إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد الرحيم الطحان
  5. سلسلة مباحث النبوة
  6. مباحث النبوة - خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع السيدة خديجة [2]

مباحث النبوة - خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع السيدة خديجة [2]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أنعم الله عز وجل على خديجة بنت خويلد بأن جعلها أول المؤمنين بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وما ذاك إلا لسابق علمه عز وجل بحسن بلائها ودعمها وتأييدها له فيما يستقبل من أيامه لأداء مهمته الكبرى، ومقابل هذا البلاء وهذا الدعم منها رضوان الله عليها خصها الله ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    إخوتي الكرام! لا زلنا نتدارس المبحث الثالث من مباحث النبوة، وقد كان عنوان هذا المبحث: بيان الأمور التي يعرف بها صدق النبي والرسول، وقلت: إن الأمور كثيرة متعددة وفيرة، ويمكن أن نجملها في أربعة أمور:

    أولها: النظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه.. في خلقه وخلقه.

    وثاني الأمور: النظر إلى دعوة النبي عليه الصلاة والسلام والتأمل في رسالته التي بلغها.

    وثالثها: النظر إلى المعجزات وخوارق العادات التي أيده بها رب الأرض والسموات.

    ورابعها: تأمل حال أصحابه الكرام، فهم صورة لنبينا عليه الصلاة والسلام.

    وهذه الأمور الأربعة إخوتي الكرام كما قلت سيطول الكلام عليها كثيراً، ونسأل الله أن يتقبل منا، وأن يبارك لنا في أوقاتنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

    وقد شرعنا في مدارسة الأمر الأول منها ألا وهو النظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه.. في خلقه وخلقه، وتقدم معنا أن الله أعطى الكمال لرسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه في الأمرين: في الخلق والخلق، فهم حصلوا الجمال والجلال فيما يتعلق بخلقهم وخلقهم على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وقد تقدم معنا ما يتعلق بالشق الأول والشطر الأول من هذين الأمرين، ألا وهو: النظر إلى خلق النبي عليه الصلاة والسلام، واستعرضت الأدلة على هذا الأمر، وبينت دلالة ذلك على أن نبينا وأنبياء الله ورسله هم رسل الله حقاً وصدقاً، بما في أبدانهم من علامات خلقية تبين أنهم رسل رب البرية.

    ثم بعد ذلك بدأنا إخوتي الكرام في مدارسة الشق الثاني من هذين الأمرين ألا وهو: خلق نبينا عليه الصلاة والسلام، وبينت على سبيل الإجمال أنه ليس في وسع إنسان أن يحيط بأخلاق نبينا عليه الصلاة والسلام، فخلقه القرآن، فكما أنه لا يمكن لأي بشر كان أن يحيط بمعاني القرآن على وجه التمام، وهكذا لا يمكن لنا أن نحيط بأخلاق نبينا عليه الصلاة والسلام، كما كان يتصف بها، نعم بإمكاننا أن نقف على صورة موجزة مجملة حسب أحوالنا وإمكاناتنا، وقلت: هذه الصورة يمكن أن نجملها أيضاً ضمن سبعة أمور فيما يتعلق بخلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع الخلق، وأختمها بأمر ثامن فيما يتعلق بخلقه مع الحق جل وعلا.

    أما خلقه عليه الصلاة والسلام مع الخلق، قلت: خلقه عليه الصلاة والسلام مع أهله الكرام عليه وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، خلقه عليه الصلاة والسلام مع أصحابه الكرام والمؤمنين من أمته إلى يوم القيامة، خلقه عليه الصلاة والسلام مع الملائكة الكرام على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، خلقه عليه الصلاة والسلام مع الكافرين شياطين الإنس، خلقه عليه الصلاة والسلام مع الكافرين من شياطين الجن ومردتهم وعتاتهم، خلقه عليه الصلاة والسلام مع الحيوانات العجماوات، وسابعها: خلقه عليه الصلاة والسلام مع الجمادات الصامتات.

    وهذه الأمور السبعة قلت: إذا انتهينا من هذا فيما يتعلق بحسن الخلق مع الخلق، سنتدارس الأمر الثامن وهو الأمر الثاني بالنسبة للأمور السبعة خلقه عليه الصلاة والسلام مع الحق.

    بدأنا إخوتي الكرام في الأمر الأول في مدارسة خلقه عليه الصلاة والسلام مع أهله الكرام، وقلت: سيدور هذا على أربعة أمور:

    أولها: في بيان مسكن نبينا عليه الصلاة والسلام.

    وثانيها: في بيان أثاث ذلك المسكن.

    وثالثها: في بيان الطعام والقوت الذي يقدم في ذلك المسكن. وانتهينا من هذا على وجه التفصيل الموجز، ثم شرعنا في الموعظة الماضية والتي قبلها في غالب ظني في معاملة نبينا عليه الصلاة والسلام لأهل بيته الكرام، وقلت: هذا الأمر الرابع أيضاً سيقوم على أربعة أمور:

    أولها: في إثبات كون نبينا عليه الصلاة والسلام هو أحسن الخلق خلقاً ومعاملةً لأهله الكرام، على نبينا وعلى آل بيته صلوات الله وسلامه. ثم تقرير هذا بشهادة أعلم الخلق به ألا وهي أمنا خديجة الطاهرة المطهرة رضي الله عنها وأرضاها.

