إسلام ويب

جود النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعهللشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الناظر في حجرات النبي صلى الله عليه وسلم وما فيها من أثاث وطعام ليستشف منها حياة التواضع التي كان يعيشها صلوات الله وسلامه عليه مع نسائه وأهل بيته، وهو الذي لو طلب إلى ربه أن يصير له الجبال ذهباً لكان له ذلك، إلا أنه اختار الباقية على الفانية، وعلى الرغم من حياة الشظف التي كان يعيشها عليه الصلاة والسلام إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يكون أجود الناس بما تحت يده، وقد ورث عنه أزواجه أمهات المؤمنين تلك الصفات، وضربن أروع الأمثلة في ذلك.
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الرحمين.

    اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين ،سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فقد كنا نتدارس الأمور التي يعرف بها وصف النبي والرسول على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه وهذه الأمور تقدم معنا أنها أربعة أمور:

    أولها: النظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام في نفسه: في خلقه وخلقه.

    والثاني: النظر إلى دعوة النبي عليه الصلاة والسلام ورسالته التي أتى بها.

    والثالث: النظر إلى الكرامات والمعجزات وخوارق العادات التي أيده الله بها.

    والرابع: النظر إلى حال أصحابه، فالتلاميذ صورة لشيخهم ومربيهم.

    هذه الأمور الأربعة من تأملها لا يرتاب في صدق الأنبياء والمرسلين على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه، ولا يرتاب -أيضاً- في كذب من يدعي النبوة ممن لم ينبئه الله ولم يرسله؛ لأنه لا تنطبق عليه هذه الأمور.

    إخوتي الكرام! كنا نتدارس الأمر الأول منها والعلامة الأولى ألا وهي: النظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام في نفسه، في خَلقه وخُلُقه، وقلت: إن الله أعطى أنبياءه ورسله على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه الكمال في الأمرين: في خلقهم، وفي أخلاقهم فقد جمعوا بين البهاء والجمال، واتصفوا بالكمال في الخلق والخلق على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.

    وقد تدارسنا ما يتعلق بالأمر الأول ألا وهو النظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام في نفسه خَلقاً، وانتقلنا بعد ذلك إلى المدارسة لما يتعلق به خُلقاً، وقلت: إذا أردنا أن نتكلم عن أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام التي توضح أنه حقاً رسول لربنا الرحمن، فينبغي أن نتكلم عن أخلاقه مع الحق جل وعلا، ومع الخلق، وخُلُقه مع الخلق عليه صلوات الله وسلامه كما تقدم معنا يتمثل في خلقه مع أهله ونسائه وأهل بيته عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، ومع أصحابه الطيبين الطاهرين وأمته إلى يوم الدين، ومع الملائكة الكرام المقربين على نبينا وعليهم جميعاً أفضل الصلاة وأتم التسليم، ومع أعدائه من شياطين الإنس ومن شياطين الجن، وكيف كان خلقه مع هذين الصنفين من أعدائه؟!

    ثم نتكلم عن خلقه مع الجمادات ومع الحيوانات عليه صلوات الله وسلامه، فمن تأمل خلقه مع الخلق من هؤلاء الأصناف السبعة، وتأمل قبل ذلك خلقه مع الحق جل وعلا، فلن يرتاب في أنه رسول الله حقاً وصدقاً.

    وبدأنا بأول هذه الأمور السبعة التي هي خلقه مع الخلق، وسنختم بخُلقه مع الحق الكلام على أخلاقه عليه الصلاة والسلام.

    أما خلقه مع الخلق فبدأنا بخلقه مع نسائه وآل بيته على نبينا وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه، وقلت: خلقه في بيته يتحدد ضمن الكلام على أربعة أمور لابد منها:

    الأول: الثلاثة الأول مقدمة للأمر الرابع منها: بيان داره وبيوته التي كان يسكنها، الأثاث الذي كان في تلك البيوت، الطعام الذي يتناول في تلك الحجر، ثم المعاملة المثالية بينه وبين نسائه في تلك الحجر التي ما عرف لها المتقدمون ولا المتأخرون نظيراً إلا في أنبياء الله ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، ومع ذلك فهو دون ما أثر عن نبينا عليه الصلاة والسلام.

