إسلام ويب

شرح الترمذي - باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء [2]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • العلاقة بين قضاء الحاجة والدنيا يتبين لنا منها أمور، من هذه الأمور: حقيقة الدنيا وحقارة شهواتها وفنائها، وأنها كلها ليست خالصة بل يشارك فيها الأراذل وحتى الحيوانات، وشهوات الدنيا على التحقيق لا حقيقة لها وصورها مستهجنة، ولا تحصل إلا بتعب، ولا تطيب إلا عند اشتداد الحاجة لها، ثم بعد ذلك تستحيل إلى ما تنفر منه النفس وتتقذره.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

    انتهينا من مدارسة الباب الثالث من أبواب الطهارة من جامع الإمام أبي عيسى الترمذي عليه وعلى جميع المسلمين رحمات رب العالمين، وندخل الآن في الباب الرابع إن شاء الله: [باب ما يقول إذا دخل الخلاء].

    قال الإمام أبو عيسى الترمذي عليه رحمة الله: [ حدثنا قتيبة وهناد قالا: حدثنا وكيع عن شعبة ، عن عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك -قال شعبة وقد قال مرةً: أعوذ بك- من الخبث والخبيث، أو الخبث والخبائث).

    قال أبو عيسى : وفي الباب عن علي وزيد بن أرقم وجابر وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين.

    قال أبو عيسى : حديث أنس أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وحديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب، روى هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة ، فقال سعيد : عن القاسم بن عوف الشيباني ، عن زيد بن أرقم ، وقال هشام الدستوائي : عن قتادة ، عن زيد بن أرقم ، ورواه شعبة ومعمر عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، فقال شعبة : عن زيد بن أرقم ، وقال معمر : عن النضر بن أنس عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو عيسى : سألت محمداً عن هذا؟ فقال: يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعاً ].

    الحديث التالي في هذا الباب وهو الحديث السادس من أحاديث سنن الإمام الترمذي ، قال أبو عيسى عليه رحمة الله: [ أخبرنا أحمد بن عبدة الضبي البصري ، قال: حدثنا حماد بن زيد ، عن عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن مالك : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث). قال أبو عيسى : هذا حديثٌ حسنٌ صحيح ].

    إخوتي الكرام! قوله: (ما يقول إذا دخل الخلاء)، الخلاء: هو الموضع الخالي الذي ليس فيه أحد، قال أئمتنا: وفي هذا اللفظ دلالة على البعد أيضاً؛ لأن المكان الخالي الذي ليس فيه أحد يكون بعيداً في الغالب، والمراد من الخلاء هنا: مكان التغوط، وسمي خلاءً لوجود هذين الأمرين فيه: ليس في مكان قضاء الحاجة أحد، والمكان في الغالب يكون بعيداً، لا سيما في العصر الأول عندما لم تكن الكنف والحمامات في البيوت، فكان من أراد قضاء الحاجة في الخلاء والفضاء يبتعد ميلاً أو ميلين، فإذاً بعد مع خلو، يقال لمكان قضاء الحاجة.

    والحمام في البيت يكون في طرف البيت، وما اعتاده الناس في هذه الأيام من أن يجعلوا الحمام في داخل الغرفة عادة غربية خبيثة، وكان العرب يتأففون من وجود الحمام داخل السكن غاية التأفف، فكيف إذا كان بابها على الحجرة، يعني عندما جعلوا في بيوتهم المراحيض والكنف، والأولى أن تكون في آخر شيء في البيت، أو في مكان متطرف من البيت مستور ومعزول، وهذا ما أدركت عليه آباءنا الكرام عليهم جميعاً رحمات ذي الجلال والإكرام وخال، وأما ما هو الآن فهذه الحياة الغربية الإفرنجية ما كان يعرفها سلفنا.

    وقال أئمتنا: الخلاء هو موضع التغوط عند قضاء حاجة الغائط، ويقال له: المذهب، يعني الذي يذهب بعيداً ليصل إلى هذا المكان، ويقال له: المرفق كما في كتب اللغة، كل ما يرتفق به من مطبخ وكنوف ومصاب المياه يقال لها: مرفق. ويقال له: مرحاض، من رحض بمعنى غسل؛ لحصول الاستنجاء فيه، وأكمل أحوال الاستنجاء أن يغسل الإنسان مكان قضاء الحاجة.

    ويقال له: غائط، والغائط في الأصل: المكان المنخفض المطمئن في الأرض؛ لأن الإنسان إذا أراد أن يقضي حاجةً لا يصعد على جبل، إنما ينزل إلى منخفض، فيبحث عن مكان منخفض يكون فيه من أجل أن يتوارى، وأما إذا ارتفع فيبدو منه ما يكرهه الإنسان.

    ويقال أيضاً لذلك المكان: حُشٌ وحَشٌ بفتح الحاء وضمها، والحُش والحَش في الأصل: البستان، وأطلق على الكنيف وعلى الخلاء حَشٌ وحُش؛ لأنه كانت عادة كثير من الناس إذا أرادوا قضاء الحاجة أن يذهبوا إلى البستان لحصول الستر فيه والتواري، ولذلك يتوارى الإنسان بشجرةٍ أو أكمة، ويقال له: الكنيف أيضاً مكان قضاء الحاجة من الستر، والكنيف هو الشيء الساتر، ويقال له في تعبير الناس في هذه الأيام: دورة المياه وحمام على حسب اصطلاح بني الإنسان في هذا الزمان، وكل هذه ألفاظٌ لمسمى واحد، وهو المكان الذي يحصل فيه قضاء الحاجة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089100395

    عدد مرات الحفظ

    781654853