إسلام ويب

حقيقة الإيمانللشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إذا آمن الإنسان في الحياة الدنيا بالله تعالى إلهاً واحداً لا شريك له، وأخلص له واتبع رسوله صلى الله عليه وسلم فقد نال راحة وهداية، وبعد موته سينال فوزاً وسعادة، فهو في هذه الدنيا نور على نور قد اطمأن قلبه وانشرح صدره وقرت عينه، فهو في لذة ليس بعدها لذة، ومن كان هذا حاله في الدنيا فهو بعد ذلك من السعداء في الآخرة بجنات النعيم ورضوان رب العالمين.
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

    الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدنا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة هو اللطيف الخبير، اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6] اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد.

    إخوتي الكرام! تدارسنا في الموعظة السابقة شروط قبول العمل عند ربنا الرحمن، وقلت: إن العمل لا يقبل ولا يثاب عليه إنسان إلا إذا وجد فيه ثلاثة شروط، إيمان من فاعله بربه جل وعلا، إيمان بالله جل وعلا، وإخلاص لله جل وعلا، واتباع للنبي عليه الصلاة والسلام، إيمان وإخلاص ومتابعة، إذا وجدت هذه الشروط الثلاثة في العمل فهو مقبول عند الله جل وعلا.

    وفي هذه الليلة المباركة سنتدارس أمراً يتعلق بما مضى ويرتبط به ارتباطاً وثيقاً ألا وهو ما هي الثمرة التي يجنيها الإنسان إذا حقق تلك الشروط في عمله في هذه الحياة؟

    آمن بالله، وأخلص له، واتبع النبي عليه الصلاة والسلام فما هي الثمرة التي يحصلها من ذلك؟ وماذا يستفيد من هذا؟

    وسنتدارس بعد هذا أمراً يرتبط أيضاً بهذين الأمرين ألا هو ما هي علامة حصول تلك الثمرة في الإنسان؟

    ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً

    إخوتي الكرام! إن الإنسان إذا آمن بالله في هذه الحياة، وأخلص لله، واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، سينال في هذه الحياة راحة وهداية، وسينال بعد موته فوزاً وسعادة، أما في هذه الحياة فهو على نور من ربه، ويكون في قلبه طمأنينة وفي نفسه بهجة، وفي صدره انشراح، ويحصل قرة العين في هذه الحياة، ولذة لا يعدلها لذة، وسيسعد بعد ذلك بنعيم الجنات ورضوان رب الأرض والسماوات بعد الممات.

    وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذه الثمرة التي يحصلها من آمن بالله، وأخلص له واتبع النبي عليه الصلاة والسلام، ففي مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من حديث العباس رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبحمد صلى الله عليه وسلم نبياً).

    إخوتي الكرام! رضي بالشيء إذا قنع به ولم يطلب سواه، وعليه من قنع بأن معبوده هو الله فلم يعبد غيراً معه، وقنع ورضي أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم إماماً له في هذه الحياة فلم يتبع غيره، وقنع ورضي بأن يكون الإسلام شريعة له في هذه الحياة فلا يحكم شريعة ولا نظاماً في حياته غير نظام الإسلام.

    حقيقة إذا وجدت هذه الأمور الثلاثة في الإنسان: عبد الله وحده لا شريك له فلم يعبد غيره، واتبع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجعل له إماماً غيره في هذه الحياة، واحتكم إلى شريعة الإسلام في جميع شئونه في حركاته وسكناته، حقيقة سيترتب على هذا ثمرة ولابد، ألا وهي أن يذوق طعم الإيمان، وهذا الطعم هي الحلاوة التي تخالط قلب الإنسان، والبشاشة التي تباشر نفسه، بحيث إذا وجدت تلك البشاشة والحلاوة في قلب الإنسان وفي نفسه ينقاد بعد ذلك طواعية لربه، ولا يمكن أن يرجع عن نور الله وعن هداه، وإنما رجع من رجع وارتد من ارتد لأنه لم يذق هذه الحلاوة: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً)، ومن كانت هذه حاله سيذوق للإيمان طعماً وحلاوة تتضاءل بجانبها جميع الملذات الحسية التي يلتذ بها بنو آدم.

