إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب [349]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • السؤال: هناك من يصوم رمضان برؤية الهلال بالمملكة العربية السعودية, ومنهم من يصوم تبعاً للدولة التي يسكن فيها مما يسبب بعض الاختلافات في تحديد دخول رمضان, فكيف يكون التصرف؟

    الجواب: هذه المسألة -أعني: مسألة الهلال- مختلف فيها بين أهل العلم, فمنهم من يرى أنه إذا ثبت رؤية الهلال في مكان على وجه شرعي فإنه يلزم جميع المسلمين الصوم إن كان هلال رمضان والفطر إن كان هلال شوال, وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد , وعليه فإذا رؤي في المملكة العربية السعودية مثلاً وجب على جميع المسلمين في كل الأقطار أن يعملوا بهذه الرؤية صوماً في رمضان وفطراً في شوال, وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.

    واستدلوا لذلك بعموم قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، وعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا رأيتموه فصوموا, وإذا رأيتموه فأفطروا ) قالوا: والخطاب للمسلمين فيشمل جميع المسلمين في جميع أقطار الأرض.

    ومن العلماء من يقول: إنه لا يجب الصوم في هلال رمضان ولا الفطر في شوال إلا لمن رأى الهلال أو كان موافقاً فيمن رآه في مطالع الهلال؛ لأن مطالع الهلال تختلف باتفاق أهل المعرفة في ذلك, فإذا اختلفت وجب أن يحكم لكل بلد برؤيته، والبلاد الأخرى إن وافقته في مطالع الهلال فهي تبع له وإلا فلا.

    وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ واستدل لهذا القول بقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا رأيتموه فصموا, وإذا رأيتموه فأفطروا ) أي بنفس الدليل الذي استدل به من يرى عموم وجوب الصوم على كل أحد إذا ثبتت رؤيته في مكان من بلاد المسلمين.

    لكن الاستدلال يختلف, وجه الاستدلال أن شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الآية والحديث أن الحكم علق بالشاهد والرائي, وهذا يقتضي أن من لم يشهد ولم ير لم يلزمه حكم الهلال, وعليه فإذا اختلفت المطالع فإن البلاد المخالفة لبلاد الرؤية لا يكون قد شوهد فيها الهلال ولا رؤي, وحينئذ لا تثبت أحكام الهلال في حقهم, وهذا لاشك وجه قوي في الاستدلال وأقوى من الأول, ويؤيده النظر والقياس؛ فإنه إذا كان الشارع قد علق الإمساك للصائم بطلوع الفجر والفطر بغروب الشمس؛ فقال تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187] فالشارع علق الحكم بتبين طلوع الفجر إمساكاً وبالليل إفطاراً, والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ( كلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر )، وقال: ( إذا أقبل الليل من هاهنا -وأشار إلى المشرق- وأدبر النهار من هاهنا -وأشار إلى المغرب- وغربت الشمس فقد أفطر الصائم ) .

    والمعلوم بإجماع المسلمين أن هذا الحكم ليس عاماً في جميع البلدان, بل هو خاص في كل بلد يثبت فيه هذا الأمر, ولهذا تجد الناس في الشرق يمسكون قبل الناس في الغرب ويفطرون قبلهم حسب تبين الفجر وغروب الشمس, فإذا كان التوقيت اليومي متعلق بكل بلد بحسبه فهكذا التوقيت الشهري يتعلق بكل بلد بحسبه, وبهذا يتبين أن القول الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هو القول الراجح أثراً ونظراً.

    هناك قول ثالث: أن الناس يتبعون إمامهم, فإذا قرر الإمام -وهو صاحب السلطة العليا في البلد- دخول الهلال وكان ذلك بمقتضى الأدلة الشرعية وجب العمل بمقتضى هذا الهلال صوماً في رمضان وإفطاراً في شوال, وإذا لم يقرر ذلك فإنه لا صوم ولا فطر؛ واستدل لهذا القول بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الفطر يوم يفطر الناس, والأضحى يوم يضحي الناس )؛ وهذا هو الذي عليه العمل في وقتنا الحاضر.

    ولهذا فنقول للسائل: الأولى أن لا تظهر مخالفة الناس, فإذا كنت ترى أنه يجب العمل بالقول الأول وأنه إذا ثبت رؤية الهلال في مكان من بلاد المسلمين على وجه شرعي وجب العمل بمقتضى ذلك, وكانت بلادك لا تعمل بهذا وترى أحد الرأيين الآخرين فإنه لا ينبغي لك أن تظهر المخالفة؛ لما في ذلك من الفتنة والفوضى والأخذ والرد, وبإمكانك أن تصوم سراً في هلال رمضان وأن تفطر سراً في هلال شوال, أما المخالفة فهذه لا تنبغي وليست مما يأمر به الإسلام.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089051292

    عدد مرات الحفظ

    781064791