إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب [389]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • السؤال: لدينا مجموعة من الناس يصلون صلاة العيدين خلف مقابر المسلمين فترة طويلة، وفي الفترة الأخيرة اختلف هؤلاء على هذا المكان مما دعاهم إلى الانقسام، وأصبح جزء منهم يصلي في مكانهم، والجزء الآخر اتخذ جانب المقابر، وكل منهم يقيم خطبة على مرأى من الآخرين، الرجاء الإفادة حول صحة تلك الصلاة، هل هذا صحيح؟

    الجواب: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أوجه نصيحة إلى إخواني المسلمين، أن الواجب عليهم الاجتماع على دين الله، وإقامته، وأن لا يتفرقوا فيه، كما قال الله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى:13] ، وقال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ [الأنعام:159]، وقال الله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:105]، فبهذه الآيات الكريمة نهى الله سبحانه وتعالى عن التفرق، وأمرنا بإقامة الدين، وبين أن نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بريء من هؤلاء المتفرقين، ولا شك أن هذا التفرق يضر بالإسلام والمسلمين، وأن هذا التفرق هو قرة عيون أعداء الله من الكفار والمنافقين، وأن هذا التفرق يمزق المسلمين تمزيقاً كما تمزق الرياح العاصفة بالثياب البالية، وأن هذا التفرق يكسر شوكة المسلمين، ويعز أعداءهم عليهم، وأن هذا التفرق يؤدي إلى العداوة والبغضاء بين المسلمين، وهما الأمر الذي تكاد أن تقول: إن كثيراً من النواهي مبنية على هذه العلة، أي: على إحداث العداوة والبغضاء، تجد النواهي في البيوع، والنواهي في بعض المآكل والمشارب، سببها هو إبعاد الناس عن العداوة والبغضاء.

    وهذا التفرق في دين الله يؤدي بلا شك إلى العداوة والبغضاء، ولاسيما إذا كان التفرق بين طلبة العلم في أمور الاجتهاد التي يسوغ فيها الخلاف، فإن هذه المسائل التي يسوغ فيها الخلاف، مسائل اجتهادية لا ينبغي أن يحدث الخلاف فيها اختلافاً في القلوب؛ لأن هذا الاختلاف في القلوب مخالف لما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، فالصحابة رضي الله عنهم يختلفون في المسائل كثيراً، ومع ذلك فإن قلوبهم متفقة لا تختلف.

    وأنا أضرب مثلاً باختلاف الصحابة رضي الله عنهم حين ندبهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد الرجوع من غزوة الأحزاب إلى أن يخرجوا إلى بني قريظة، وقال لهم: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة )، فخرجوا فأدركتهم صلاة العصر في الطريق، فمنهم من صلاها في وقتها، ومنهم من أخرها حتى وصلوا بني قريظة فصلى بعد الوقت، ولم يعنف بعضهم الآخر، ولم يوبخ النبي صلى الله عليه وسلم طائفة منهم، ولم تختلف قلوبهم في ذلك، لأن الحديث فيه احتمال لهذا وهذا، فمن نظر إلى قوله: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة )، وأخذ بظاهره، قال: لا أصلي إلا في بني قريظة، وكوني أصل إذاً محل القتال عذر في تأخير الصلاة، ومن نظر إلى أن المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلين أحدٌ العصر إلا في بني قريظة )، هو المبادرة والإسراع، وأخذ بعموم الأدلة الموجبة للصلاة أن تكون في وقتها، صلى في الطريق، فلكل وجهة.

    فكذلك أيضاً المسائل الاجتهادية التي تكون بين العلماء إلى يومنا هذا، إذا كان للخلاف مساغ، فإنه يجب أن لا يكون هذا الخلاف سبباً في اختلاف القلوب، هذه النصيحة أود أن أذكر بها إخواني المسلمين ولاسيما بعض طلبة العلم الذين يتخذون من الخلاف في المسائل الاجتهادية سبباً للتنافر والتباغض.

    أما بالنسبة للسؤال الذي سأل عنه السائل، فإني أقول: إذا كانت القبور في قبلة المصلى مباشرة، فإنه لا يجوز أن يصلى خلفها، لأنه ثبت في صحيح مسلم عن أبي مرثد الغنوي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لاتصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها )، فلا تجوز الصلاة إلى القبور، أي: أن يتخذ الإنسان القبر قبلة له، فإذا كانت هذه القبور في قبلة المصلى فمن الواجب نقل المصلى إلى مكان آخر، ويكون الصواب مع الطائفة التي بعدت عن هذا المكان، والواجب على الطائفة الأخرى أن تذهب وتصلي معها، أما إذا كانت القبور بعيدة عن المصلى، ولا تعتبر مباشرةً له، فلا بأس بالصلاة في هذا المكان، لاسيما إذا كان المكان سابقاً على القبور، وعلى الطائفة التي خرجت أن ترجع وتصلي مع الطائفة الأخرى، هذا هو الحكم بين الطائفتين.

    وأما تفرقهما هؤلاء في مكان وهؤلاء في مكان، حتى إن بعضهم ليسمع صلاة بعض، مع كونهم مسلمين، فهذا خلاف ما تقتضيه الشريعة الإسلامية، ونصيحتي لهم أن يجمعوا أمرهم كما قلت، إذا كانت القبور منفصلة عن المصلى، ولا يعتبر المصلي فيها مصلياً إليها، فالواجب على الطائفة التي انفردت أن ترجع، وإذا كانت القبور مباشرةً للمصلى، والمصلي في هذا المصلى يعتبر مصلياً إليها، فإن الواجب أن ينزاحوا عن هذا المصلى، وأن يكونوا مع الطائفة التي انفردت، حتى يكونوا أمةً واحدة، كما وصفهم الله في قوله: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088458990

    عدد مرات الحفظ

    776852263