المحبة عبادة من أجل العبادات، وأفضل القربات، وقد ذم الله عز وجل من يقدم حب المال والأهل والأولاد على حب الله ورسوله، وجعل المحبوبين المعبودين أنداداً، إلا أن المحبة تنقسم إلى أقسام؛ فحب الله تعالى أعلاها، ثم الحب في الله عز وجل، والمحبة الطبيعية التي تكون
قال رحمه الله: [عن
أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (
لا يؤمن أحدكم )] النفي الوارد على المسميات الشرعية -كما هو هنا- وارد على الإيمان. (
لا صلاة لمن لا وضوء له )، (
لا أمانة لمن لا إيمان له )، إلى آخره، فما المراد بهذا النفي؟ هل هو نفي للكمال أو نفي للوجوب؟ الصحيح: أنه نفي للوجوب، وليس نفياً للكمال، فهو نفي للكمال الواجب، وليس نفياً للكمال المستحب هذا الصواب.
فهنا قوله: ( لا يؤمن أحدكم ) هذا نفي للكمال الواجب من الإيمان.
[( حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين )] يعني: لا يؤمن الإيمان الكامل، فهذا نفي للكمال الواجب من الإيمان، حتى يقدم محبة النبي صلى الله عليه وسلم على ولده ووالده والناس أجمعين.
قال رحمه الله: (وعن
ابن عباس رضي الله عنهما قال: (من أحب في الله) يحتمل أن تكون ظرفية، يعني: أحب في ذات الله، وفي دينه وشرعه، ويحتمل أنها سببية.
(من أحب في الله) يعني: أحب المؤمنين من أجل إيمانهم.
(وأبغض في الله) (في) كما تقدم، والبغض: هو الكره والشناءة، يعني: أبغض الكفار من أجل كفرهم، والعاصين من أجل معصيتهم.
(ووالى في الله) الموالاة: هي النصرة والمودة والحبة، والى المؤمنين: نصرهم وأحبهم في الله عز وجل.
(وعادى في الله) يعني: أظهر العداوة والشناءة والبغض والكراهية للكفار لكفرهم.
قال: (فإنما تنال ولاية الله بذلك) يعني: تولي الله عز وجل للعبد بالنصرة والمودة والرحمة، إنما ينال ذلك بسبب ذلك، فإذا أحببت في الله، وأبغضت في الله، وواليت في الله، وعاديت في الله، فأنت تنال ولاية الله، يعني: نصرته ومحبته وتقريبه لك، تنال هذه الأشياء لحبك وبغضك في الله عز وجل.
قال: (وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا) يعني: محبة الناس وتآلفهم صار لأجل الدنيا ليس لله عز وجل؛ ولهذا تجد أنه يحب الفاسق ويبغض المؤمن، وقد يحب الكافر ويبغض المؤمن، يحب الفاسق ويبغض التقي.
(على أمر الدنيا) يعني: لأجل الدنيا ومن أجل المال.
قال: (وذلك لا يجدي على أهله شيئاً) لا ينفعهم، بل هذا يضرهم.
(وقال ابن عباس في قوله تعالى:
وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ
[البقرة:166]. يعني: المودة).
الشاهد من هذا الحديث: قوله: (من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله).. إلى آخره، في هذا وجوب الحب لله عز وجل، كما هو قسم من أقسام المحبة، يعني: يجب على المسلم أن يحب ما يحبه الله عز وجل من الأشخاص والأعمال والأزمنة والأمكنة وغير ذلك مما يحبه الله عز وجل.
نقول: المحبة تنقسم إلى أقسام:
القسم الأول: محبة الله عز وجل، وهذه من أجل العبادات، وأفضل القربات، يعني: كون المسلم يحب الله عز وجل هذا من أجل العبادات وأفضل القربات، وهذه المحبة واجبة، لكن لا يكتفى بها، يعني: لا يكتفي المسلم بأن يحب الله عز وجل.
القسم الثاني: أن يحب ما يحبه الله، من الأشخاص كالأنبياء والمؤمنين، والأعمال كالصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. إلى آخره، والأقوال كالأذكار، والأزمنة الفاضلة كرمضان وغير ذلك، والأمكنة، كالأمكنة الفاضلة كمكة والمدينة.. إلى آخره. أن يحب ما يحبه الله من الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال.. إلى آخره، هذه المحبة واجبة.
القسم الثالث: المحبة الطبيعية، كمحبة الزوجة والأولاد والمال، فكون المسلم يحب مثل هذه الأشياء لا يلام على ذلك، فالله عز وجل قال:
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ
[آل عمران:14]... إلى آخره، فلا يلام على ذلك.
القسم الرابع: المحبة التي تكون شركاً أصغر، وهي تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الغلو في المحبة الشرعية، إذا غالى في المحبة الشرعية فإن هذا ينقله إلى كونه شركاً أصغر، مثال ذلك: محبة النبي صلى الله عليه وسلم، هذه محبة شرعية، ومحبة واجبة، لكن كون المسلم يغلو فيها هذا ينقلها من كونها محبة شرعية إلى كونها محبة شركية، ويدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تطروني ). والإطراء: هو المبالغة في المديح، قال: ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله ). فدل ذلك على أن هذا الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم وكثرة إطرائه -المبالغة في مديحه- ينقله من مرتبة العبودية إلى فوق هذه المرتبة؛ ولهذا قال: ( إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله ).
وبهذا نعرف ما يقع فيه أهل الخرافة من الصوفيين الذين يقيمون الموالد ويغلون في مديح النبي صلى الله عليه وسلم، فإن هذا ينقل هذه المحبة الشرعية الواجبة إلى أن تكون محبة شركية.
القسم الثاني من قسمي المحبة الشركية: الغلو في المحبة الطبيعية، إذا غالى في المحبة الطبيعية، غالى في محبة الزوجة، غالى في محبة المال، غالى في محبة الأولاد، يقدم مرادهم على مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم أصبحت هذه شركية، فإنه إذا غالى في المال أصبح يحب من أجل المال، ويبغض من أجل المال، ويوالي من أجل المال، ويعادي من أجل المال.. إلى آخره، فهذه المحبة الطبيعية تنتقل إلى كونها شركاً؛ ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة ). فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبداً لها، مما يدل على أنه انتقلت من كونها محبة طبيعية إلى محبة شركية.
والله أعلم، وصلى الله وسلم.