هذا الحديث اشتمل على فوائد كثيرة، لكن مما يعنينا فيما يتعلق بالتوحيد أن طلب الرقية مما ينافي التوكل، يعني: كون الإنسان يطلب من غيره أن يرقيه هذا مما ينافي التوكل، وفرق بين طلب الرقية وبين أن يرقيك شخص بلا طلب، فإذا رقاك شخص بلا طلب فإن هذا جائز ولا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سيد المتوكلين، ومع ذلك رقاه جبريل ورقته
عائشة رضي الله تعالى عنها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه، ويجمع يديه وينفث بالمعوذات وسورة الإخلاص، ويمسح ما استطاع من بدنه.
فنقول: ما يتعلق بطلب الرقية، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يسترقون ). هذا اختلف فيه العلماء رحمهم الله كثيراً، لكن أحسن شيء ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن قوله: ( لا يسترقون ). معنى: أنهم لا يطلبون الرقية من غيرهم، وأن طلب الرقية منافٍ للكمال، لكن لو رقاك شخص بلا طلب فإن هذا جائز ولا بأس به.
وكذلك قال أيضاً: ( ولا يكتوون ) المعالجة بالكي، وهذا أيضاً مكروه، وهو مما ينافي التوكل.
أيضاً مما ينافي التوكل التشاؤم، وسيأتينا إن شاء الله ما يتعلق بالتشاؤم، وأن الإنسان إذا رأى ما يكره أو سمع ما يكره فإنه لا يخلو من أقسام:
القسم الأول: إذا سمع ما يكره، خرج لعمل من الأعمال، لسفر، ورأى صاحب عاهة، أو رأى حادثاً، أو سمع كلمةً غير طيبة، فتشاءم ورجع، هذا شرك أصغر، وإن اعتقد أنه ينفع ويضر من دون الله عز وجل فهو شرك أكبر، هذا القسم الأول.
القسم الثاني: أن يمضي وفي قلبه شيء من القلق، هذا ليس شركاً، لكن فيه نقص في التوحيد، والكمال أن لا يكون هناك شيء من القلق.
القسم الثالث: أن يمضي وليس في قلبه شيء من القلق، فقلبه مستريح، لم يلتفت إلى شيء من هذه الأشياء، فهذا هو التوحيد، وهذا هو الكمال؛ لأن كون الإنسان يعلق قلبه بمثل هذه الأشياء علق قلبه بأمر لا حقيقة له.
وقوله: ( يتوكلون ) هذا سيأتينا إن شاء الله فيه باب مستقل، وسنذكر فيه أقسام التوكل.
الشرك الأكبر والشرك الأصغر سيأتينا إن شاء الله.