إسلام ويب

شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [34]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن منزلة الأئمة سامقة، خاصة من كتب لهم القبول، وصارت كلماتهم نوراً يستضيء بها خلق من هذه الأمة، ويقال في حقهم جاوزوا القنطرة؛ فلا يحتاجون إلى جرح وتعديل ممن هو دونهم؛ لأن الأمة أجمعت على عدالتهم، مع عدم الحكم لأحدهم بالعصمة فهم بشر يخطئون ويصيبون، وإن الإمام أبا حنيفة أثر عن بعض علماء الحديث إغماض فيه وهضم، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى الطعن في دينه وعدالته، وهذا غير مرضي وغير سديد، ومن أتى ينشر مثل هذا الثلب، ويغض الطرف عن المحاسن فليس من عباد الله المتقين، بل قد قيل فيه من الثناء والذكر الحسن الكثير الكثير، علماً أن أقوال العلماء بعضهم في بعض تطوى ولا تروى، ومن ناطح الجبل كسر قرنه.

    موقف الألباني من أبي حنيفة

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، على أمور الدنيا والدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، نسألك اللهم علماً نافعاً، ونعوذ بك من علم لا ينفع، وبعد:

    فكنا مع كلام الشيخ الألباني في الإمام أبي حنيفة عندما روى حديث رفع العاهة عند طلوع النجم، وكيف ضعفه، وذكر كلاماً في السلسلة الضعيفة حول هذا الحديث، والناظر في كلامه يعجب، ثم انظر للأمانة العلمية التي ينادي بها الناس في هذه الأيام!

    يقول الألباني: أبو حنيفة ضعفه أربعة.

    وهل من الأمانة أن نذكر ما قيل من قدح في الإنسان ولا نذكر ما قيل من توثيقٍ فيه، هل هذه أمانة أو هو اتباع للهوى؟!

    إن أردت أن تبسط المسألة فابسطها وقل: قيل كذا وكذا، وبين لنا ماذا تختار؛ ليختار القارئ بعد ذلك ما يريد، أما أن تأتي بكلام الجارح وتسكت عن كلام الموثق المعدل فهذا ليس من الإنصاف والعدل، ذكر أربعة ممن ضعفوا أبا حنيفة ثم سكت عن كلام البقية من أئمة الجرح والتعديل.

    وقد كان الألباني يصدر -فيما يظهر- هذه الأجزاء تباعاً في نفس السلسلة التي كان ينشرها في مائة حديث في أول الأمر كلما جمعها، فحصل ضجيج في العالم الإسلام نحو هذا الكلام، وأن أبا حنيفة ضعيف، فبدلاً من أن ينقل التضعيف عن أربعة من أئمة الجرح نقله عن أكثر من عشرة، وما قيد كلمة واحدة في توثيقه عن أحدٍ من أئمتنا الكرام.

    وذكر هذا أيضاً في نفس الجزء من السلسلة الضعيفة في حديث رقم (458) صفحة (463) حيث يقول: ورواه الإمام محمد في كتاب الآثار صفحة (104) قال: أخبرنا أبو حنيفة عن الهيثم مرفوعاً، قلت: وهذا معضل، فإن الهيثم هذا هو ابن حبيب الصيرفي الكوفي وهو من أتباع التابعين، روى عن عكرمة وعاصم بن ضمرة ، ثم قيل: وتوضيحاً لذلك أقول: وأبو حنيفة ضعفوا حديثه كما سبق بيانه عند الحديث رقم (397).

    يقول: ذكرت هناك أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله قد ضعفه من جهة حفظه البخاري ومسلم والنسائي وابن عدي أربعة، ثم قال: وغيرهم من أئمة الحديث.

    قال الألباني: وسأذكر هنا نصوص الأئمة المشار إليهم وغيرهم ممن صح ذلك عنهم ليكون القارئ على بينة من الأمر، ولا يظن أحد أن فيما ذكرنا هناك ما يمكن أن يدعي مدعٍ أنه اجتهاد منا وإنما هو الاتباع لأهل العلم والمعرفة والاستقامة, والله عز وجل يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].

    انظر للألباني الآن كأنه يقول: أنا الآن مقلد ومتبع لمن قبلي، وهم ضعفوا أبا حنيفة فلا تقل: هذا اجتهاد مني، أنا الآن آخذ بأقوال العلماء، ويقول: تعال فاسأل به خبيراً، ثم أورد كلام مسلم كما تقدم هناك، وكلام النسائي وبدأ يسرد ويسرد حتى وصل العدد إلى أحد عشر عالماً ضعفوا أبا حنيفة .

    الرد على الألباني

    إن الألباني ما نقل كلام من وثقوا الإمام أبا حنيفة ، ثم قال: ومما لا شك فيه عندنا أن أبا حنيفة من أهل الصدق، ولكن ذلك لا يكفي ليحتج بحديثه حتى ينضم إليه الضبط والحفظ، وذلك مما لم يثبت في حقه رحمه الله، بل ثبت فيه العكس بشهادة من ذكرنا من الأئمة، وهم القوم لا يضل من أخذ بشهادتهم أو اتبع أقوالهم.

    ليتك تهتدي لآثارهم!

    تقدم معنا حديث في صحيح البخاري من رواية: يحيى بن سليم الطائفي ، ويصحح البخاري حديثه، وأنت رددت كلامه، ورددت كلام الحافظ ابن حجر ، ورددت كلام أئمة الإسلام من أجل فردٍ واحد لحاجة في نفسك، ثم تقول الآن: هم القوم لا يضل من أخذ بشهادتهم، لم لم تأخذ بشهادة البخاري هناك؟!