    والأمر الثالث: في كيفية معاملة نبينا عليه الصلاة والسلام لأهل بيته الكرام، وضمن ذلك مراحل متعددة كما ستأتينا، وقلت: أختمها ببيان لمحة موجزة عن أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام، والحكمة من تعددهن، واقتران نبينا عليه الصلاة والسلام بأكثر من أربع زوجات عليه صلوات الله وسلامه.

    إخوتي الكرام! تقدم معنا ما يتعلق بالأمر الأول من هذه الأمور الأربعة، وهو أن نبينا عليه الصلاة والسلام أحسن الخلق معاملةً للخلق قاطبةً، وعلى وجه الخصوص في أهله، (فأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخيرهم خيرهم لأهله)، ونبينا عليه الصلاة والسلام هو خير الخليقة على الإطلاق لأهله عليه صلوات الله وسلامه.

    وقررت بعد ذلك هذا بشهادة أمنا خديجة رضي الله عنها وأرضاها التي عرفت حاله قبل البعثة، وعرفت حاله قبل البعثة بعد أن صارت زوجةً له، وعرفت حاله بعد البعثة عندما كانت زوجةً له، على نبينا وعليها صلوات الله وسلامه، وذكرت من أحوالها أخباراً كثيرة أبرزها أمران:

    أولها: كلامها رضي الله عنها وأرضاها الذي يدل على رجاحة عقلها، وضبطها لأحوال نبينا عليه الصلاة والسلام عندما جاءه الوحي، وجاء فزعاً عليه صلوات الله وسلامه إليها وقال: (زملوني زملوني)، وبعد أن ذهب عنه الروع قال: (خشيت على نفسي)، فتقدم معنا الأثر ومن خرجه، وقلت: هو في أصح رتب الحديث، فالحديث في الصحيحين وغيرهما، فقالت: (كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق)، وشرحت هذه الجمل كما تقدم معنا.

    ثم استثبتت وتثبتت من نبوته عليه الصلاة والسلام بأمر آخر عندما أجلسته على فخذها الأيمن وفخذها الأيسر وفي حجرها، ثم أدخلته بعد ذلك بينها وبين قميصها، بحيث يلاصق بدنها الطيبة المباركة رضي الله عنها وأرضاها، فقالت له في الحالة الرابعة: (هل رأيت الذي جاءك؟ قال: لا، قالت: أبشر هذا ملك، ولو كان شيطاناً لما استحيا).

    وتقدم معنا أنها فعلت ذلك تستوثق من نبوة نبينا عليه الصلاة والسلام، وتتبين أن ما جاءه هو ملك وليس من الجن.

    سلام الشجر والحجر على النبي عند مروره بها

    وأما نبينا عليه الصلاة والسلام فهذا آخر ما وقفنا عنده، فقلت: كان على برهان تام لما حصل له من المبشرات والإرهاصات وخوارق العادات قبل مجيء الملك إليه، وبعد مجيء جبريل إليه، وقلت: إن من هذه الإرهاصات والمعجزات وخوارق العادات أنه كان إذا خرج من مكة إلى شعابها وجبالها ووديانها لا يستقبله حجر ولا شجر ولا جبل إلا ويقول: السلام عليك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك تثبيت له وتطمين، وتقدم معنا أن الأحاديث في ذلك صحيحة، وذكرت عدداً من الأحاديث في ذلك، وآخر شيء ذكرته الحديث الذي رواه البزار وأبو نعيم في دلائل النبوة عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما نبئت جعلت لا أمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله)، عليه الصلاة والسلام.

    وختمت الكلام برواية مسند أبي داود الطيالسي ، هذا آخر شيء تكلم عليه في الموعظة الماضية، وفيه يقول نبينا عليه الصلاة والسلام بعد أن ذكر أن جبريل جاءه في غار حراء قال: (ثم جئت إلى منزلي فما تلقاني حجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم لما دخل على أمنا خديجة أنطقها الله فقالت بما نطق به الحجر والشجر: السلام عليك يا رسول الله، فحصل له اليقين بأنه رسول رب العالمين)، على نبينا صلوات الله وسلامه.

