إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب [367]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • السؤال: إننا قبائل ولنا عادات في العزاء، وهي إذا مات الميت عند أحدٍ منا أو عند أقاربنا يكون العزاء عنده ثلاثة أيام بلياليهن دون أن يكون في هذا أي كلفة ولا تقدم القهوة، ولكن يحضر الناس عند صاحب المصاب من أقاربه يدومون ثلاثة أيام متواصلة، ثم علمت من برنامجكم أن الاجتماع هو نوع من النياحة، فهل في ذهابي إلى التعزية؟

    الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    لا ريب أن موت الحبيب مصيبة يصاب بها العبد، كما قال الله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157].

    وهذه المصيبة يجب عليه أن يقابلها بالصبر، وينبغي له أن يحتسب أجرها على الله عز وجل، فإن هذه المصائب مكفرةٌ للذنوب، وإذا صبر الإنسان عليها أثيب ثواباً آخر ثواب الصابرين، فليصبر وليحتسب، وليقل ما أرشده الله إليه: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156]، وما جاءت به السنة: (اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها ).

    فإن الإنسان إذا فعل ذلك بإيمان عاجله الله عليها وأخلف له خيراً منها، كما جاء ذلك في حديث أم سلمة رضي الله عنها حين مات زوجها أبو سلمة، وكان من أحب الناس إليها، فقالت: اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها. وكانت تقول: من خيرٌ من أبي سلمة؟ يعني: تتوقع من هذا الذي سيكون خيراً منه؟ فلما انتهت عدتها خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان خيراً لها من أبي سلمة.

    ثم إن المصاب ينبغي لإخوانه المسلمين إذا رأوا مصاباً متأثراً بالمصيبة أن يفعلوا ما يقويه على مكابدة هذه المصيبة وتحملها، فيعزونه بما يكون عزاءً له وتقويةً له، وأحسن ما يعزى به ما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لما إحدى بناته أرسلت له تخبره أن صبياً لها كان في النزع، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لمن أرسلته: (مرها فلتصبر ولتحتسب؛ فإن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى ).

    هذه الكلمات العظيمة النيرة إذا تأملها الإنسان صبر واحتسب، وعلم أنه لا راد لقضاء الله، وأن الأمر من الله إليه، وأن الحزن والغم لا يأتيان بخير، بل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه )، يعني يشق عليه ذلك ويتألم ويهتم، وليس هذا عذاب عقوبة، لأنه لا تزر وازرةٌ وزر أخرى، ولأن البكاء الذي يحصل للإنسان بمجرد الطبيعة وليس يتكلفه ليس فيه شيء، فلا يعاقب عليه الباكي ولا الميت، لكن الميت يحس بهذا البكاء ويتألم ويتعذب، وهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم: (السفر قطعةٌ من العذاب )، ليس المعنى أن السفر قطعةٌ من العقوبة.

    المهم أنه ينبغي للمسلم إذا رأى أخاه متأثراً أن يعزيه بالكلمات التي تقوي قلبه، وتعينه على تحمل هذه المصيبة، وليس المراد من العزاء إقامة المآتم والاجتماع بالناس، يفدون من كل وجه، وربما يصنعون أطعمة، وربما يوقدون اللمبات الكثيرة، وربما يضربون الخيام حول البيت، وما أشبه ذلك من الأمور المنكرة التي ليس فيها إلا عنوان الاحتجاج على قدر الله عز وجل، وعدم الرضا بقضائه، أو إظهار الفرح والسرور بفقد هذا الميت؛ لأن مثل هذا الفعل ينبئ عن أحد أمرين: إما السخط على قضاء الله وقدره، ومقابلة ذلك بمثل هذه الأمور، وإما أن الإنسان يفرح بموته، ويجعل هذا كالنزهة، لكن الغالب القصد الأول أن هذا إظهار السخط والألم والحزن وما أشبه ذلك، وقد كان السلف يعدون الاجتماع إلى أهل الميت من النياحة، فالواجب الحذر من هذا الشيء، وحفظ الوقت وحفظ المال وحفظ التعب وإتعاب الناس، وإزالة هذه الأشياء المنكرة.

    ثم إن بعض الناس يهدي إلى أهل الميت أطعمة وغنماً وما أشبه ذلك، يتشبثون بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم )، وهذا في الحقيقة لا مستند لهم فيه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (فقد أتاهم ما يشغلهم )، فآل جعفر لما أتاهم خبر موته حزنوا لذلك، ولم يكن لديهم التفرغ لإصلاح الطعام، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يصنع لهم طعام، ونحن الآن في وقتنا ولله الحمد لا يشغلنا مثل هذا الشيء عن إصلاح الطعام؛ لأن إصلاح الطعام ميسر وسهل تقوم به الخدم إن كان هناك خادم، أو يشترى من أدنى مكانٍ من المطاعم، وليس في ذلك مشقة أبداً، ثم إن الذي أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أمر يصنع لآل جعفر طعام، وليس أن يهدى إليهم الذبائح والغنم وما أشبه ذلك.

    فالذي أدعو إليه إخواني المسلمين أن يوفروا على أنفسهم التعب وإضاعة الوقت وإضاعة المال، وأن يكفوا عن هذا الأمر؛ لأنه ليس لهم فيه خير، بل هم إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089143532

    عدد مرات الحفظ

    782149674