إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب [378]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • السؤال: مشكلتي أنني تزوجت منذ ثلاث سنوات، ولدي طفلان، وزوجي لا يصلي ولا يصوم، وأنا والحمد لله محافظةٌ على صلواتي وصيامي، وقد نصحت زوجي بالصلاة والصيام لكنه يرفض، وبعد جهدٍ مني بدأ بالصوم فقط دون الصلاة، ورجوته أن يصلي ولكنه يرفض الصلاة ألبتة، إنني أكرهه لعدم صلاته والقيام بأمور الدين، فهو غير مبالٍ وغير طاهر دائماً، وعندما يطلبني أرفض ذلك لشدة كرهي له، وهو لا يعاملني بالحسنى، نصحته كثيراً أن يطهر نفسه، وأن يتوضأ، ويقرأ في كتاب الله جل جلاله، عسى أن يشرح الله صدره للإسلام، لا أجد منه إلا الرفض، وهو يسب الدين، ولا يتحمل مسئولية بيته وزوجته وطفليه، فأنا عندما أطلب شيئاً من لوازم البيت أقوم بخياطة الملابس وأبيعها للناس مقابل بعض النقود، فقد رفض أن يبحث عن عمل إضافي بعد الدوام في وظيفته، طلبت منه الطلاق وصرحت بشدة كرهي له، فرفض الطلاق وقال: إن قمت بتطليقك لن أعطيك البنات ولا شيئاً من أثاث المنزل، مع أنني قمت بشراء أثاث المنزل من ذهبٍ ومن صيغٍ بعته واشتريت به هذا الأثاث، ولا أدري ماذا أفعل يا فضيلة الشيخ، فقد لزمت بيت أهلي مرتين، ولكن لا أحد يحل لي مشكلتي معه، فهو لم يتغير ولن يتغير، أرجو أن ترشدوني ماذا أفعل؟ وهل الشرع يصرح بأن البنات وأثاث البيت من حقي أم لا؟ وهل أنا آثمة إن طلبت الطلاق، أرجوكم أن ترشدوني إلى ما هو خيرٌ لي ولبناتي؟

    الجواب: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين لإخواني المستمعين أن الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وأن تركها كفر مخرجٌ عن الملة، وذلك لأدلةٍ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، أما من كتاب الله فقد قال الله سبحانه وتعالى عن المشركين: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [التوبة:11]، فهذه الآية تدل على أن المشركين لا يكونون إخوةً لنا في الدين إلا إذا تابوا من الشرك وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، ومن المعلوم أن الحكم المعلق على الشرط ينتفي بانتفاء هذا الشرط، فالأخوة في الدين لا تكون إلا باجتماع هذه الأمور الثلاثة: التوبة من الشرك، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإذا لم تتوافر هذه الثلاثة لم يكونوا إخواناً لنا في الدين، ولا تنتفي الأخوة إلا بالكفر، لا تنتفي الأخوة في الدين بالمعاصي وإن عظمت، ولهذا قال الله تعالى في آية القصاص فيمن قتل مؤمناً عمداً، قال عز وجل: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178]، فجعل الله سبحانه وتعالى القاتل أخاً للمقتول مع أنه فعل كبيرةً عظيمة من كبائر الذنوب، وقال الله تعالى في الطائفتين المقتتلتين: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:9-10]، وهذا يدل على أن الأخوة في الدين لا تنتفي بالمعاصي، وإنما تنتفي بالكفر، وعليه فإن الذي لا يقيم الصلاة ليس مسلماً، بل هو كافر، لأن الله سبحانه وتعالى رتب الأخوة في الدين على إقام الصلاة.

    وأما من السنة ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )، وفي السنن من حديث بريدة بن الحصيب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ).

    وأما أقوال الصحابة فقد قال عبد الله بن شقيق: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة.

    وهذا شبه إجماع من الصحابة رضي الله عنهم، ولهذا حكى إجماعهم جماعةٌ من أهل العلم ومنهم الإمام المشهور إسحاق بن راهويه.

    والمعنى أيضاً يؤيد هذا، فإن رجلاً لا يصلي مع أهمية الصلاة في دين الله، وكونها عمود الإسلام وسهولة القيام بها، دليلٌ على أنه ليس في قلبه شيء من الإيمان، إذ لو كان في قلبه شيء من الإيمان ما ترك هذه الصلاة العظيمة اليسيرة السهلة، فيكون إذاً: كفر تارك الصلاة ثابتاً بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والمعنى الصحيح.

    ولم يأتِ أحدٌ ممن يرى أنه لا يكفر بترك الصلاة بدليلٍ ينفي كفره، وغاية ما في ذلك أن الأدلة التي ظاهرها عدم الكفر بترك الصلاة لا تخلو من إحدى حالاتٍ أربع: فإما أن لا يكون فيها دلالةٌ أصلاً، وإما أن تكون مقيدة بوصفٍ يمتنع معه ترك الصلاة، وإما أن تكون واردةً في حالٍ يعذر فيها من ترك الصلاة، وإما أن تكون عامة تخصص بالنصوص الدالة على الكفر بترك الصلاة، وبناءً على ذلك فإن الزوج إذا ترك الصلاة انفسخ نكاحه، ولا يجوز للزوجة أن تبقى معه حتى يعود إلى إسلامه ويصلي، فإن أصر على ترك الصلاة وجب عليها الهرب منه، ولها حضانة أولادها وبنات أولادها من ذكورٍ وإناث دونه، إذ ليس له حقٌ في الحضانة ما دام قد ارتد عن دين الإسلام، لأن الله عز وجل لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً، وبمعرفة هذا التقرير يتبين جواب هذه السائلة، وأن الواجب عليها أن تهرب من زوجها بأي وسيلةٍ كانت إلا أن يهديه الله ويعود إلى دينه بإقامة الصلاة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088454968

    عدد مرات الحفظ

    776834930