ومنه قول الشاعر:
خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
أما في الشرع: فهو التعبد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
الشيخ: ينقسم الصيام إلى قسمين: قسم مفروض، وهو صوم رمضان، والمفروض قد يكون بسبب، كصيام الكفارات والنذور، وقد يكون لغير سبب كصيام رمضان، فإنه واجبٌ بأصل الشرع، أي: بغير سببٍ من المكلف، وأما غير المفروض فقد يكون معيناً وقد يكون مطلقاً، مثال المعين: صوم يوم الإثنين والخميس، ومثال المطلق: صيام أي يومٍ من أيام السنة، إلا أنه قد ورد النهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصوم، فلا يصام يوم الجمعة إلا أن يصام يوم قبله أو يوم بعده، كما ثبت النهي عن صيام العيدين: الفطر والنحر، وكذلك عن صيام أيام التشريق، إلا لمن لم يجد الهدي من قارن ومتمتع، فإنه يصوم أيام التشريق عن الأيام الثلاثة التي في الحج.
الشيخ: صيام شهر رمضان فرضٌ بنص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، قال الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، إلى قوله: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا رأيتموه فصوموا).
وأجمع المسلمون على أن صيام رمضان فرض، وأنه أحد أركان الإسلام، فمن أنكر فرضيته كفر إلا أن يكون ناشئاً ببلادٍ بعيدة لا يعرف فيها أحكام الإسلام فيعرف بذلك، ثم إن أصر بعد إقامة الحجة عليه كفر، ومن تركه تهاوناً مع الإقرار بفرضيته فهو على خطر؛ فإن بعض أهل العلم يرى أنه كافرٌ مرتد، ولكن الراجح أنه ليس بكافر مرتد، بل هو فاسق من الفساق، لكنه على خطرٍ عظيم.
الشيخ: مكانة الصيام في الإسلام أنه أحد أركانه العظيمة التي لا يقوم إلا بها ولا يتم إلا بها، وأما فضله في الإسلام فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).
الشيخ: الفطر في نهار رمضان بدون عذر من أكبر الكبائر، ويكون به الإنسان فاسقاً، ويجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره، يعني: لو أنه صام وفي أثناء اليوم أفطر بدون عذر فعليه أن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره؛ لأنه لما شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض، ويلزمه القضاء كالنذر، أما لو ترك الصوم من الأصل متعمداً بلا عذر فالراجح أنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه لا يرتكب به شيئاً، إذ أنه لن يقبل منه، فإن القاعدة: أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)؛ ولأنه من تعدي حدود الله عز وجل، وتعدي حدود الله تعالى ظلم، والظالم لا يقبل منه، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:229]؛ ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها -أي: فعلها قبل دخول الوقت- لم تقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لم تقبل منه إلا أن يكون معذوراً.
الشيخ: يثبت دخول شهر رمضان إما برؤية هلاله، وإما بإكمال شعبان ثلاثين يوماً؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين).
الشيخ: من رأى الهلال وحده فيجب عليه أن يبلغ المحكمة الشرعية، ويجهر به، ويثبت دخول شهر رمضان بشهادةٍ واحد إذا ارتضاه القاضي وحكم بشهادته، فإن ردت شهادته فقد قال بعض العلماء: إنه يلزمه أن يصوم؛ لأنه تيقن أنه رأى الهلال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته)، وهذا قد رآه، وقال بعض أهل العلم: لا يلزمه أن يصوم؛ لأن الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، وموافقته للجماعة خير من انفراده وشذوذه، وفصل آخرون فقالوا: يلزمه الصوم سراً، فيلزمه الصوم لأنه رأى الهلال، ويكون سراً لئلا يظهر مخالفة الجماعة.
الشيخ: الصيام له ركنٌ واحد وهو: التعبد لله عز وجل بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والمراد بالفجر هنا الفجر الثاني دون الفجر الأول، ويتميز الفجر الثاني عن الفجر الأول بثلاث مميزات:
الميزة الأولى: أن الفجر الثاني يكون معترضاً في الأفق وممتداً من الشمال إلى الجنوب، والفجر الأول يكون مستقيماً، أي: ممتداً من المشرق إلى المغرب.
الميزة الثانية: أن الفجر الثاني لا يختفي بل يستمر في ازدياد حتى تطلع الشمس، وأما الفجر الأول فهو يختفي بعد أن يكون له مثل ذنب السرحان.
والميزة الثالثة: أن الفجر الثاني متصل بياضه بالأفق، وأما الفجر الأول فهو عمودي لا يتصل بالأفق، كما أن الفجر الأول لا يتعلق به حكم الشرع، فلا تحل به صلاة الفجر، ولا يحل الإطعام على الصائم، بخلاف الفجر الثاني.