    تكلمنا عما يتعلق بحجر النبي عليه الصلاة والسلام وصفتها، وكيف كانت تلك الحجر متواضعة، وهي حال من اتخذ هذه الحياة معبراً ولم يتخذها موطناً ومقراً عليه صلوات الله وسلامه، وباختصار كان الإنسان إذا دخل إلى حجر النبي عليه الصلاة والسلام، ورفع يديه ينال السقف، وإذا تمدد في حجره فمد رجليه إلى أي جهة من الجدار لامسه، ثم بعد ذلك هذه الحجر من جريد النخل وطلي الطين على نبينا صلوات الله وسلامه.

    وهذه الحالة التي كان عليها خير خلق الله عليه الصلاة والسلام هي من باب الاختيار لا من باب الاضطرار، فلو أراد أن تسير معه جبال الدنيا ذهباً ولؤلؤاً وزمرداً وفضة لسارت معه، لكنه يعلم أن ما عند الله خير وأبقى، وأن هذه الحياة مهما طالت فهي إلى فناء وزوال، وأنها لا تعدل عند الله جناح بعوضة، فاختار تلك الحالة الطيبة الكريمة؛ ليكون هذا برهاناً على صدقه في دعوى نبوته عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك فقد كان أغنى الخلق، وما عرفت البشرية ولا عرف العالم ولا عرف الوجود نفساً أغنى من نفس نبينا عليه الصلاة والسلام، وكان أجود الخلق عليه صلوات الله وسلامه، فما عرفت البشرية صاحب جود كنبينا المحمود عليه الصلاة والسلام.

    وتقدم معنا أنه كان يعطي غنماً يملأ ما بين جبلين، ويعطي عطاء من لا يخشى الفقر مع غناه في نفسه وجوده بيمينه، فكانت يمنيه أجود بالخير من الريح المرسلة، رضي بالفقر في معيشته، وآثر غيره بما يملكه عليه صلوات الله وسلامه، فمنذ أن بعثه الله حتى لقي ربه ما شبع يومين -كما سيأتينا- متتاليين من خبر. الشعير عليه صلوات الله وسلامه، وكان يجوع يوماً ويشبع يوماً عليه صلوات الله وسلامه، لا لقلة؛ فقد كان يملك عليه صلوات الله وسلامه، لكنه كان يوزع ويعطي ويؤثر على نفسه، ولا لبخل عليه صلوات الله وسلامه، فهو أجود من عرفته البشرية في هذه الحياة، ولا يمكن أن يأتي ولا -أيضاً- وجد قبله أجود منه عليه صلوات الله وسلامه.

    يقول الإمام ابن القيم عليه رحمة الله في كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد (ص22): وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسر ويفرح بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه، يعني: أنه عندما يعطي فرحته وسروره بالإعطاء أعظم من فرحة وسرور الآخذ بالأخذ، وكان أجود الناس بالخير، وكانت يمينه أجود من الريح المرسلة، وتقدم معنا في الموعظة الماضية شيء من جوده، وكيف أنه لو سألته ملابسه التي يلبسها لأعطاك إياها، وحقيقة هو أولى الناس بما قاله بعض الشعراء يمدح بعض الأجواد، لكنه قصر بمدحه غير نبينا عليه الصلاة والسلام بهذه الأبيات، هذه الأبيات لا ينبغي أن يمدح بها إلا خير العباد عليه صلوات الله وسلامه، ولا تنطبق إلا عليه، يقول الشاعر:

    تعود بسط الكف حتى لو أنه ثناها لقبضٍ لم تجبه أنامله

    ثناها أي: أراد أن يثني كفه.

    تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله

    ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائلهْ

    هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله

    إخوتي الكرام! ذكرت شيئاً من جود نبينا عليه الصلاة والسلام في شهر الجود والكرم في شهر رمضان الذي نعيش فيه، وهذا الخلق الذي كان في نبينا عليه الصلاة والسلام أحب أن أبين أنه سرى في أهل بيته وفي نسائه، ويحق لهن أن يتصفن بذلك، كيف لا وهن أزواج خير خلق الله على نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه، ولذلك سأقرر الآن وجود هذه الصفة في نسائه، وأبين بعد ذلك ما عرض الله عليه زيادة على ما تقدم، ثم ننتقل إلى بيان أثاث نبينا عليه الصلاة والسلام في حجره وفي بيته.

    أما جود نسائه فلن أتكلم على جودهن كلهن، إنما سآخذ واحدة منهن، وبقية الحوادث تأتي عند ترجمة أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام -كما وعدت بذلك- إذا انتهينا من هذه الأمور الأربعة.

    وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام وسيأتينا هذا عند ترجمة نسائه: أن أول نسائه لحاقاً به أطولهن يداً، يعني: أكثرهن جوداً، وهي زينب كما سيأتينا رضي الله عنهن أجمعين، فاستمع الآن لجود واحدة دون زينب رضي الله عنهن أجمعين وعلى نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه.

    جود أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

    أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، ثبت في طبقات ابن سعد ، والأثر إسناده صحيح، وانظروه في الجزء الثامن صفحة: (67)، وهو في حلية الأولياء في الجزء الثاني صفحة: (47)، عن أم ذرة -وهي من الصحابيات المباركات، انظروا ترجمتها في الإصابة وفي أسد الغابة- قالت: بعث عبد الله بن الزبير ، وهو ابن أخت أمنا عائشة رضي الله عنها، فهو ابن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين، بمال في غرارتين، يعني: في وعائين .. محفظتين .. صندوقين، قد يكون مائة ألف درهم، أرسله من مكة إلى أمنا عائشة رضي الله عنها وهي في المدينة، فدعت بطبق، فجعلت تقسم وتوزع، فلما حان المغرب وأمست قالت للجارية: عليَّ بفطوري، فجاءتها بخبز وزيت، فقالت: يا أم المؤمنين ! أما كنت تركتِ لنا درهماً نشتري به لحماً نفطر عليه؟ قالت: رحمك الله! لا تعنفيني لو ذكرتيني لفعلت، سبحان ربي العظيم! مائة ألف تقسمها عندما تصل إليها ولا تترك لنفسها منها درهماً، وهي صائمة، وكانت تصوم الدهر بعد موت نبينا عليه صلوات الله وسلامه وتواصل، كما سيأتينا في ترجمتها، فلما قالت لها الجارية: هلا تركتِ درهماً نشتري به لحماً نفطر عليه؟ قالت: رحمك الله! لا تعنفيني لو ذكرتيني لفعلت، لو قلتِ لي: نترك درهماً نشتري به لحماً نفطر عليه لفعلت.

    وهذا الجود أخذته من نبينا المحمود عليه صلوات الله وسلامه، فقد كان يعطي غنماً يملأ ما بين جبلين، ثم يخرج من الدنيا وما شبع من خبز الشعير، وينام كما سيأتينا على الحصير -الذي هو أثاث بيته- حتى يؤثر في جنبه عليه صلوات الله وسلامه، وهذا حال نسائه الطاهرات المباركات، مائة ألف تقسمها ولا تترك لنفسها درهماً، وإياك أن تظن أن هذه حادثة فردية، فقد جرى مثل هذا لأمنا عائشة مئات الحوادث وما فيها من خيرات تنفقها ذات اليمين وذات الشمال، وهي لا تملأ بطنها من خبز الشعير لا في حياة نبينا الجليل ولا بعد موته على نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه.

    استمع إلى حادثة أخرى رواها أيضاً أبو نعيم في الحلية، وابن سعد في الطبقات، عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال: رأيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تتصدق بسبعين ألف درهم جاءتها، وكان يرسل إليها من قبل الصحابة ومن قبل أغنياء المسلمين إكراماً لنبينا الأمين، وهي أم المؤمنين بنص القرآن: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، لكنها كانت لا تأخذ لنفسها مما يرسل إليها درهماً واحداً، وقد كانت ترقع جانب درعها وفي رواية: جيب درعها الذي تلبسه، وهي توزع سبعين ألف درهم تتصدق بها، وبعد أن تنتهي من الصدقة تقوم وترقع جانب درعها رضي الله عنها وأرضاها.

    وتكررت هذه الحوادث، ففي الحلية أيضاً ومستدرك الحاكم بسند صحيح، وانظروا الأثر في مستدرك الحاكم في الجزء الرابع صفحة: (13)، عن عروة بن الزبير أيضاً، قال: أرسل معاوية من الشام رضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام مائة ألف درهم إلى أمنا عائشة رضي الله عنها، فقسمتها ولم تترك منها درهماً، فلما حان وقت فطورها أيضاً دعت بفطورها، فقالت لها مولاتها التي أعتقتها بريرة رضي الله عنها: هلا تركتِ لنا درهماً نشتري به لحماً نفطر عليه -وهذه غير التي بعث بها عبد الله بن الزبير - فقالت: رحمك الله لو ذكرتيني لفعلت، المائة الألف انتهينا منها وما بقي منها درهم واحد، فلنفطر على خبز وزيت.

