السؤال: هل تعتبر ركعتا تحية المسجد واجبة؟ وهل عليه إثم إذا تركها؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تحية المسجد إذا دخل الإنسان المسجد وهو على وضوء سنة مؤكدة جداً، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين )، وصح عنه: (أنه كان يخطب يوم الجمعة فدخل رجلٌ فجلس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أصليت؟ قال: لا! قال: قم فصل ركعتين وتجوز فيهما )، يعني خفف، والأصل في النهي التحريم، والأصل في الأمر الوجوب حتى يقوم دليلٌ صارف عن ذلك.
ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله في تحية المسجد: هل هي واجبة أو سنة؟
فأكثر أهل العلم على أنها سنةٌ وليست بواجبة، وذهب بعضهم إلى أنها واجبة يأثم الإنسان بتركها، وعلى القول بأنها سنة لا يأثم بتركها؛ لأن السنن إذا فعلها الإنسان أثيب عليها وإن تركها لم يعاقب عليها.
والقول بالوجوب قولٌ قوي، يقويه أن الأصل في النهي التحريم وأن الأصل في الأمر الوجوب.
ويقويه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع خطبته يوم الجمعة ليأمر هذا الرجل بالصلاة.
ويقويه أيضاً أن هذا الرجل أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يشتغل بالصلاة عن استماع الخطبة واستماع الخطبة واجب، ولا يشتغل بشيء عن واجب إلا وهو واجبٌ مثله أو أوكد منه.
ولهذا نحن نحث إخواننا المسلمين على صلاة ركعتين إذا دخلوا المسجد وهم على طهارة قبل أن يجلسوا؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ولنهيه عن الجلوس قبل الصلاة، ولا فرق في ذلك بين أن يدخل المسجد في وقت النهي أو في غير وقت النهي، فإذا دخله في الضحى أو بعد الظهر أو بعد صلاة العشاء أو بعد صلاة المغرب فليصل قبل أن يجلس، وكذلك إذا دخله بعد صلاة الفجر أو عند قيام الشمس في منتصف النهار أو بعد صلاة العصر فإنه لا يجلس حتى يصلي، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ).
وهذا العموم لا شك أنه معارضٌ بعموم النهي عن الصلاة في أوقات النهي، لكن هذا العموم محفوظٌ، وأما أحاديث النهي عن الصلاة في أوقات النهي فإنها غير محفوظة، أي: أنها قد دخلها تخصيص، والمعروف عند علماء الأصول: أن العام المحفوظ مقدمٌ على العام المخصوص؛ لأن تخصيص العام يدل على أن عمومه غير مراد فتضعف به إرادة العموم لكل الصور، بخلاف العام المحفوظ الذي لم يخصص فإنه يدل على أن عمومه مراد.
وهكذا على القول الراجح كل صلاة نافلة لها سبب فإنها تفعل في أوقات النهي؛ لأنها إذا فعلت في أوقات النهي فإنها تضاف إلى سببها المعلوم فيبعد فيها إيراد التشبه بالكفار الذين يسجدون للشمس إذا طلعت وإذا غربت.
قد يقول قائل: لماذا لا نجزم بالقول بوجوب صلاة ركعتين لمن دخل المسجد على طهارة؟
فنقول: إننا لا نجزم بذلك لأن فيه شبهةً تمنع من هذا الجزم، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد يوم الجمعة فإنه يصعد المنبر ولا يصلي ركعتين، وهذا قد يقال: إنه مخصص، وقد يقال: إنه ليس بمخصص؛ لأن تقدمه إلى المنبر وصعوده إليه من أجل الخطبة التي هي مقدمة صلاة الجمعة فهي من التوابع لا المستقلة.
على كل حال الذي أرى أن القول بالوجوب قويٌ جداً جداً، ولكنني لا أتجاسر على القول بتأثيم من لم يصلِ ركعتين.
وليعلم أن من دخل المسجد الحرام من أجل أن يطوف فإن الطواف يغني عن الركعتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل المسجد الحرام في عمرته وكذلك في حجه في طواف الإفاضة لم ينقل عنه أنه صلى ركعتين، وقد اشتهر عند كثيرٍ من الناس أن تحية المسجد الحرام الطواف، ولكن هذا ليس على إطلاقه، وإنما تحية المسجد الحرام الطواف لمن دخل ليطوف، أما من دخل ليصلي أو ليقرأ أو ليستمع إلى ذكر أو ما أشبه ذلك فإن المسجد الحرام كغيره من المساجد تكون تحيته صلاة ركعتين.
