إسلام ويب

شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [30]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن إصابة الإنسان بالصرع قد يكون بسبب أخلاط سيئة نتنة، وهذا هو الذي يتكلم الأطباء في سببه وعلاجه، وقد يكون بسبب الجن. وصرع الجن نوعان: صرع معنوي يؤثر على علاقة الإنسان بربه، ويكون بالغفلة وغيرها، ولا يسلم منه إلا القليل، وهو أخطر أنواع الصرع، مع غفلة الناس عنه. وصرع حسي يتفاوت من شخص لآخر، وقد حدث شيء منه لبعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فخيرهم بين الصبر ولهم الجنة وبين علاجهم، فصبر بعضهم، وعالج النبي صلى الله عليه وسلم بعضاً؛ فهو طبيب الأرواح والأبدان.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين, وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين! اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين!

    سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد: فلا زلنا في آخر مباحث الجن، ألا وهو الصلة بيننا وبينهم، وقلت: هذا المبحث يقوم على أربعة أمور:

    أولها: على حكم الاستعانة الإنس بالجن.

    وثانيها: على حكم التناكح بين الإنس والجن.

    وقد مر الكلام على هذين المبحثين.

    والمبحث الثالث: في صرع الجن للإنس.

    وآخر المباحث معنا وهو الرابع: تحصن الإنس من الجن.

    وكنا نتدارس صرع الجن للإنس، وقلت: إن الصرع ينقسم إلى ثلاثة أقسام: صرع معنوي، وهذا أشنع أنواع الصرع، وهو أن يصاب الإنسان من قبل أعدائه شياطين الجن, فيلتقم الشيطان قلبه، ويوسوس له، فيصغي الإنسان إلى هذه الوسوسة، وقلت: هذه بلية عظيمة, ونسبة الصرعى فيها كثيرون كثيرون، ونسبة من صرع بهذا الصرع تسعمائة وتسعة وتسعون من الألف، وواحد فقط هو الذي نجا، وأكثر الناس في غفلة عن هذا الصرع، فكل واحد يهتم بجسمه وببدنه وبماله، ولا يفكر في دينه، فجسمك بالحماية حصنته مخافةً من ألم طاري، فالأولى بك أن من المعاصي خشية النار، وحقيقة: إن الناس لا يشعرون إلا إذا أصيبوا في أبدانهم وأموالهم، أما إذا أصيب في دينه فلا يشعر ولا يبالي.

    ومن الرجال بهيمة في صورة الرجل السميع المبصر

    فطن بكل مصيبة في ماله وإذا أصيب بدينه لم يشعر

    ولذلك يقول أئمتنا: الرجل هو الذي يخاف من موت قلبه لا من موت بدنه، والمأسور من أسر قلبه ومن أسره الشيطان, لا من أسر بدنه، فإذا أسرك الشيطان وصرت عبداً له من دون الرحمن فهذا هو الصرع الحقيقي، وهذا هو الأسر الحقيقي, أن تكون حراً في الظاهر لكنك في الحقيقة مقلد تابع لهذا الشيطان الرجيم.

    وقد تقدم معنا أن المعصية موت، وأن أول من مات من الخليقة إبليس, مع أنه منظر إلى يوم الدين، فحياته وجودها وعدمها سواء، أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122]. والرجل هو الذي يخشى من ضياع دينه, لا من ضياع درهمه.

    وذكر ابن القيم في كتابه الوابل الصيب في صفحة اثنتين وستين ما يقرر هذا المعنى عن شيخ الإسلام ابن تيمية فيقول عند البحث في فوائد الذكر وثمراته: وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة.

    وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي، أنا جنتي وبستاني في صدري، أنى رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة.

    وكان يقول في مجلسه في القلعة التي سجن بها: لو بذلت ملء هذه القلعة ذهباً ما عدل عندي شكر هذه النعمة؛ لأنني خلوت مع ربي, أذكر الله, وآنس به سبحانه وتعالى، أو قال: ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير، وكان يقول في سجوده وهو محبوس: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

    وقال لي مرة: المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى، والمأسور من أسره هواه.

    ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال: فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة، وظاهره من قبله العذاب.

    قال تلميذه ابن القيم : وعلم الله ما رأيت أحداً أطيب عيشاً منه، مع ما كان فيه من ضيق العيش، وخلاف الرفاهية والمعين بل كان على ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاب، كان من أشرح الناس صدراً، وأقواهم قلباً، وأسرهم نفساً، تلوح نضرة النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله، فينقلب انشراحاً وقوةً ويقيناً وطمأنينة، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل, فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها.

    هذه هي حقيقة الرجولة، وهذه هي الصحة، وهذا هو الطيب، وهذه هي الحياة، أن يكون الإنسان عبداً لرب الأرض والسموات، ألا يأسره هواه، وألا يستولي عليه شيطانه، كما قال تعالى: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المجادلة:19].

    إن الصرع المعنوي أشنع أنواع الصرع، والناس في غفلة عنه، وكل من وقع في معصية فقد صرعه الشيطان، ونسبة الصرع تختلف من إنسان لإنسان، وكل عاص فهو مصروع.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089158311

    عدد مرات الحفظ

    782260969