    وروى أبو نعيم في الحلية عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر وأمنا عائشة عمته رضي الله عنهم أجمعين، قال: أهدي إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها سلال من عنب، والسلة معروفة وهي: وعاء من عيدان تنسج فلما أرسلت إليها تلك السلال المملوءة قسمتها، فرفعت الجارية سلة دون علم أمنا عائشة رضي الله عنها، يعني: تقول الجارية التي تعمل عند أمنا عائشة : سلال العنب توزع ونحن لا نأكل منها، وأمنا عائشة صائمة؟ فلما حان وقت الفطور أحضرت الجارية سلة العنب، وأمنا عائشة لا تعلم بها، فقالت: من أين هذا؟ قالت: أبقيته لأجل أن تفطري عليه، فقالت: أمنا عائشة أفلا كان عنقوداً واحداً؟ والله لا آكل منه شيئاً، تبقين سلة كاملة، نحن بيت النبوة ندخر سلة عنب؟! ما يأتينا نرسله للناس، إذاً ما الفائدة من إرسال الناس إليكم؟ قالت: هلا عنقوداً واحداً، يعني: هلا أبقيت عنقوداً واحداً، فالسلال نرسلها للمسلمين.

    جود أمهات المؤمنين هو بعض جود النبي الكريم

    هذا الخلق أخذته أمنا عائشة ، وهكذا صواحباتها أمهاتنا على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه ممن كان يؤثر الخلق على نفسه، فيجود ويرضى بعد ذلك بخبز الشعير، والنوم على الحصير على نبينا صلوات الله وسلامه، فتأمل هذا الخلق، وتأمل هذه المعاملة، تأمل هذا الإيثار في نبينا المختار عليه صلوات الله وسلامه لتتحقق أنه أغنى الناس نفساً، وأنه أكرم الناس يداً، ومع ذلك كان يرضى بالفقر في معيشته في بيته مع نسائه عليه صلوات الله وسلامه، وسيأتينا أن نساءه لما سألنَ زيادة النفقة، أخذن بعد تلك الموعظة درساً، لما سألنَ زيادة نفقة، ما سألن حلياً إلى الكتفين أو إلى المرفقين، فالواحدة تريد أن تأكل فقط كما أن الناس يأكلون، وهذا بيت خير الأسياد بيت نبينا سيد الناس عليه الصلاة والسلام، فلما طلبن هذا هجرهن شهراً كاملاً كما سيأتينا، ونزلت آية التخيير، وهي التي تخلع القلوب، وكان أئمتنا يقولون: هذه أشد آيات القرآن تخويفاً: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:28]، أعطيكن من الدنيا، ولا ألزمكن بالبقاء معي، سبحان الله ماذا يردن من الدنيا؟ تردن الحياة الدنيا وزينتها؟ لا، هي تريد أن تملأ بطنها تمراً فقط، يشبعن يوماً ويجعن يوماً، ومع ذلك تنزل هذه الآية التي تخلع القلب: إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:28-29].

    والحديث سيأتينا في الصحيحين، ثم بعد هجرهن شهراً كاملاً ما دخل بيت واحدة منهن، يبدأ بأصغرهن بأمنا عائشة فيقول: سأعرض عليك أمراً لا تستعجلي حتى تستشيري أبويك، ويقرأ الآية عليها، وتقول: أفيك أستشير؟ بل أختار الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، آكل خبز الشعير واختار النوم على الحصير، ومع هذه اللذة التي نحصلها في الحياة تكون لنا السعادة بعد الممات، هذا يغنينا عما عداه، فأمنا عائشة ، وهكذا سائر أمهاتنا بعد تلك الحادثة أخذن درساً، فحين يأتيها مائة أو سبعون ألفاً أو سلال عنب فتنفقها، فهي تتذكر الآية التي نزلت وتخلع القلب: تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا [الأحزاب:28]؟ أنتن أزواج خير العباد عليه الصلاة والسلام، والركون إلى الدنيا لا يليق ولا ينبغي أن يكون في بيت النبوة على نبينا صلوات الله وسلامه، هذا حال أمهاتنا أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام، وقد أخذن هذا الخلق الكريم الطاهر من نبينا عليه صلوات الله وسلامه، فقد مات ولم يملأ بطنه من خبز الشعير فضلاً عن غيره عليه صلوات الله وسلامه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089351146

    عدد مرات الحفظ

    783990668