إسلام ويب

البدعة - التشريع لله وحدهللشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن توحيد الله بالتشريع مما أمر به سبحانه وتعالى وشدد فيه؛ لأنه هو الخالق فلابد أن يكون هو الآمر والناهي وحده، وقد حكم الله على من لم يحكم بما أنزل بالكفر والفسق والظلم؛ وذلك لأهمية إفراده بالتشريع، ولذلك لا يجوز إعمال العقل في مخالفة النص الشرعي أياً كان ذكاؤه، بل عند تعارض العقل بالنقل الصحيح يجب أن يقدم النقل؛ لأنه معصوم، أما عقولنا فالخطأ والقصور لابد أن يعتريها.
    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

    الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير.

    اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3].

    وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد: معشر الإخوة الكرام! تقدم معنا أن المقرر عند أئمة الإسلام أن الابتداع يوجب سوء الخاتمة للإنسان، وكنا نتدارس المبحث الأول من مباحث البدعة الذي دار حول تعريفها وحول بيان ما يتوجب علينا نحو ذلك التعريف القويم المستقيم، ولا زلنا نتدارس هذا الأمر.

    تقدم معنا أن البدعة هي: الحدث في الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان، مع زعم التقرب بذلك إلى الرحمن، ولا تشهد لذلك الحدث نصوص الشرع الحسان.

    وهذا التعريف السديد المحكم الرشيد تقدم معنا أنه انحرف عنه فرقتان: فرقة أفرطت فوسعت دائرة البدعة، فوسعت في ذلك دائرة المحظور، وحكمت بالبدعية على ما هو مباح في شرع العزيز الغفور، وربما اشتطت فحكمت بالبدعة والضلال على ما هو مستحب في شريعة ذي العزة والجلال.

    والفرقة الثانية: فرطت وقصرت، فألغت البدعة كلها أو بعض صورها، وهي بذلك أباحت ما كرهه الرحمن واستحلت ما هو حرام، والفريقان يلحقهما الملام، فكل منهما أدخل عقله في ما لم يأذن فيه الرحمن، يقول الله جل وعلا في آخر سورة النحل: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل:116-117].

    قال الإمام ابن كثير عليه رحمات ربنا الجليل في تفسيره عند تفسير هذه الآية في الجزء الثاني صفحة تسعين وخمسمائة: ويدخل في هذا -أي في هذا الوصف فيقول على الله ما لا يعلم، ويدخل عقله في التحليل والتحريم- كل من ابتدع بدعة لم يشهد لها الشرع الحنيف، كما يدخل في هذا كل من حرم ما أحله الله وكل من أحل ما حرمه الله سبحانه وتعالى، فالآية شاملة لهذه الأصناف: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل:116-117].

    إخوتي الكرام! وتقدم معنا مناقشة الفرقة الأولى وبيان ضلالها وزيغها، واستعرضت كثيراً من الصور في ذلك مما حكموا عليه بالبدعية، وهو جائز أو مستحب في شريعة رب البرية.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089131276

    عدد مرات الحفظ

    782048326