إسلام ويب

شرح منظومة القواعد الفقهية للسعدي [2]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن العلم نور وسعادة ونجاة في الدنيا والآخرة، يقي صاحبه مصارع السوء، ويجنبه الشبهات والشهوات، كما يرفعه ربه به درجات، وإن منه العلم بقواعد الدين أصولاً وفروعاً، والتمييز بينها في أبوابها وبين ضوابط الفقهاء، فالقواعد شاملة لكثير من الجزئيات في كثير من الأبو
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في منظومته:

    [الحمد لله العلي الأرفق وجامع الأشياء والمفرق

    بالنعم الواسعة الغزيرة والحكم الباهرة الكثيرة

    ثم الصلاة مع سلام دائم على الرسول القرشي الخاتم

    وآله وصحبه الأبرار الحائزي مراتب الفخار

    اعلم هديت أن أفضل المنن علم يزيل الشك عنك والدرن

    ويكشف الحق لذي القلوب ويوصل العبد إلى المطلوب].

    تقدم لنا قول المؤلف رحمه الله: (الحمد لله العلي الأرفق وجامع الأشياء والمفرق).

    وقوله: (وجامع الأشياء والمفرق) هذا يسميه العلماء رحمهم الله ببراعة الاستهلال، وذلك أن يذكر الخطيب في مقدمة خطبته، أو المؤلف في مقدمة خطبته شيئاً يشير به إلى ما سيتحدث أو يكتب عنه، فقوله: (وجامع الأشياء والمفرق) هذا فيه إشارة إلى أنه سينظم في القواعد؛ لأن القاعدة تجمع صوراً كثيرة.

    قال: (بالنعم الواسعة الغزيرة).

    يعني: صاحب النعم، والنعم جمع نعمة وهي: رزق الله وعطاؤه، ونعم الله عز وجل متعددة سواء كانت نعماً دينية أم نعماً دنيوية، وسواء كانت نعماً حسية أم نعماً معنوية، (الواسعة) بمعنى: الشاملة، فنعم الله عز وجل المادية شملت حتى الكفار، وحتى الحيوان الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50] .

    وأما القسم الثاني: وهي النعم المعنوية فهي خاصة بالمؤمنين.

    قال: (الغزيرة) أي: الكثيرة.

    قال: (والحكم الباهرة الكثيرة).

    الحكم: جمع حكمة، وهي: وضع الشيء في موضعه اللائق به، والله سبحانه وتعالى من أسمائه الحكيم، ومن صفاته الحكمة، ولا شك أن الله سبحانه وتعالى في أحكامه الكونية القدرية وفي أحكامه الشرعية الدينية نجد أنها كلها مبنية على الحكمة، وعلى المصالح.

    قال رحمه الله: (ثم الصلاة مع سلام دائم على الرسول القرشي الخاتم).

    الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبق لنا تفسيرها، وكذلك أيضاً السلام، سبق أن فسرنا مثل هذه الأشياء في بدء شرح الزاد، فلا حاجة إلى الإعادة، وذكرنا الفرق بين الرسول والنبي.

    والقرشي: هو المنسوب إلى قريش، واسمه فهر بن مالك ، وقيل: النضر بن كنانة .

    (الخاتم) أي: الذي لا نبي بعده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا نبي بعدي ).

    قال المؤلف: (وآله وصحبه الأبرار).

    آل النبي صلى الله عليه وسلم سبق لنا شرح هذا اللفظ، والصحب أيضاً سبق لنا شرحه.

    والأبرار: جمع بر، وهو: صاحب الخير الكثير.

    قال رحمه الله: (الحائزي مراتب الفخار).

    المراتب: جمع مرتبة، وهي المنزلة، والفخار يعني: المراتب التي يفخر بها، وهي مرتبة الصحبة، وهذه من المراتب التي يفتخر بها، ولا شك أن الصحابة أنعم الله عز وجل عليهم بمرتبة الصحبة التي لا تعادلها أي مرتبة بعد مرتبة الرسالة والنبوة.

    ومن المراتب التي يفتخر بها الصحابة رضي الله تعالى عنهم: مرتبة العلم، ومرتبة الدعوة، ومرتبة حمل السنة، ومرتبة الجهاد، ومرتبة العبادة.. إلى آخره، فهذه كلها مراتب يفتخر بها الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

    قال رحمه الله: (اعلم هديت).

    العلم: إدراك الشيء على ما هو عليه، وقوله: (هديت) هذا تلطف من المؤلف رحمه الله، وهو من حسن التربية والرعاية والتعليم؛ أن يتلطف الأستاذ بالتلميذ، فهو يدعو لك بالهداية، وقوله: (اعلم) أيضاً هذا اللفظ يقصد به التنبيه.

    (أن أفضل المنن) المنن: جمع منة، وهي: ما يمن الله عز وجل به على عبده.

    (علم يزيل الشك عنك والدرن) المقصود بالعلم هنا: العلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    (يزيل الشك عنك والدرن).

    يعني: أن العلم يقيك من أمراض الشبهات ومنها الشك، (والدرن): الوسخ، وهو أمراض الشهوات، فالعلم يحفظك من أمراض الشبهات وأمراض الشهوات، ولا شك في ذلك، أما أمراض الشبهات فالعلم نور، إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29] ، يعني: يفرق العالم بين الحق والباطل، بين البدعة والسنة، بين الشرك والتوحيد، يحفظه الله عز وجل من أمراض الشبهات، وإذا ألقى عليه أهل البدع شيئاً من الشبهات يعصمه علمه بإذن الله، ومن الدرن أيضاً سائر الشهوات كما قال الله تعالى: ( إنما يخشى الله من عباده العلماء )، فأهل العلم عندهم من التقى والورع ما يتقون به الذنوب والشهوات والمعاصي.

    فالفائدة الأولى من فوائد العلم -كما سلف- أنه أفضل النعم، وهذا لا شك فيه، يقول ابن المبارك رحمه الله: لا أعلم مرتبةً بعد مرتبة النبوة أفضل من تعلم العلم وتعليمه. ولا شك أن العلم في هذه المرتبة التي ذكرها ابن المبارك .

    وذكر ابن قدامة رحمه الله في مقدمة كتابه الكبير المغني، ذكر أن الأمم قبل نبينا صلى الله عليه وسلم كانت تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي بعده، أما هذه الأمة فما فيها إلا نبي واحد وقد ذهب، لكن الذي يسوس هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم هم العلماء، فالعلماء في هذه الأمة بمنزلة الأنبياء في الأمم السابقة.

    إذاً: فوائد العلم: الفائدة الأولى: أنه أفضل المنن.

    الفائدة الثانية: أنه يحفظك من أمراض الشهوات: من البدع، من الشرك.. إلى آخره.

    الفائدة الثالثة: أنه يحفظك من أمراض الشهوات، من الذنوب والمعاصي.. إلى آخره، فكلما كان الإنسان بالله أعرف كان منه أخوف.

    الفائدة الرابعة قال رحمه الله: (ويكشف الحق لذي القلوب).

    المقصود بالحق هنا: مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو يكشف الحق يعني: يبين مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، (لذي القلوب) أي: لأصحاب القلوب.

    (ويوصل العبد إلى المطلوب).

    وهذه الفائدة الخامسة: أنه يوصله إلى المطلوب، ومطلوب العبد هو رضا الله، والوصول إلى جنته وثوابه.. إلى آخره.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088548304

    عدد مرات الحفظ

    777263632