    إخوتي الكرام! هذا الطعم للإيمان لا يذوقه إلا من وجدت فيه هذه الأمور، معبوده وربه هو الله وحده لا شريك له، أما إذا عبد مع الله شيئاً آخر، من درهم أو غيره، فتعس عبد الدرهم، وهو في شقاء ونكد وبلاء، ومن عبد زوجة فتعس عبد الزوجة، ومن عبد ثوباً وخميصة، فتعس عبد الخميصة.

    إذاً: لابد أن يفرد الله في العبادة، ثم يفرد النبي صلى الله عليه وسلم بالمتابعة، ويحتكم إلى الشريعة التي أنزلها الله على نبيه عليه الصلاة والسلام.

    وبعدها سيذوق للإيمان حلاوة ولابد، هذه الثمرة سيحصلها الإنسان عندما يلتزم في عمله بتلك الشروط الحسان الثلاثة: إيمان بالله، وإخلاص له، واتباع لنبيه عليه الصلاة والسلام.

    فضل قول المسلم: (رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً) في الصباح والمساء

    إخوتي الكرام! هذه الأمور الثلاثة التي إذا حققها الإنسان يذوق بها طعم الإيمان: إذا رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، هذه الأمور الثلاثة بهذه الجمل الثلاث أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقولها في الصباح وفي المساء، بل أمرنا أن نقولها في جميع أوقاتنا عند سماع الأذان في اليوم خمس مرات، ورتب نبينا صلى الله عليه وسلم على ذلك أجراً كثيراً لا ينبغي أن نغفل عنه ولا أن نضيعها، فقد ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي من رواية ثوبان مولى نبينا عليه الصلاة والسلام، وفي السنن الأخرى سمي الصحابي لرجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر اسمه، في المسند والسنن عن ثوبان وغيره من أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام، والحديث أيضاً في صحيح ابن حبان، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال حين يصبح وحين يمسي: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً كان حقاً على الله أن يرضيه)، وينال جائزة أكرم الله بها نبيه عليه الصلاة والسلام، وصديق هذه الأمة أبا بكر رضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام.

    أما نبينا عليه الصلاة والسلام فالله يقول له: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى:5]، وأما أبو بكر رضي الله عنه فيقول الله جل وعلا في سورة الليل في آخرها: مَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل:19-21].

    وأنت إذا قلت هذا الدعاء في الصباح وفي المساء يرضيك الله جل وعلا في هذه الحياة وبعد الممات، وتنال هذه الصفة.

    ولفظ الحديث في سنن الترمذي وفي كتب أخرى: (من قال حين يصبح وحين يمسي: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، كان حقاً على الله أن يرضيه)، وفي الرواية الأولى نعت بوصف النبوة: (وبحمد صلى الله عليه وسلم نبياً)، وفي الرواية الثانية بوصف الرسالة: (وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً).

    وقد ذهب الإمام النووي عليه رحمة الله في كتابه الأذكار إلى الجمع بين هذين النعتين والوصفين فيقول القائل: (رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً في الصباح وفي المساء، كان حقاً على الله أن يرضيه)، قال الإمام النووي: وإذا قال بإحدى الصيغتين أجزأته لأنه قد أتى بأصل الحديث. أي: هذا وارد وهذا وارد، فلو قال: (رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً)، نال تلك الفضيلة، ولو قال: (رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً) نال تلك الفضيلة، ولو جمع بينهما لكان أحسن، فهو النبي الذي أرسله الله إلى جميع العالمين عليه صلوات الله وسلامه، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين.

    استحباب قول المسلم: (رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً...) عند سماع الأذان

    إخوتي الكرام! وأمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقول هذه الجملة المباركة المؤلفة من هذه الجمل الثلاث عند سماع الأذان، وأخبرنا أن من قالها عند سماع الأذان يغفر الله له ذنبه، فثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح ومسلم ، والحديث في السنن أيضاً من رواية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً رسول الله عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وبالإسلام ديناً، غفر له ذنبه)، وهنا نعت النبي صلى الله عليه وسلم بوصف الرسالة، ولم يرد نعته في هذا الرواية بوصف النبوة، (رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وبالإسلام ديناً، غفر له ذنبه) وهذه الجملة تقال عندما ينطق المؤذن بالشهادتين، فإذا قال المؤذن: (أشهد أن لا إله إلا الله) وأتبعها بقوله: (أشهد أن محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام)، فقل: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وبالإسلام ديناً، يغفر لك ذنبك، والحديث -كما قلت- في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وغير ذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089174464

    عدد مرات الحفظ

    782444169