الشيخ: الصيام يجب أداءً على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم خال من الموانع، فهذه ستة أوصاف، فأما الكافر فلا يجب عليه الصوم ولا غيره من العبادات، ومعنى قولنا: ألا يجب عليه الصوم، أي: أنه لا يلزم به في حال كفره، ولا يلزمه القضاء بعد إسلامه؛ لأن الكافر لا تقبل منه عبادة حال كفره؛ لقوله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة:54]، ولا يلزمه قضاء العبادة إذا أسلم؛ لقوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]، لكنه يعاقب على ما تركه من واجبات حال كفره؛ لقوله تعالى عن أصحاب اليمين وهم يتساءلون عن المجرمين: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر:42-47]، فذكر أن ترك الصلاة وترك إطعام المسكين من أسباب دخولهم النار مما يدل على أن لذلك تأثيراً في دخولهم النار، بل إن الكافر يعاقب على كل ما يتمتع به من نعم الله في طعامه وشرابه ولباسه؛ لقول الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة:93]، فذكر الجناح، أي: جناح المؤمنين (فيما طعموا)، يدل على ثبوت الجناح على غير المؤمنين فيما طعموا؛ ولقوله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32]، فقوله: (للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) يدل على أن الحكم في غير المؤمنين يختلف عن الحكم في المؤمنين، ولكن إذا أسلم الكافر في أثناء رمضان لم يلزمه قضاء ما سبق إسلامه، فإذا أسلم ليلة الخامسة عشرة مثلاً فالأيام الأربعة عشرة لا يلزمه قضاؤها، وإذا أسلم في أثناء اليوم لزمه الإمساك دون القضاء، فإذا أسلم عند زوال الشمس مثلاً قلنا له: أمسك بقية يومك ولا يلزمك القضاء، فنأمره بالإمساك لأنه صار من أهل الوجوب، ولا نأمره بالقضاء؛ لأنه قام بما وجب عليه وهو الإمساك من حين أسلم، ومن قام بما يجب عليه لا يكلف عليه إعادة العبادة مرةً ثانية.
أما العقل وهو الوجه الثاني من شروط الوجوب، فالعقل هو ما يحصل به التمييز بالأشياء، فإذا لم يكن الإنسان عاقلاً فإنه لا صوم عليه، كما أنه لا يجب عليه شيء من العبادات سوى الزكاة، ومن هذا النوع، -أي: وممن ليس له عقل- أن يبلغ الإنسان سناً يسقط معه التمييز وهو ما يعرف عند العامة بالهذرام، فلا يلزم المهذرم صومٌ ولا يخرج عنه إطعام؛ لأنه ليس من أهل الوجوب.
أما التمييز الثالث فهو البلوغ، ويحصل البلوغ بواحدٍ من ثلاثة: إما بأن يتم للإنسان خمس عشرة سنة، أو أن ينبت العانة وهي الشعر الخشن كالذي يكون عند القبل، أو ينزل المني بلذة، سواءٌ كان ذلك باحتلام أو بيقظة، وتزيد المرأة أمراً رابعاً وهو الحيض، فإذا حاضت المرأة بلغت، وعلى هذا فمن تم له خمس عشرة سنة من ذكرٍ أو أنثى فقد بلغ، ومن نبتت عانته ولو قبل خمس عشرة سنة من ذكرٍ أو أنثى فقد بلغ، ومن أنزل منياً بلذة من ذكرٍ أو أنثى ولو قبل خمس عشرة سنة فقد بلغ، ومن حاضت ولو قبل خمسة عشرة سنة فقد بلغت، وربما تحيض المرأة وهي بنت عشر سنين، وهنا يجب التنبه لهذه المسألة التي يغفل عنها كثير من الناس؛ لأن بعض النساء تحيض مبكراً ولا تدري أنه يلزمها صوم وغيره من العبادات التي يتوقف وجوبها على البلوغ؛ لأن كثيراً من الناس يظن أن البلوغ إنما يكون بإتمام خمس عشرة سنة، وهذا ظنٌ لا أصل له، فإذا لم يكن الإنسان بالغاً فإن الصوم لا يجب عليه، ولكن ذكر أهل العلم أن الولي مأمورٌ بأن يأمر موليه الصغير من ذكرٍ أو أنثى بالصوم ليعتاده حتى يتمرن عليه، ويسهل عليه إذا بلغ، وهذا ما كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلونه، فإنهم كانوا يصومون أولادهم الصغار حتى إن الواحد منهم ليبكي فيعطى لعبةً من العهن يتلهى بها حتى تغرب الشمس.
وأما الوصف الرابع: فهو أن يكون الإنسان قادراً على الصوم، أي: يستطيع أن يصوم بلا مشقة، فإن كان غير قادر فلا صوم عليه، ولكن غير القادر ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون عجزه عن الصوم مستمراً دائماً، كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه، فهذا يطعم عن كل يومٍ مسكيناً، فإذا كان الشهر ثلاثين يوماً أطعم ثلاثين مسكيناً، فإذا كان الشهر تسعة وعشرين يوماً أطعم تسعة وعشرين مسكيناً.
