سد الإسلام جميع منافذ الشرك وحرم الأسباب المؤدية إليه، ومن ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الغلو والتنطع، وأخبر بهلاك أصحابه، وحذر من عبادة الله عند قبور الأنبياء والصالحين، بل اشتد نكيره في ذلك، حتى لعن من فعل ذلك قبل وفاته.
قال: (باب ما جاء من التغليظ) يعني: التشديد.
(فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده).
مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: أن فيه ذكر سبب من أسباب الوقوع في الشرك وهو: عبادة الله عز وجل عند قبر رجل صالح؛ لأن كونه يعبد الله عز وجل عند قبر رجل صالح قد يفضي به ذلك إلى الوقوع في الشرك وصرف شيء من أنواع العبادة لهذا الرجل الصالح.
وقوله رحمه الله: (فيمن عبد الله)
عبادة الله عند القبور تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الصلاة، فالصلاة عند القبور محرمة ولا تجوز، ويدل لذلك حديث أبي مرثد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تصلوا إلى القبور ).
وأيضاً ما ذكره المؤلف رحمه الله من حديث عائشة وأم سلمة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ). والصلاة باطلة لا تصح، فالصلاة عند القبر محرمة ولا تجوز وباطلة ولا تصح للنهي، وهي من أسباب الوقوع في الشرك.
القسم الثاني: الاعتكاف -يعني: إطالة المكث والاعتكاف عند القبر ونحو ذلك- أيضاً حكمه حكم الصلاة، نقول بأن هذا محرم ولا يجوز، وهو من أسباب الوقوع في الشرك.
القسم الثالث: الصدقة وقراءة القرآن والذكر ونحو ذلك؛ فهذا فيه تفصيل:
إن تحرى فعل العبادة في هذا المكان -يعني: قصد فعل العبادة في هذا المكان- واعتقد فضل هذه العبادة فنقول بأن هذا حكمه أنه لا يجوز، وهو بدعة.
والقسم الثاني: أن لا يتحرى فعل العبادة في هذا المكان، وإنما جاء تبعاً أو لكونه طارئاً طرأ عليه أن يقرأ القرآن أو أن يتصدق على شخص فقير وجده عند القبر أو ذكر الله أو سبح ونحو ذلك أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر... إلى آخره، فنقول بأن هذا ليس بدعة، هو كسائر المشروعات.
قال: (عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده).
ومناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد هو كما تقدم في الباب السابق أن المؤلف ذكر سبباً من أسباب الشرك، وهنا أيضاً ذكر سبباً آخر من أسباب الشرك.
في الصحيح عن
عائشة : (
أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة ) الكنيسة: هي متعبد النصارى أو معبد النصارى، وكان هذا الذكر للنبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته عند موته.
( رأتها بأرض الحبشة ) لما هاجرت.
( وما فيها من الصور، فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح ) (أو): هذه شك من الراوي، و(أولئك) بالكسر والفتح -أولئكَ وأولئكِ- بالكسر خطاب للمرأة.
( الرجل الصالح أو العبد الصالح، بنوا على قبره مسجداً ) يعني: موضعاً للعبادة.
( وصوروا فيه تلك الصور ) يعني: التي ذكرتها أم سلمة رضي الله تعالى عنها.
( أولئك شرار الخلق عند الله ) يعني: أن هؤلاء شرار الخلق عند الله عز وجل؛ لكونهم أشركوا بالله عز وجل، كونهم بنوا هذا المسجد للعبادة هذا وقوع في الشرك.
(فهؤلاء جمعوا بين فتنتين: فتنة القبور وفتنة التماثيل) قوله: (فهؤلاء) هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
(جمعوا بين فتنتين) يعني: بين أمرين منهيين محذورين: (فتنة القبور) بأن اتخذوها مساجد، فبنوا عليها مواضع للعبادة.
(وفتنة التماثيل) كونهم صوروا تلك الصور التي تؤدي إلى الشرك.
تقدم لنا في قوم نوح أن وداً وسواعاً ويغوث ويعوق أسماء رجال صالحين، وأنهم عندما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن ينصبوا أنصاباً وأن يسموها بأسمائهم وأن يصوروها على أشكالهم لكي يتذكروا عبادتهم، فلما طال الزمن أوحى الشيطان إلى من بعدهم بأن من سلفهم كانوا يعبدونها فعبدوها، فهؤلاء جمعوا بين هذين المحذورين: فتنة القبور: الغلو فيها بحيث بنوا عليها هذه المساجد ووضع العبادة، وفتنة التماثيل: أنهم صوروا هذه التماثيل.
مناسبة هذا الحديث لما ترجم به المؤلف رحمه الله على المنع من عبادة الله عند القبور بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( بنوا على قبره مسجداً ) فيه المنع من عبادة الله عند القبور؛ لأن ذلك مما يؤدي إلى الشرك، مما يكون وسيلة إلى الشرك وهو من فعل النصارى.