السؤال: ما حكم الشرع في صلاة المسافر؟ حيث إنني يومياً أذهب إلى مكان العمل، والعمل يبعد عن محل الإقامة حوالى خمسة وثمانين كيلو متر، والعمل يبدأ من الصبح وحتى نهاية صلاة العشاء، فهل لي الحق أن أجمع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء؟ وهل صلاتي صحيحة بهذا؟
الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى:
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ
[النساء:101]، وفي الصحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج ثلاثة أميالٍ أو فراسخ صلى ركعتين ).
وأنت في عملك الذي تذهب إليه يومياً ويبعد عن محل إقامتك خمسةً وثمانين كيلواً ولكنك ترجع وتبيت عند أهلك، يرى بعض العلماء أنك مسافر، وهؤلاء هم الذين يحددون السفر بالمسافة؛ لأن مسافة القصر ثلاثة وثمانون كيلو وثلاثمائة وبضعة عشر متراً، وأنت قد تجاوزت هذه المسافة فلك أن تقصر الصلاة ولو رجعت إلى محل إقامتك وبت فيه.
وأما من يرى أن السفر ما يسمى سفراً فإن الظاهر أن محل عملك الذي أشرت إليه والذي ترجع منه ويؤويك المبيت عند أهلك، الذي يظهر أن هذا لا يسمى سفراً، وحينئذٍ لا تقصر ولا تجمع، والذي أرى لك في هذه الحال أن تتم ولا تقصر، وأن تؤدي كل صلاةٍ في وقتها ولا تجمع، وإن فعلت فقصرت وجمعت فلا حرج عليك إن شاء الله.
السؤال: اشتريت سيارة بعشرين ألفاً نقداً، ودينتها بثلاثين ألفاً لسنة، أيعتبر ذلك حرام أم حلال؟
الجواب: الجواب على هذا السؤال من وجهين:
الوجه الأول: صيغة العقد، هل هذا الذي اشترى السيارة بعشرين ألف ثم باعها بثلاثين، هل كانت السيارة عنده قبل أن يطلبها المستدين قد اشتراها وأبقاها عندها في حيازته، ثم جاء هذا الرجل ليشتريها إلى مدة سنة ثم باعها عليه بثلاثين؟ أو أنه إنما اشتراها بعشرين بعد طلب المستدين أن يشتري له؟
فإن كانت الصورة الأولى، أي أن هذه السيارة كانت عنده من قبل ثم جاء هذا يشتريها منه بهذا الربح، فإننا ننظر في هذه المسألة من الوجه الثاني وهو: هل هذا الربح الزائد الكثير جائز أو ليس بجائز؟
الذي يظهر لي من عموم الأدلة مثل قوله تعالى:
وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا
[البقرة:275]، ومثل قوله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ
[البقرة:267]، ولم يحدد الله كسباً. الذي يظهر لي أن ذلك جائز ما دام المشتري بالغاً عاقلاً رشيداً؛ لأنه غير مجبرٍ على هذا الثمن؛ ولأن المالك حر يبيع بما أراد؛ لكن ينبغي للإنسان أن يرحم عباد الله سبحانه وتعالى، فإن الراحمين يرحمهم الرحمن، وإذا علم أن هذا المشتري إنما اشترى من أجل الضرورة والحاجة فليرفق به، ولا يأخذ عليه إلا ربحاً يسيراً، حتى يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ).
أما إذا كانت الصورة الثانية: وهو أن المستدين جاء إلى هذا التاجر وقال: أريد أن تشتري لي السيارة وأربحك فيها كذا وكذا، فذهب فاشتراها له من المعرض ثم باعها عليه وهي في المعرض، فإن هذا لا يجوز؛ لأن حقيقته أن هذا التاجر ديّن هذا الفقير، حيث أقرضه ثمن هذه السيارة بربح وزيادة، ومن المعلوم أن القرض إذا جر نفعاً كان ربا، وعلى هذا فلا تجوز هذه الصورة.
وهنا نأخذ قاعدة محسومة وهي: أنه إذا كان شراء التاجر السيارة أو السلعة من أجل طلب المستدين ليبيعها عليه بأكثر فإن هذا ربا ولا يجوز، أما إذا كانت السلعة موجودة عند التاجر فجاء الرجل واشتراها بأكثر من ثمنها نقداً لأنه اشتراها بثمن مقسط؛ فإن هذا لا بأس به لدخوله في عموم قوله تعالى:
وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ
[البقرة:275].