وللإطعام كيفيةً:
الكيفية الأولى: أن يخرج حباً من رز أو بر وقدره ربع صاعٍ بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، أي: خمس صاع بالصاع المعروف هنا، ويساوي كيلوين وأربعين جراماً من البر الجيد، وهذا صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، والصاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أمداد، فيكفي لأربعة مساكين، ويحسن في هذه الحال إذا دفعته للفقير أن تجعل معه شيئاً من لحم أو غيره حسب ما يقتضيه الحال والعرف.
وأما الوجه الثاني من الإطعام: كأن يصنع طعاماً يكفي ثلاثين فقيراً أو تسعة وعشرين فقيراً حسب الشهر، ويدعوهم إليه، كما روي ذلك عن أنس بن مالك رضي الله عنه حين كبر، ولا يجوز أن يطعم شخصاً واحداً مقدار ما يكفي الثلاثين أو التسعة وعشرين؛ بل لا بد أن يطعم عن كل يوم مسكيناً.
أما القسم الثاني من العجز عن الصوم فهو العجز الذي يرجى زواله، وهو العجز الطارئ، كمرضٍ حدث للإنسان في أيام الصوم، وكان يشق عليه أن يصوم، فنقول له: افطر واقض يوماً مكانه؛ لقول الله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185].
أما الوصف الخامس: فهو أن يكون مقيماً وضده المسافر، والمسافر هو الذي فارق وطنه، فهذا لا يلزمه الصوم؛ لقول الله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] ، ولكن الأفضل أن يصوم إلا أن يشق عليه فالأفضل الفطر؛ لقول أبي الدرداء رضي الله عنه: ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في يومٍ شديد الحر وما فينا صائمٌ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم و
أما الوصف السادس: بأن يكون خالياً من الموانع -أي: من موانع الوجوب- وهذا يختص بالمرأة، فيشترط في وجوب الصوم عليها أداءً ألا تكون حائضاً ولا نفساء، فإن كانت حائضاً أو نفساء فإنه لا يلزمها الصوم وإنما تقضيه بدل الأيام التي أفطرتها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم مقرراً ذلك: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم)، فإذا حاضت المرأة فلا صوم عليها، وتقضي في أيامٍ أخر، وهنا مسألة بل مسألتان ينبغي التفطن لهما:
المسألة الأولى: أن بعض النساء تطهر في آخر الليل وتعلم أنها طهرت ولكنها لا تصوم ذلك اليوم ظناً منها أنها إذا لم تغتسل فإنه لا يصح صومها، وليس الأمر كذلك، بل صومها يصح وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الشمس.
وأما المسألة الثانية: فهي أن بعض النساء تكون صائمة، فإذا غربت الشمس وأفطرت جاءها الحيض قبل أن تصلي المغرب، فبعض النساء يقلن: إنه إذا أتاها الحيض بعد الفطر وقبل صلاة المغرب فإن صومها ذلك النهار يسقط، وكذلك بعض النساء يبالغن أيضاً ويقلن: إذا جاءها الحيض قبل صلاة العشاء فإن صومها ذلك اليوم يفسد، وكل هذا ليس بصحيح، فالمرأة إذا غربت الشمس وهي لم تر الحيض خارجاً فصومها صحيح، حتى لو خرج بعد غروب الشمس بلحظة واحدة فصومها صحيح.
هذه ستة أوصاف إذا اجتمعت في الإنسان وجب عليه صوم رمضان أداءً، ولا يحل له أن يفطر.
الشيخ: تارك الصلاة صومه ليس بصحيح ولا مقبولٍ منه؛ لأن تارك الصلاة كافرٌ مرتد؛ لقوله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)، ولأن هذا قول عامة الصحابة إن لم يكن إجماعاً منهم، قال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين المشهورين: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون من الأعمال تركه كفر غير الصلاة، وعلى هذا فإذا صام الإنسان وهو لا يصلي فصومه مردودٌ غير مقبول، ولا نفع له عند الله يوم القيامة، ونحن نقول له: صل ثم صم، أما أن تصوم ولا تصلي فصومك مردودٌ عليك؛ لأن الكافر لا تقبل منه العبادة.
الشيخ: الذي يتبين لي من الأدلة أن ترك الصلاة لا يكون كفراً إلا إذا تركها الإنسان تركاً مطلقاً، وأما من يصلي ويترك، فيصلي بعض الأحيان ويترك بعض الأحيان، فالذي يظهر لي من الأدلة أنه لا يكفر بذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها -أي: الصلاة- فقد كفر )، ولقوله: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)، ولكن هذا الرجل الذي لا يصلي إلا في رمضان، ويصوم في رمضان أنا في شكٍ من إيمانه؛ لأنه لو كان مؤمناً حقاً لكان يصلي في رمضان وفي غيره، أما كونه لا يعرف ربه إلا في رمضان فأنا أشك في إيمانه، لكن لا أحكم بكفره، بل أتوقف فيه وأمره إلى الله عز وجل.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر