وهذا يدل على أنه لا إيمان مع تارك الصلاة.
وأما أقوال الصحابة: فقد قال عمر رضي الله عنه: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، والحظ النصيب، و(لا) هنا نافية للجنس، فنفيها عام شامل، وإذا لم يكن للإنسان حظ في الإسلام لا قليل ولا كثير، كان ذلك دليلًا على كفره، لأنه لو كان فيه إيمان لكان له حظ من الإسلام بقدره.
وكذلك روي عن غير عمر من الصحابة رضي الله عنهم ما يدل على كفر تارك الصلاة، بل قد قال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة، ونقل إجماع الصحابة عليه إسحاق بن راهويه أحد الأئمة المشهورين.
وكما أن هذا مقتضى دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة، فهو أيضاً مقتضى النظر الصحيح، فإنه لا يمكن لإنسانٍ في قلبه أدنى حبة خردل من إيمان عرف عظم الصلاة وقدرها عند الله عز وجل وعند رسوله وعند المسلمين عموماً، وما يترتب على فعلها من الثواب وعلى تركها من العقاب، لا يمكن لمن عرف ذلك وفي قلبه أدنى حبة خردلٍ من إيمان أن يحافظ على تركها ويدعها، لا يصليها لا ليلاً ولا نهاراً، لا في المسجد ولا في غيره.
وإذا كان هذا مقتضى الأدلة الأربعة التي أشرنا إليها: الكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة، والنظر الصحيح، وهي أدلة سالمة من المعارض المقاوم، لأن الأدلة المعارضة لها لا تخلو من أربعة أحوال:
إما أن لا يكون فيها دليل أصلاً على أن تارك الصلاة لا يكفر.
وإما أن تكون مقيدة بوصفٍ يمتنع معه ترك الصلاة.
وإما تكون مقيدة بحال يعذر فيها بترك الصلاة.
وإما أن تكون عامة مخصوصة بأدلة كفر تارك الصلاة، فهي إذاً أدلة غير مقاومة للأدلة المقتضية لكفر تارك الصلاة، ومتى وجد الدليل القائم السالم عن المعارض المقاوم وجب الأخذ به.
ومسألة التكفير بالفعل أو الترك مسألة لا يحكم فيها إلا الله ورسوله، أي: أن التكفير حكم من أحكام الشريعة ليس للعباد فيه مدخل، وإنما يقول به العباد بمقتضى فهمهم وعلمهم من نصوص الكتاب والسنة، فإذا تبينت النصوص وجب علينا أن نقول بمقتضاها، ولا يسوغ لنا أن نخالفها للوم لائم أو محاباة أحد من الناس، بل علينا أن نقول بمقتضى ما دل عليه الكتاب والسنة، ونحن إذا قلنا بذلك فسوف يقوم الناس على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبناءً على ما سبق: فإذا تزوج رجل لا يصلي بامرأة مسلمة، فإن الزواج غير صحيح، وإذا تزوج رجل مسلم بامرأة لا تصلي فإن النكاح أيضاً غير صحيح، ويجب إعادة العقد إذا تاب من ترك الصلاة ودخل في دين الله، سواء أعيد العقد بمقتضى النظام المتبع، بأن يكون إعادته على يد مأذونٍ معترف به، أو أعيد العقد بحضور الولي والشهود وإن لم يكن عن طريق المأذون، المهم أن يعاد العقد على وجهٍ شرعيٍ صحيح.
الجواب: الجمع بين الآيتين هو أن نقول: إن آية هود مقيدة بآية الإسراء، فقوله تعالى: نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا أي: إذا شئنا، فتكون الآية هذه مقيدةً بقوله تعالى: عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [الإسراء:18]، وحينئذٍ ليس بين الآيتين تعارض.
وإني بالمناسبة أقول: إن كل نصين صحيحين لا يمكن التعارض بينهما، فالنصان من كتاب الله لا يمكن التعارض بينهما، والنصان من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم الثابت عنه لا يمكن التعارض بينهما، فإن وقع ما يوهم التعارض، فإما أن يكون الرجل الذي ظن التعارض واهماً، وإما أن يكون جاهلاً، إما أن يكون واهماً حيث ظن حسب فهمه أن بينهما تعارضاً وليس بينهما تعارض، أو يكون جاهلاً بحيث يكون بينهما تعارض، لكن كان هناك تخصيص أو تقييد لا يفهمه هو أو لا يعلمه، فيكون بذلك جاهلاً.
أما أن يقع التعارض حقيقةً بين نصين من كتاب الله، أو نصين من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه، فهذا أمر لا يمكن أبداً، لأن كلام الله كله حق، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم الثابت عنه كله حق، والحقان لا يمكن أن يتعارضا، لأن فرض تعارضهما يستلزم أن يكون أحدهما حقاً والثاني باطلاً، وهذا ممتنع في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وحينئذٍ إذا ظننت التعارض بين نصين، فعليك أن تتدبر النصين، فإن ظهر لك الجمع فذاك، وإلا فاسأل أهل العلم، لقوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] ، فإن لم يتيسر لك ذلك، فعليك أن تتوقف وتقول: سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:32] ، فإن هذا هو شأن الراسخين في العلم، قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7].
