إسلام ويب

شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [4]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مجتهدة في العبادة، فقد كانت تسرد الصوم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإكثار من التعبد مع مراعاة الضوابط الشرعية ليس ببدعة، وهو ما كان يفعله السلف، ومن ذلك ختم القرآن في أقل من ثلاث. وكانت عائشة رضي الله عنها شفيقة بالمسلمين، شديدة الحياء والحشمة حتى أنها كانت تحتجب من العميان والموتى، وللأسف جاء بعض السفهاء في هذا العصر وطعنوا في الحجاب بشبه باطلة فندها العلماء ووضحوا عوارها.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

    إخوتي الكرام! كنا نتدارس ترجمة أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهي راوية الحديث الذي رواه الإمام الترمذي في جامعه عن شيخ المحدثين وسيد المسلمين أبي عبد الله البخاري عليهم جميعاً رحمة الله، عن أمنا عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك)، قال أبو عيسى : هذا حديث حسنٌ غريب، ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث أمنا عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    وقد أورد الإمام الترمذي هذا الحديث كما تقدم معنا في الباب الخامس من أبواب الطهارة فيما يقوله الإنسان إذا خرج من الخلاء، وبعد أن انتهينا من دراسة إسناد الحديث وصلنا إلى مدارسة ترجمة راوية الحديث أمنا عائشة رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله على نبينا وآله وأزواجه صلوات الله وسلامه.

    وقد تقدم معنا إخوتي الكرام شيءٌ من ترجمتها العطرة المباركة، وقلت: سنتدارس أحوالها ضمن ستة أمور:

    أولها: فيما يتعلق بفضلها وأفضليتها.

    ثانيها: فيما يتعلق بحب نبينا صلى الله عليه وسلم لها محبةً خاصةً.

    والأمر الثالث: في أسباب حبها وتقديمها على غيرها رضي الله عنها وأرضاها.

    والأمر الرابع: في زواج نبينا صلى الله عليه وسلم من أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

    وهذه الأمور الأربعة تقدمت معنا مدارستها وبقي معنا أمران:

    الأمر الخامس: في ترجمتها العطرة الطيبة فيما يتعلق بقيامها بجميع أمور الدين، من تعظيمٍ لرب العالمين، وشفقةٍ على المخلوقين.

    والأمر السادس: في حب الله لها، وغيرته عليها، ودفاعه عنها.

    أما الأمر الخامس فيما يتعلق بعبادتها لربها، وبشفقتها على خلق الله جل وعلا، فسنتدارسه ضمن ثلاثة أمور مختصرة:

    أولها: فيما يتعلق بعبادتها لله، في صيامها، وصلاتها، وخوفها، وخشيتها من ربها جل وعلا.

    والثاني: فيما يتعلق بكرمها، وجودها، ومساعدتها للمخلوقين.

    الثالث: سأختم ترجمتها المتعلقة بالأمر الخامس هذا بالحديث عن خلقها الذي ينبغي أن تقتدي به نساؤنا الصالحات في هذا الوقت؛ في حيائها، ومحافظتها على حجابها واحتشامها نحو المبصرين ونحو العميان ونحو الميتين، رضي الله عنها وأرضاها وعن سائر أمهاتنا والصحابة أجمعين.

    أما فيما يتعلق بالأمر الأول: في عبادتها لربها وتعظيمها له؛ فهي من العابدات القانتات المجتهدات في ذلك، وكيف لا وهي زوجة سيد العابدين، وإمام الزاهدين، وخير خلق الله أجمعين، على نبينا وآله وأزواجه وأصحابه صلوات الله وسلامه.

    لقد بلغ من جدها واجتهادها في طاعة ربها أنها بعد موت نبينا عليه الصلاة والسلام واظبت على الصيام، وما كانت تفطر إلا الأيام التي نهينا عن الصيام فيها، أربعة أيامٍ في السنة: يوم الفطر، ويوم الأضحى، وثلاثة أيامٍ من أيام التشريق، المجموع خمسة أيام، وما عدا هذا فكانت تصوم الدهر رضي الله عنها وأرضاها، نعم في حياة نبينا عليه الصلاة والسلام ما كانت تفعل ذلك من أجل تفرغها لخدمة النبي عليه الصلاة والسلام، وبعد أن توفي عليه صلوات الله وسلامه وانتقل إلى جوار ربه إلى الرفيق الأعلى ما بقي شيءٌ يشغلها عن هذه الطاعات، وخدمة النبي عليه الصلاة والسلام أفضل من صيامها نافلة، فكانت تسرد الصوم بعد ذلك وتواصله -وهذا ثابتٌ عنها بالأسانيد الصحيحة- تعظيماً لذي الجلال والإكرام، وكذلك في طبقات ابن سعد في الجزء الثالث صفحة ثمانٍ وستين وخمسٍ وسبعين بإسنادٍ صحيح عن القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وهو ابن أخيها وهي عمته، ينقل عنها أنها كانت تصوم الدهر، وأنها كانت تسرد الصوم.

    ونقل عنها ذلك سعد بن إبراهيم أيضاً.

    فلا يقولن قائل: نهينا عن صيام الدهر، كما نهينا أيضاً عن أن نقرأ القرآن في كل يومٍ أو في كل ليلة؛ فهذا في من يشق عليه ويترتب عليه مللٌ ونفورٌ من العبادة، وأما من كان يتحمل فهو أدرى بنفسه، والصحابة هم أعلم الناس بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلامه، ولذلك قرر أئمتنا أن ما ورد من أحاديث تنهى عن صيام الدهر وعن قراءة القرآن في أقل من ثلاث فهو محمولٌ على من يسأم أو يترتب على ذلك محظور، وقد بحث في هذه الأمور الإمام اللكنوي في كتابه إقامة الحجة وبيَّن أن الإكثار في التعبد ليس ببدعة، ووفق بين النصوص الشرعية الثابتة عن خير البرية عليه الصلاة والسلام التي تنهى عن صيام الدهر، وعن قراءة القرآن في اليوم والليلة، وختم القرآن في اليوم والليلة، وبين ما تواتر عن صالحي هذه الأمة من الصحابة فمن بعدهم فقال: إن تلك النصوص التي تنهى محمولةٌ على واحدةٍ من أمورٍ عشرة، فمن اتصف بواحدٍ منها فالنهي يقع عليه وإلا فلا حرج عليه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089197879

    عدد مرات الحفظ

    782700514