    يعني: شهادة البخاري في أبي حنيفة جعلتها نصاً منزلاً كالقرآن، وشهادة البخاري في يحيى بن سليم الطائفي رددتها، وقد أورد حديثه في كتابه وصححه، فجئت وضعفته وما باليت، فإما أن تأخذ بأقوالهم كلها، وإما أن تردها، وأما هذا التذبذب بأن يأخذ الإنسان ما يريد ويترك ما يريد، فلا!

    يأتي لإمام من أئمة الإسلام يطعنه كما يقال بخنجر مسموم، ثم يقول: أنا لن أضل؛ لأنني اتبعت أئمة الإسلام قبلي.

    حسناً: فلم لم تتبعهم في يحيى بن سليم الطائفي ؟!

    نعم؛ هم القوم لا يضل من أخذ بشهادتهم واتبع أقوالهم، فلا يمس ذلك من قريب ولا من بعيد مقام أبي حنيفة رحمه الله في دينه وورعه وفقهه، والله لو كنت تدري ما تقول وعرفت ما تكتب لما نقلت هذا الكلام بدون أن ترد عليه؛ لأن هؤلاء الذين جرحوا أبا حنيفة قد جرحوه في دينه وورعه وأمانته وديانته، وأنت لو كان عندك عقل عندما نقلت هذا الكلام لارعويت، وكما رددت كلامهم في الطعن في دين أبي حنيفة وأمانته، كان عليك أن ترد كلامهم في الطعن في حفظه وضبطه وتلتمس لهم المعاذير، وتسأل لهم المغفرة من الله تعالى.

    وفي الكتب التي نقل منها الألباني ما فيها من بلاء نحو هذا الإمام المبارك عليه رحمة ربنا، يقول: فكم من فقيه وقاض وصالح تكلم فيه أئمة الحديث من قبل حفظهم وسوء ضبطهم، ومع ذلك لم يعتبر ذلك طعناً في دينهم وعدالتهم كما لا يخفى ذلك على المشتغلين بتراجم الرواة.

    ثم بعد ذلك يقول: فهذا هو الحق والعدل وبه قامت السماوات والأرض، فالصلاح والفقه شيء، وحمل الحديث وحفظه وضبطه شيء آخر، ولكل رجاله وأهله، فلا ضير على أبي حنيفة رحمه الله ألا يكون حافظاً ضابطاً ما دام أنه صدوق في نفسه، أضف إلى ذلك جلالة قدره في الفقه والفهم، فليتق الله بعض المتعصبين له، ممن يطعن في الدارقطني لقوله في أبي حنيفة : ضعيف الحديث.

    أقول: لا يقر الطعن في الدارقطني ولا في البخاري ولا في إمامٍ من أئمة الإسلام، ومن طعن في إمامٍ من أئمتنا فعليه غضب ربنا، وقد جرى بين أئمتنا ما هو أكبر منه؛ كما وقع بين الصحابة، فنضبط هذه الألسن، ونستغفر لهم جميعاً، ونتقي ربنا في أئمتنا.

    وليس معنى هذا أننا إذا برأنا أبا حنيفة وقلنا: لا يضره طعن الدارقطني أننا نطعن في الدارقطني لا ثم لا، ولما انتقد الدارقطني أحاديث على البخاري -وليس منها ما انتقدته أنت، فهو إمام جهبذ- التمسنا له العذر، ورددنا قوله وانتهى الأمر.

    وقلنا: إن تصحيح البخاري لا يقدم عليه كلام الدارقطني ولا غيره، لكن ليس معنى هذا أننا خاصمنا الدارقطني أو ضللناه، فله اجتهاده وعذره، وله تأويله، والكل سيئول إلى الله عز وجل.

    وأئمة الإسلام ينبغي أن نغار عليهم أكثر من غيرتنا على أنفسنا وأعراضنا، وأن نتقي الله في أئمتنا، فـالدارقطني على عيننا ورأسنا، ونحن نتبرك بذكره ونرجو شفاعته عند ربنا، وهكذا سائر أئمتنا أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، وليس عند دفاعنا عن أبي حنيفة أننا سنقع في البخاري أو في مسلم أو في غيرهم من أئمة الإسلام.

    يقول: ويزعم أنه ما قال ذلك إلا تعصباً على أبي حنيفة ، ولم يدر البعض المشار إليه أن مع الدارقطني أئمة الحديث الكبار مثل الشيخين وأحمد وغيرهم ممن سبق ذكرهم، أفكل هؤلاء متعصبون ضد أبي حنيفة ؟!

    والله إن شخصاً يقبل مثل هذه التهمة أن توجه إلى مثل هؤلاء الأئمة لأيسر عليه وأقرب إلى الحق أن يعكس ذلك فيقول: صدق هؤلاء فيما قالوه في الإمام أبي حنيفة , ولا ضير عليه في ذلك فغايته ألا يكون محدثاً ضابطاً، وحسبه ما أعطاه الله من العلم والفهم الدقيق، حتى قال الإمام الشافعي : الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة , ولذلك ختم الحافظ الذهبي ترجمة الإمام أبي حنيفة في سير أعلام النبلاء بقوله: قلت: الإمامة في الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الإمام, وهذا أمر لا شك فيه:

    وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل

    هذه الطعون في أبي حنيفة التي وجهت من قبل هؤلاء الأئمة منهم من استدل به بدءاً بـالبخاري فمن بعده -أقرأ عليكم من كتبه- أنهم طعنوا في أبي حنيفة من جهتين: طعنوا في عدالته وديانته كما طعنوا في حفظه وضبطه، فأنت إذا رددت أحد الأمرين فاردد الآخر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089098857

    عدد مرات الحفظ

    781627546