إسلام ويب

أثر الاستجابة [1]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد كان الناس قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم في جاهلية وظلام، فهداهم الله تعالى إلى الإسلام، فتغيرت أحوالهم، وأصبحوا من عباد الله الصالحين، وأوليائه المتقين، فنصرهم الله تعالى وأعزهم، ورفع مكانتهم وأعلى منزلتهم في الدنيا والآخرة، وسر ذلك هو استجابتهم لربهم تبارك وتعالى ولرسولهم صلى الله عليه وسلم، وعملهم بكتاب الله وسنة رسوله على الوجه الذي أمروا به؛ اعتقاداً وعلماً وعملاً.
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    معشر الإخوة الكرام! إن الموضوع الذي سوف نتدارسه الآن يدور حول موضوع عظيم عظيم، ألا وهو أثر الاستجابة لربنا العظيم ولنبينا الكريم عليه صلوات الله وسلامه في حياة المسلمين، أثر الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في حياتنا، وهذا الموضوع سنتدارسه من جهات ثلاث:

    الأمر الأول: في مقدمة أبين فيها سبب مدارستنا لهذا الموضوع في هذا الوقت.

    والأمر الثاني: أتكلم فيه عن أحوال هذه الأمة قبل مجيء الإسلام.

    الأمر الثالث: أتكلم فيه عن أحوال هذه الأمة بعد نزول القرآن.

    إخوتي الكرام! أما الأمر الأول، وهو الذي دعاني لاختيار هذا الموضوع في هذه المحاضرة فهما سببان عظيمان:

    ضرورة طلب الإنسان الشفاء لقلبه كما يطلبه لبدنه

    السبب الأول: لا يخفى على عاقل في هذه الحياة أن الإنسان إذا أصيب بآفة في بدنه، وأصيب بمرض في جسمه، يسعى في طلب العلاج ويلجأ إلى الله جل وعلا في حصول الشفاء، والأمر واضح لا يختلف في هذا الأمر اثنان، مع أن الإنسان إذا أصيب بآفة في بدنه، وأصيب بمرض في جسمه، هذا المرض وتلك الآفة يطهرانه من ذنوبه إذا صبر، فإن أمده الله بالعافية غسله من ذنوبه وطهره، وإن توفاه بذلك المرض غفر له ورحمه، كما ثبت هذا عن نبينا صلى الله عليه وسلم، ففي مسند الإمام أحمد ومسند أبي يعلى بسند رجاله ثقات، عن أنس بن مالك رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا ابتلى الله عبده المسلم ببلاء في جسده، قال للملك: اكتب له ما كان يعمل )، ما كان يعمل في حال صحته اكتبه له خلال مرضه، الله هو الذي منعه من ذلك العمل.

    ( فإن شفاه الله غسله وطهره )، أي: غسله من ذنوبه ونقاه من عيوبه، ( وكان هذا المرض حطة لخطاياه ) يحط الله بهذا المرض الذنوب عن العبد والعيوب، ( وإن توفاه غفر له ورحمه ).

    هذا حال الإنسان عندما يصاب بمرض في جسمه، وبآفة في بدنه، يطلب الشفاء ويلجأ إلى الله جل وعلا في حصول ذلك، والإنسان إذا كان يطلب الشفاء لبدنه، فينبغي ويتحتم عليه ويلزم أن يطلب الشفاء لقلبه، وأن يطلب الشفاء لنفسه إذا حلت بها الآفات والأسقام والأمراض، فإذا أصيب بمرض الشبهات، وإذا أصيب بمرض الشهوات ينبغي أن يطلب العلاج، وعلاج هذان المرضان لا يكون إلا بما أنزله ربنا الرحمن: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [الإسراء:82].

    فلذلك لا يتطهر الإنسان من شبهة، ولا يبتعد عن شهوة خسيسة رذيلة إلا إذا زكى نفسه بشريعة الله الجليلة، فلأجل هذا بعث الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وامتن الله على المؤمنين بسبب ذلك: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164].

    إخوتي الكرام ! هذا الأمر كما قلت: لا ينبغي أن يختلف فيه اثنان، فكما أن الإنسان يطلب الشفاء والبرء لبدنه وجسمه، ينبغي أن يطلب العافية والشفاء والصحة لنفسه وقلبه.

    كثرة انتشار أمراض الشهوات والشبهات في أوساط المسلمين

    السبب الثاني الذي دعاني للكلام على هذا الموضوع: أن الإنسان لو ألقى نظرة إلى حياة الناس في هذا الوقت، لرأى ما يفطر القلوب، فهم يخوضون في الأدناس، وما سلم من هذا من يعتبرون من الخاصة، بل خاصة الخاصة عند نظر بعض الناس، يخوض الناس في الأدناس في أدناس الشهوات، وفي أدناس الشبهات، فمن ألقى نظرة في مجتمعات التعليم في بلاد المسلمين في هذا الجيل، يرى ما يندى له الجبين، ففيها الشهوات، وفيها يحارب رب الأرض والسموات عن طريق إثارة الشبهات، وما نجا من هذا إلا عدد، ونسأل الله اللطف وحسن الخاتمة.

    فانغمست الأمة بجميع طبقاتها، فإذا كان هذا حال خاصة الخاصة، انغمسوا في الشهوات والشبهات، فترى في الجامعات ما يندى له جبين المؤمنين والمؤمنات، إذا كان هذا حال المسلمين في هذا العصر الهابط المتأخر، إذا كان هذا حالنا فقد سقطنا من عين ربنا سبحانه وتعالى، وترتب على سقوطنا من عين الله خسارة الدنيا وخسارة الآخرة، أما خسارة الدنيا فما أظن أنه يخفى على أحد من الناس مؤمنهم وكافرهم، لا يخفى عليه حال المسلمين، فصرنا في المرتبة الأخيرة وفي الحضيض نتطفل على موائد الكافرين لنأكل من فضلاتهم، ونرفع إليهم قضايانا، ونرجو عطفهم ورحمتهم بنا وعلينا، وهذا مع شناعته وقبحه أمر يسير، فإذا تأخر المسلم في هذه الحياة أمام الكافرين، فالمصيبة مهما عظمت زائلة، لكن المصيبة التي ستتبعها هي خسارة الآخرة، وأنا سنأخذ مقعداً في جهنم يلي مقاعد الكفار، كما تأخرت مرتبتنا في هذه الدنيا عن مرتبتهم، فنحن نتبعهم وهم المتبوعون، وسيتبرءون منا عندما يلقون ويلقى من تبعهم في نار جهنم، إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166].

    لهذا الأمر الذي يتفطر له الأكباد، أردت إقامة هذه المحاضرة لأعاهد الله قبلكم، ولتعاهدوا الله ربكم ثانياً أنتم على تنفيذ وتطبيق ما تسمعونه فيها، فبذلك يحصل لنا السعادة في ديننا وفي دنيانا، وإذا رجعنا إلى ذلك فقد سلمت لنا الآخرة، وستعاد لنا الدنيا، وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089350311

    عدد مرات الحفظ

    783974619