(تستعمل القرعة عند المبهم من الحقوق أو لدى التزاحم).
القرعة في اللغة: السهمة. وأما في الاصطلاح فهي: طريق يتوصل به لاستخراج المشتبه من بين أمثاله.
والقرعة طريق من طرق القضاء والفصل بين الخصومات، وتنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: جائزة. والقسم الثاني: ممنوعة.
القسم الأول: الجائزة، هذه سيترتب عليها مقصود شرعي، وله أمثلة ذكر بعضها المؤلف رحمه الله تعالى فقال:
(تستعمل القرعة عند المبهم من الحقوق أو لدى التزاحم).
الموضع الأول مما تستعمل فيه القرعة: عند التزاحم في الولايات الدينية، مثال ذلك: إمامة هذا المسجد تزاحم فيه اثنان أو ثلاثة كل منهم تتوفر فيه الصفات الشرعية: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة.. ) إلى آخره.
أو تزاحما في الأذان كل منهما توفرت فيه الصفات الشرعية، أو تزاحما في الخطابة، أو تزاحما في الإفتاء، أو التدريس.. إلى آخره.
الموضع الثاني: عند التزاحم في الولايات الدنيوية، كأن تزاحم رجلان في وظيفة، وكل منهم توفرت فيه الشروط فنقول: نجري القرعة.
القسم الثالث: عند التزاحم في المرافق والمختصات، فمثلاً: تزاحما في هذا المكان للبيع فيه، ولا يمكن أن يبيعا فيه جميعاً، فهما تزاحما على الجلوس للبيع فيه، أو للنزهة -مثلاً- أو للصيد، أو لإيقاف السيارة، فنقول: نصير إلى القرعة.
الموضع الرابع: في الحقوق، إذا اشتبه الحق بأمثاله فنصير إلى القرعة، مثال ذلك: طلق زوجةً من زوجاته وأنسيها، أو أعتق رقيقاً من أرقائه ونسيه، أو وقف بيتاً من بيوته ونسيها، فإننا نصير إلى القرعة، كذلك إن زفت إليه زوجتان فيبدأ بالقسم لمن صارت إليها القرعة.
الموضع الخامس: في القسمة، إذا قسم المال بين الشركاء، وعدل بالأجزاء والسهام، فإن تراضوا على أن يأخذ كل واحد منهم هذا الجزء فالحمد لله، وإذا لم يتراضوا نصير إلى القرعة، فمثلاً: هذا زيد وعمرو يملكان هذه الأرض نعدلها، كم تملك أنت؟ يملك الثلث، وهذا كم تملك؟ يملك الثلثين، تكون السهام من ستة، صاحب الثلث له سهمان، وصاحب الثلثين له أربعة أسهم، هنا الآن نجري القرعة، إن رضي صاحب الثلث أن يأخذ هذا الجزء، الأول أو الثاني ورضي الآخر فالحمد لله، وإذا لم يتراضوا فلا بد أن نعدلها بالأجزاء والسهام، السدس الأول كم يكون مساحته، والسدس الثاني كم يكون؛ لأن هذا يختلف باختلاف القيمة، فنحتاج إلى أن نعدله بالأجزاء والسهام على حسب القيم، ثم بعد ذلك نجري القرعة.
هذا هو القسم الأول: إذا ترتب على القرعة مقصود شرعي من فض النزاع والخلاف والشقاق ونحو ذلك.
القسم الثاني: أن يترتب عليها محظور شرعي، فنقول: لا تصح القرعة، وهنا موضعان:
الموضع الأول: عند التزاحم في الولايات، ويتبين لنا من الناس أن فلاناً هو أحق بهذه الولاية، فالمصلحة الآن ظهرت، وما دام أن المصلحة ظهرت فنقول: لا حاجة إلى القرعة، يعني مثلاً: تزاحم رجلان وهذا هو الأقرأ، أو الأعلم بالسنة وهم يتساوون في القراءة لكن هذا هو الأعلم بالسنة، فنقول: لا حاجة إلى القرعة؛ لأن المصلحة الآن قد ظهرت.
الموضع الثاني: أن يترتب على القرعة ميسر، وهذا له صور، مثلاً: في القسمة لم نعدل المال المقسوم بالأجزاء والسهام حسب القيم، وإنما قلنا: هذا جزء وهذا جزء، هذه مجموعة من السلع، وهذه مجموعة من السلع، قد تكون هذه أكثر، وقد تكون هذه أقل، ثم نجري القرعة، فهذا لا يصح؛ لأن كل واحد منهم يدخل وهو إما غانم أو غارم، كل واحد مخاطر ما يدري كم، لا بد أن نعدل، فمثلاً إذا كان هذا بر أو كتب فنجعل هنا النصف وهنا النصف، ثم نجري القرعة، وأما كوننا نجعل هنا مجموعة من السلع بلا تقدير، وهناك مجموعة من السلع ثم نجري القرعة، فيكون هنا كل واحد منهم دخل بالميسر، وهذا لا يصح، إذ لا بد أن نعدل ثم نجري القرعة.
وأيضاً من صور القرعة: ما يوجد الآن في المسابقات العلمية، بحيث إن المتسابق يدفع عوضاً إما بالاشتراك أو نحو ذلك، ثم يفوز مجموعة من الناس، والواجب أن توزع الهدية على الجميع، فكونهم يجرون القرعة هذا داخل في الميسر؛ لأنه بذل مال مع احتمال أنه يخرج نصيبه في القرعة أو أنه لا يخرج، مع أنه فاز، صحيح أن الذي لم يجب لا حق له، لكن لو أجاب خمسة أو عشرة يجب أن تكون الهدية لهم جميعاً، فكوننا نقرع يجعلهم يدخلون وهم مخاطرون، وابن رجب رحمه الله في كتابه القواعد ذكر كل مسائل القرعة، بدأ من أول الفقه إلى آخره، وذكر كل المسائل التي ذكرها العلماء رحمهم الله في شأن القرعة.