السؤال: من مسائل البيوع بيع التورق، نرجو أن تحدثنا عن هذا البيع؟
الجواب: التورق مأخوذٌ من الورق وهي الفضة، وأصله أن الرجل يحتاج إلى دراهم ولا يجد من يقرضه ولا يجد من يعطيه دراهم في سلعةٍ مؤجلة إلى سنة وهو ما يعرف في الشرع بالسلم، حيث يأخذ المحتاج دراهم من شخص بسلعةٍ موصوفة مضبوطةٍ بصفات يسلمها له بعد سنة مثلاً، وهذا جائز كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلمون في الثمار السنة والسنتين -وأظنه قال- والثلاث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أسلم في شيء فليسلم في كيل معلوم ووزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم ).
أقول: إذا احتاج الإنسان إلى الدراهم ولم يجد من يقرضه ولا من يسلم إليه الدراهم على الوجه الذي ذكرنا، واشترى سلعة تساوي مائة بمائة وعشرين إلى سنة ثم باعها وانتفع بثمنها فهذه مسألة التورق، وسميت تورقاً لأن المشتري فيها محتاجٌ إلى الورق، أي الفضة، وهي النقد.
وللعلماء فيها خلافٌ معروف: فمنهم من أجازها، ومنهم من منعها.
وممن منعها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: حتى إنه روجع في ذلك مراراً ولكنه أبى رحمه الله أن يحلها؛ لأنها تفتح باب الحيل والخداع، ولهذا كانت نتيجتها الآن سيئة، ولا أظن أحداً من أهل العلم يقول بجوازها؛ وذلك لأنهم صاروا يأتون إلى التاجر ليستدينوا منه فيبيع عليهم ما يبيع، ثم يذهب التاجر والمستدين لصاحب دكان عنده هذه السلعة، فيشتريها التاجر شراءً صورياً ليس مقصوداً؛ ولهذا لا يقلبها ولا ينظر فيها ولا يكاسر ويماكس فيما يعينه البائع من الثمن، يأخذها بأي ثمنٍ اتفق وعلى أي صفةٍ كانت، وفي ظني أنه لو كانت أكياس السكر مثلاً رملاً ما ذهب التاجر يفتشها ولاشتراها على أنها سكر؛ لأنها تشترى وتباع على المدين والمدين يبيعها على صاحب الدكان، وهذا لا شك أنه محرم وأنه لا ينطبق على مسألة التورق، ولهذا كان شيخ الإسلام رحمه الله إذا ذكر هذه المسألة لم يذكر فيها خلافاً في التحريم، وإذا ذكر مسألة التورق ذكر فيها قولين لأهل العلم.
ثم توسعت الأمور حتى وقع الناس في أكل الربا أضعافاً مضاعفة، فإذا حل الدين قال: استدن مني وأوفني، فيستدين منه على هذه الصورة التي هي لعب بأحكام الله عز وجل، فيشتري منه ويوفيه ويزيد عليه الدين، ومنهم من يأتي بأمورٍ أخرى منكرة ليس هذا موضع بسطها، نسأل الله لإخواننا الرزق الطيب الحلال!
وإنني بهذه المناسبة أنصح الإخوان الذين ابتلوا بهذا الأمر أن يتوبوا إلى الله عز وجل، وأن يقلعوا عن هذا، وأن يتقوا يوماً يرجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون، وأن يعلموا أن كل شيء يكسبونه عن طريقٍ محرم فإنه لا خير لهم فيه، بل هو خسارةٌ في الدنيا والآخرة، تنزع البركة منه، وإن تصدقوا منه لم يقبل منهم، وإن أنفقوه لن يبارك لهم فيه، وإن خلفوه بعدهم كان غرماً عليهم وغنيمةً للورثة،
وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
[آل عمران:180].
السؤال: هل تعتبر زوجة خالي من المحارم أم من الأجانب؟ وهل يجوز لي أن أسافر معها؟
الجواب: زوجة خالك ليست من المحارم، بل من الأجانب، وأنا أعطي هنا قاعدة وهي: أن زوجة القريب ليست بمحرم، كل قريب فزوجته ليست بمحرم إلا الأب وإن علا والابن وإن نزل، فإن زوجة الأب محرم لك، لقوله تعالى:
وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ
[النساء:22]، وزوجة ابنك وإن نزل محرم لك أيضاً، لقوله تعالى في آية المحرمات:
وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ
[النساء:23]، وما عدا الأصول والفروع من الأقارب فإن زوجاتهم لسن محارم لأقاربهم، اللهم إلا أن يكون هناك سببٌ آخر كرضاع، وهذا شيء لا يتعلق بالمصاهرة.
وقوله: هل أسافر معها؟ والجواب على ذلك: نعم، لك أن تسافر معها إذا كان معها محرم، أما إذا لم يكن معها محرم، فإنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر بلا محرم.