إسلام ويب

مباحث النبوة - قوت النبي صلى الله عليه وسلم [2]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد جاع النبي صلى الله عليه وسلم وعانى من ذلك شدة وتعباً، حتى إنه كان يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع، وقد أنكر قوم شد الحجر على البطن، ولكن قولهم مردود بما ثبت في الأحاديث الصحيحة، وبما ثبت من فوائد لشد الحجر على البطن عند الجوع، وقد ثبت أيضاً عن كثير من الصحابة الكرام أنهم شدوا الحجارة على بطونهم من شدة الجوع، رضي الله عنهم وأرضاهم.
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    إخوتي الكرام! لا زلنا نتدارس المبحث الثالث من مباحث النبوة في بيان الأمور التي يعرف بها صدق النبي والرسول، على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.

    وقلت إخوتي الكرام: إن الأمور التي يعرف بها صدق أنبياء الله ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه فيما يبلغونه عن الله وأنهم رسل الله، الأمور كثيرة وفيرة متعددة يمكن أن نجملها في أربعة أمور:

    أولها: النظر إلى حال النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه في خَلقه وخُلقه.

    وثانيها: النظر إلى دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته التي بعث بها، وشريعته التي بلغها.

    وثالث الأمور: خوارق العادات والمعجزات التي أيد الله بها رسله الكرام، على نبينا وعليهم جميعاً الصلاة والسلام.

    ورابع الأمور وآخرها: النظر إلى حال أصحاب النبي عليه وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، فهم صورة لمعلمهم ومرشدهم وهاديهم ونبينهم على نبينا وأصحابه وآله صلوات الله وسلامه.

    وهذه الأمور الأربعة -إخوتي الكرام- كنا نتدارس الأمر الأول منها ألا وهو النظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام في نفسه في خَلقه وخُلقه، وتقدم معنا أن الله منح رسله الكمال في خلقهم وفي أخلاقهم، فمنحهم الجمال والجلال في الأمرين وكمل لهم الحسنى في خلقهم وفي أخلاقهم عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

    وقد تقدم معنا -إخوتي الكرام- ما يتعلق بالشق الأول من هذين الأمرين، فيما يتعلق بخلق النبي عليه الصلاة والسلام، وما في ذلك من دلالات على أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً وصدقاً، ثم انتقلنا لمدارسة الشق الثاني وهو التأمل في خُلق النبي عليه الصلاة والسلام، وقلت: إن خلقه لا يمكن أن يحيط به إنسان كما لا يمكن أن يحيط بمعاني القرآن على التمام، إنما نبحث في خلقه عليه صلوات الله وسلامه حسبما في وسعنا، وقلت: إذا كان الأمر كذلك وأردنا أن نتعرف على أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام ووجه دلالة ذلك الأمر على أنه رسول ذي الجلال والإكرام، فينبغي أن نتدارس سبعة أمور تتعلق بأخلاقه عليه صلوات الله وسلامه:

    أولها: خلقه عليه الصلاة والسلام في بيته ومع أهله، وثانيها: خلقه عليه الصلاة والسلام مع أصحابه وأمته، وثالثها: خلقه عليه الصلاة والسلام مع الملائكة الكرام، ورابعها: خلقه عليه الصلاة والسلام مع أعدائه من شياطين الإنس، وخامسها: خلقه عليه الصلاة والسلام مع أعدائه من شياطين الجن، وسادسها: خلقه عليه الصلاة والسلام مع الحيوانات العجماوات، وسابعها: خلقه عليه الصلاة والسلام مع الجمادات الصامتات.

    وهذه الأمور السبعة إخوتي الكرام! بدأنا بالأول منها ألا وهو خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أهله في بيته، وقلت: إن هذا الأمر أيضاً ينبغي أن نتدارسه ضمن أربع مراحل بها يحصل الكلام على خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أهله الكرام في بيته عليه وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، وهذه المراحل الأربع والأمور الأربعة هي:

    أولها: النظر إلى مسكن النبي عليه الصلاة والسلام وإلى حجره التي كان يسكن فيها مع نسائه الطيبات الطاهرات المطهرات، عليه وعليهن صلوات الله وسلامه، وثانيها: أثاث ذلك المسكن وما فيه من متاع دنيوي، وثالثها: الطعام الذي كان يقدم في تلك الحجر في بيوت نبينا عليه الصلاة والسلام، ورابعها: وهو آخر الأمور وما تقدم من الأمور الثلاثة مقدمة للأمر الرابع: كيفية معاملة نبينا عليه الصلاة والسلام مع نسائه وحال نسائه معه عليه وعليهن صلوات الله وسلامه، لتظهر لنا هذه الصورة المثالية في خلق خير البرية، عليه صلوات الله وسلامه مع نسائه في تلك البيوت التي تقدم معنا وصفها ووضعها.

    أما بيوته عليه صلوات الله وسلامه وأثاثه وطعامه فقد تقدم معنا حاله في هذه الأمور، وأنه حال من جعل الدنيا معبراً ولم يتخذها وطناً ومقراً عليه صلوات الله وسلامه، فقد رضي بالدون من تلك الأشياء في الكم وفي الكيف، فأخذ القليل من تلك الأمور الثلاثة، فأما حجره فتقدم معنا أنه لو مد الإنسان رجليه إلى أي جهة من جهات حجر نبينا عليه الصلاة والسلام وهو في داخل الحجرة لنالت رجلاه الجدار، ولو رفع يده لنال السقف، ثم تلك الجدران تقدم معنا أنها جريد نخل كسي بطين على نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم.

    وأما الأثاث فتقدم معنا ما فيها من أثاث قليل لا قيمة له من حيث الكم، ثم هو خشن من حيث الكيف، فغاية فراش نبينا عليه الصلاة والسلام من أدم من جلد حشوه ليف وهو خوص النخل كما تقدم معنا، وأما الطعام فكنا نتدارسه في الموعظة الماضية، وقلت أيضاً: أخذ نبينا عليه الصلاة والسلام بالقليل من حيث الكمية في طعامه عليه الصلاة والسلام، وبالخشن أيضاً من حيث الكيفية في طعامه عليه الصلاة والسلام، فكان جوعه أكثر من شبعه عليه صلوات الله وسلامه، ثم بعد ذلك عندما كان يأكل ما عنده الألوان التي نملأ بها بطوننا في هذه الأيام، فقد فارق الدنيا فداه نفسي وأبي وأمي عليه صلوات الله وسلامه وما ملأ بطنه من خبز الشعير، وما شبع ثلاثة أيام تباعاً من خبز الشعير حتى لحق بالله الجليل على نبينا صلوات الله وسلامه.

    وقلت -إخوتي الكرام-: ما كان هذا من قلة ولا من بخل عليه صلوات الله وسلامه، فقد أعطاه الله من الغنى ما لم يعط أحداً من خلقه، وكان يهب أحياناً من الهدايا والعطايا للفرد الواحد ألف بعير عليه صلوات الله وسلامه، ويعطي من الغنم ما يملأ ما بين جبلين، فالغنى جاءه لكنه آثر به غيره، فكان إذا جاءه الغنى آثر غيره، وإذا أصيب بالشدة والفقر رضي وصبر عليه صلوات الله وسلامه، فقام بالعبودية التامة لله جل وعلا في الحالتين: في حال الغنى إيثار، وفي حال الفقر صبر والتجاء إلى العزيز القهار سبحانه وتعالى.

    وتقدم معنا -إخوتي الكرام- ما يتعلق بطعام نبينا عليه الصلاة والسلام، وذكرت حديث أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهي أدرى الناس بما يأكله نبينا عليه الصلاة والسلام وآل بيته الكرام عليه وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، وتقدم معنا أنه كان يمر ثلاثة أهلة في شهرين وما يوقد في بيت نبينا عليه الصلاة والسلام نار، لا لخبز ولا لطبخ عليه وعلى آله صلوات الله وسلامه، وتقدم معنا أن الحديث في الصحيحين وغيرهما، فلما قيل لأمنا عائشة رضي الله عنه: فماذا كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء.

    وقلت: هذا المعنى متواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وكان يعرفه الخاص والعام، والصحابة الكرام رضوان الله عليهم جميعاً على علم به على وجه التمام؛ ولذلك قررت هذا المعنى بعشرة أحاديث من رواية أصحاب مختلفين متعددين، والروايات كلها صحيحة كما تقدم معنا في نوع أكل نبينا عليه الصلاة والسلام، وفي مقدار طعامه عليه الصلاة والسلام هو وآله بيته الكرام عليه وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

    وختمت الحديث على ذلك -إخوتي الكرام- بما قلت سأختم الحديث به في بيان شدة جوع نبينا عليه الصلاة والسلام، وكيف كان يعالج ذلك الجوع أحياناً بربط حجر على بطنه الشريف فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا عليه صلوات الله وسلامه، وذلك الحجر الذي كان يشده على بطنه عليه صلوات الله وسلامه كان كثيراً ما يقرن الله به معجزات واضحات تدل دلالة بينة على أنه رسول رب البريات على نبينا وآله صلوات الله وسلامه.

    وتقدم معنا الحديث من رواية جابر بن عبد الله في موقعة الخندق، وكيف أكل ألف صحابي رضوان الله عليهم أجمعين من شعير قليل، وعناق صغير، ولا زالت البرمة تغط باللحم كما كانت وأكثر، فأهدي إلى الجيران بعد أن أكل من هذا الطعام ألف من الصحابة الكرام.

    أيضاً حديث أنس رضي الله عنه وأرضاه عندما أكل من مد من شعير، والمد قلت بقرابة نصف كيلو وأقل كما تقدم معنا، أكل منه ثمانون صحابياً وأهدي منه أيضاً، وهذا بعد أن شد حجراً على بطنه عليه صلوات الله وسلامه، ثم ختمت الكلام بحديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، أنه إذا نزلت بالمؤمنين شدة وكانوا يشدون الحجر على بطونهم، فكان نبينا عليه صلوات الله وسلامه يأخذ من تلك الشدة النصيب الأوفى فكان يشد حجرين والصحابة يشدون حجراً حجراً على بطونهم.

    هذا انتهينا من مدارسته -إخوتي الكرام- فيما مضى، وقلت: سأتكلم على ما يتعلق بشد الحجر على بطن نبينا الشريف الطيب المطهر على نبينا وآله صلوات الله وسلامه، وهل في ذلك من فائدة؟ وقلت: إن بعض علمائنا الكرام طعن في هذه الرواية لوهم عنده في ذلك، فلنرد له وهمه ولنلتمس له العذر ولنسأل ربنا لنا وله المغفرة والرحمة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089275891

    عدد مرات الحفظ

    783322071