    إخوتي الكرام! الأحاديث في ذلك كثيرة سأقررها بحديثين، وأما الكلام على هذه الأحاديث فسيأتينا الكلام على توجيهها والكلام عليها عند المبحث الثالث من الأمور التي يعرف بها صدق النبي والرسول على نبينا وأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وهو خوارق العادات، وأتكلم هناك أنه ينطق الجماد، وينطق الحيوان الأعجم، وينطق الإنسان، فالله إذا أراد أن ينطق الشيء أنطقه وهو على كل شيء قدير، ولكن كثيراً من الناس يركبون عقولهم، ويستعظمون ما لم يجر به إلفهم، فلسانهم ينطق لا يستغربون، فإذا نطقت اليد يتعجبون، لم؟ اللسان أيضاً قطعة لحم، وإذا شاء الله له ألا ينطق لا ينطق، وهكذا اليد إذا شاء الله لها أن تنطق تنطق، بالنسبة لقدرة الله الأمران مستويان، فإذا أذن الله لليد بالنطق نطقت، وإذا لم يأذن للسان بالنطق لم ينطق، ولذلك يوم القيامة يختم الله على أفواه الكفار وتتكلم أيديهم، وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون، كما سيأتينا تقرير هذا إن شاء الله كما قلت عند خوارق العادات، وأن من ينكر هذا أو يستبعده فلا عقل له، وشرائع الله لا تأتي بما تحيله العقول، نعم تأتي بما تحار فيه العقول، وهذه الحيرة على قسمين: حيرة مألوفة، فلا يعتبر بها الإنسان، فكون لسانه يتكلم، يا عبد الله أنت تنطق بلحم، وتبصر بشحم، وتسمع بعظم، وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21]، فلم إذا نطق لحم آخر أو جماد آخر من حجر أو شجر تستغرب؟ لم؟ هذا يحار فيه العقل، كون اللسان ينطق يحار فيه العقل، لكن هذه الحيرة كما قلت مألوفة، فالعقل ما يستبعدها، عندما ينطق الأصبع يستغرب، وإذا كان مكابراً يجحد وينكر، لم يا عبد الله؟ الأمران مستويان، وليس في اللسان خاصية النطق من ذاته، قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت:21]، سبحانه وتعالى، فإذاً هو الذي أنطق اللسان، إذا أراد أن ينطق بعد ذلك الرجل وسائر جوارح الإنسان وقفت، والله على كل شيء قدير سبحانه وتعالى، والقوانين التي وضعها الله جل وعلا في وفيك تتحكم فيّ وفيك وفي خلق الله، لكن لا تتحكم في الله، هو وضعها، وهو يبطلها، وهو على كل شيء قدير سبحانه وتعالى.

    سيأتينا إخوتي الكرام كما قلت البحث في هذا، وشرائع الله لا تأتي بما يحيله العقل، لكن تأتي بما يحار فيه العقل، ليسلم الإنسان بعجزه إلى ربه جل وعلا، ويصدق فيه قول الله: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، فإذا نطقت الجمادات قلنا: هذا أمر غريب عظيم عجيب، أما أنه مستحيل لا ليس بمستحيل، ولذلك إذا حصل هذا فلا بعد ولا استحالة، لكن كون العادة ما جرت به وما جرت به سنة الله هذا موضوع آخر، فإذا أراد الله أن يخرقهم فهو على كل شيء قدير سبحانه وتعالى.

    حديث علي بن أبي طالب وبرة العبدرية في استقبال الشجر والحجر لرسول الله وسلامهم عليه

    سأذكر كما قلت إخوتي الكرام حديثين في ذلك، ثم أكمل البحث بعون الله جل وعلا.

    ثبت في سنن الترمذي ومسند الدارمي ومستدرك الحاكم ، والحديث في الحاكم في الجزء الثاني صفحة عشرين وستمائة، وقد صحح الحديث الإمام الحاكم ، وأقره على التصحيح الإمام الذهبي ، والحديث في معجم الطبراني الأوسط أيضاً كما في مجمع الزوائد في الجزء الثامن صفحة ستين ومائتين، ورواه البيهقي في دلائل النبوة، وأبو نعيم في دلائل النبوة عن علي رضي الله عنهم أجمعين، قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فخرجنا معه في بعض نواحيها، فما استقبله شجر ولا جبل إلا قال: السلام عليك يا رسول الله)، عليه الصلاة والسلام، (فما استقبله شجر ولا جبل)، ويقصد بالجبل تلك الحجارة، والصحابة الكرام يسمعون ومنهم علي رضي الله عنه وأرضاه الذي ينقل هذا الخبر.

    وثبت في طبقات ابن سعد في الجزء الأول صفحة سبع وخمسين ومائة عن برة العبدرية رضي الله عنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الله كرامته وابتداءه بالنبوة كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى بيتاً، ويفضي إلى الشعاب وبطون الأودية، فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكان يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى أحداً)، إنما هذه الجمادات تسلم على خير البريات عليه صلوات الله وسلامه، وكما قلت هذا في أول الأمر عندما أراد الله أن يرسل إليه الملك كما تقدم معنا رؤيا صادقة في النوم مدة ستة أشهر، ثم هذه الإرهاصات الكثيرة؛ سلام من الحجر.. من الشجر.. من الجبل، أينما ذهب يشعر بهذه للإشارة إلى أنه عما قريب سيكرمك الله بأمر عظيم عجيب فتهيأ له.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089124992

    عدد مرات الحفظ

    782010859