الجواب: تعليقنا على هذا: أنه لا قول لأحدٍ بعد قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بدين الله، وأنصح الخلق لعباد الله، وأفصح الخلق فيما يقول، وإذا ثبتت هذه الأمور الثلاثة التي مقتضاها أن يكون كلامه هو حق الذي لا يمكن أن يعارضه شيء من كلام الناس، فإننا نقول: كل هذه التقاسيم التي قسمها بعض أهل العلم مخالفة للنص، يجب أن تكون مطرحة وأن يؤخذ بما دل عليه النص، وكل من قال عن بدعة: إنها حسنة، فإنها إما ألا تكون بدعة لكنه ظنها بدعة، وإما ألا تكون حسنة لكنه ظنها حسنة.
أما أن تكون بدعة حقيقة وحسنة، فإن هذا لا يمكن أبداً، لأن هذا يقتضي تكذيب خبر النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ( كل بدعة ضلالة ) ، ومن المعلوم أن الضلالة ليس فيه حسن أبداً، بل كله سوء وكله جهل، فمن ظن أن بدعةً من البدع حسنة فإنه لا يخلو من إحدى الحالتين اللتين ذكرناهما آنفاً، وهما: إما ألا تكون بدعة، وإما ألا تكون حسنة، وإلا فكل بدعة سيئة وضلالة وليست بحسنة.
فإن قلت: ما الجواب عن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جمع الناس في قيام رمضان على أبي بن كعب وعلى تميم الداري ، وأمرهما أن يصليا بالناس إحدى عشرة ركعة، ثم خرج والناس يصلون، فقال: نعمت البدعة هذه، فسماها عمر : بدعة، وأثنى عليها بقوله: نعمت البدعة.
فالجواب: أن عمر لم يسمها بدعة لأنها بدعة محدثة في دين الله، ولكنها مجددة، فسماها بدعة باعتبار تجديدها فقط، وإلا فإنها ثابتة بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الناس ثلاث ليال في رمضان، ثم تأخر عليه الصلاة والسلام في الليلة الرابعة، وقال: ( إني خشيت أن تفرض عليكم ) ، ومقتضى هذا: أنها سنة، لكن تأخر النبي صلى الله عليه وسلم عن ملازمتها لئلا تفرض على الناس فيلتزموا بها.
وبهذا يتبين أن قيام الناس في رمضان جماعةً في المساجد من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ومن سنته، وليس من بدع عمر بن الخطاب كما يظنه من لا يفهم الخطأ.
الجواب: هذه المسألة خطيرة جداً، لا أخطر منها فيما أرى لأنها شرك أكبر مخرج عن الملة، فإن من أتى إلى القبور ودعاهم واستغاث بهم لتفريج الكربات وحصول المطلوبات، كان داعٍ لغير الله عز وجل، فكان مشركاً في دينه وضالاً في عقله، أما كونه مشركاً في دينه فلأنه عبد مع الله غيره حيث دعاه، ودعاء غير الله عبادة له، قال الله عز وجل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]، فأمر الله بالدعاء وجعله عبادة، قال: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ.
فإذا دعا أحد غير الله فقد عبده، فيكون بذلك مشركاً كافراً، وقال عز وجل: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117] ، فأخبر بأن هذا كافر، أي: الذي يدعو مع الله إلهاً آخر، وأنه غير مفلح في دعائه، فلن يحصل له مطلوب، وإن قدر أنه حصل له المطلوب، فإن هذا المطلوب لم يحصل بالدعاء، ولكنه حصل عند الدعاء امتحاناً من الله عز وجل وفتنة واستدراجاً.
وأما كون من دعا غير الله تعالى ضالاً في عقله، فلأن الله تعالى يقول: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5-6]، وفي هذه الآية أيضاً دليل على أن الدعاء عبادة، لقوله: (وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ).
وإن نصيحتي لهؤلاء: أن يرجعوا إلى رشدهم وأن يفكروا تفكيراً جدياً في هذه المسألة، فالمقبورون هم بالأمس كانوا مثلهم أحياءً على الأرض ثم ماتوا، فكانوا أعجز منهم على حصول المطلوب، فهم حين الحياة كانوا أقدر منهم بعد الوفاة، لأن الميت لا حراك به ولا عمل له ولا سعي له، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ) ، وإنما انقطع عمله لأنه لا كسب له، ولا يستطيع أن يتكسب، ولا أن يجلب خيراً لغيره، ولا يدفع عنه غيره.
فليرجعوا إلى عقولهم، أي: فليرجع هؤلاء الذين يلتفون حول القبور يسألونهم الحوائج ودفع الكربات لينظروا في أمرهم ويتدبروا بعقولهم، وأن ذلك لا يجدي شيئاً، ولماذا لا يرجع هؤلاء إلى البديل الذي هو خير من ذلك والذي به النفع ودفع الضرر، وهو الالتجاء إلى الله عز وجل، فيدعون الله عز وجل في صلواتهم وفي خلواتهم، فإنه سبحانه وتعالى هو الذي قال في كتابه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] ، وقال سبحانه وتعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] فلماذا لا يدعون الله عز وجل؟!
فليرجعوا عن هذا العمل، أعني: عن الالتفاف حول القبور ودعاء أصحابها، فيلتفون حول المساجد ويصلون مع الجماعة، ويدعون الله سبحانه وتعالى وهم سجود، ويدعون الله تعالى بعد الانتهاء من التشهد وقبل أن يسلموا، ويدعون الله بين الأذان والإقامة، ويتحرون أوقات الإجابة والأحوال التي يكونون فيها أقرب إلى الإجابة، فيلجئون إلى الله تعالى بالدعاء حتى يجدوا الخير والفلاح والسعادة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر