إسلام ويب

تفسير سورة لقمان - الحروف المقطعة في أوائل السور [4]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • قد رويت أقوال كثيرة في معاني الحروف المقطعة في أوائل بعض السور القرآنية، ومن هذه الأقوال ما هو ضعيف، ومنها ما هو شديد الضعف أو باطل، فمن ذلك أن يقال: إنها تدل على عمر أمة أو أجلها، أو أنها في مفاتيح آلاء الله ونقمه، ومهما كان الأمر فإن هذه الأقوال تحتاج إلى بيان لمقاصدها وتوضيح لمكانتها عند أهل العلم.
    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

    الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير، اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، وأنت رب الطيبين.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3].

    وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    القول السابع: ذكره الإمام السيوطي في الإتقان (3/32)، فقال: لا يبعد أن تكون هذه الأحرف المقطعة في أوائل السور ذكرت أمارةً وعلامةً على نبوة نبينا عليه الصلاة والسلام، وكيف ذلك؟ قال: إن الله بشر بنبينا عليه الصلاة والسلام في الكتب المتقدمة، ومن ضمن البشارة والإخبارات: أن الله سينزل عليه كتاباً لم يألفه أهل الأرض، يبتدئ هذا الكتاب في بعض السور بهذه الأحرف (الم)، فلذلك كل متنبئ لا يأتي بهذا الأمر، وليس عنده هذا الأمر فيما يزعم أنه نزل عليه، فهذا كذاب!

    فأهل الكتاب عندما سمعوا النبي عليه الصلاة والسلام يتلو حم * تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [فصلت:1-2] قالوا: هذه العلامة وهذه الأمارة التي وردت في التوراة والإنجيل، وبذلك نعرفه كما نعرف أبناءنا؛ لأن وجود هذه الأحرف المقطعة لم كن معهوداً في الكتب السماوية السابقة، ولا كان معروفاً عند العرب، بل ولا استعمل عند أحد من المتكلمين أنه في أول كلامه يورد حروفاً مقطعة.

    فإذاً: لما ذكر الله هذا في تسعٍ وعشرين سورة لعله نوه بذلك في الكتب المتقدمة، فقال: من أوصاف ذلك النبي عليه الصلاة والسلام أنني سأنزل عليه قرآناً، في تسعٍ وعشرين سورةً من قرآنه يوجد حروف مقطعة هي كذا، فإذا وجدتموها فهذا هو نبي الله حقاً وصدقاً.

    وحقيقةً هذا القول لو وجد ما يدل عليه لكان أقوى قولٍ في بيان المراد من الحروف المقطعة في أوائل بعض سور القرآن؛ لأنه يكون من ذكره فائدةٌ عظيمة، وهي دلالة على أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً وصدقاً، فالله أشار إلى أن كتابه الذي يحتوي على هذه الأحرف المقطعة في تسعٍ وعشرين سورة، فلما جاء نبينا عليه الصلاة والسلام بذلك وهو الأمي الذي لم يخالط أهل الكتاب ولم يتلق منهم ولا يعرف ما عندهم، دلّ حقيقةً على أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النمل:76]، وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ [القصص:44]، وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران:44]، إنما أوحى إليك بذلك رب العالمين سبحانه وتعالى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089108293

    عدد مرات الحفظ

    781801357