إسلام ويب

شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [8]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الفروق الضعيفة التي ينبغي أن تكون تحت حكم واحد تفريق بعض الفقهاء في الحنث بالجهل والنسيان بين الطلاق والعتاق وبين اليمين بالله، بينما من الفروق اللطيفة التي ينبغي للفقيه العناية بها التفريق بين ألفاظ الطلاق الصريحة والمحتملة.
    قال المؤلف رحمه الله: [ومن الفروق الصحيحة الثابتة بالنص: الفرق بين لغو اليمين وهي اليمين التي لم يقصدها الحالف، بل جرت على لسانه من غير قصد، أو الحلف على أمر يعتقده كما قال، ثم يتبين بخلافه فلا كفارة في ذلك ولا إثم، وبين اليمين المنعقدة على أمر مستقبل مقصود، ففيه الكفارة إذا حنث بفعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله].

    المؤلف رحمه الله هنا ذكر التفريق بين اليمين التي تجب فيها الكفارة، واليمين التي لا تجب فيها الكفارة؛ وعلى هذا فالأيمان تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: لغو اليمين.

    والقسم الثاني: اليمين المكفَّرة التي تدخلها الكفارة.

    والقسم الثالث: يمين الغموس.

    فالقسم الأول: لغو اليمين، ويدخل تحته صور:

    الصورة الأولى من لغو اليمين: ما يجري على لسان الشخص بلا قصد، كما ورد عن عائشة رضي الله تعالى عنها: هو قول الرجل في كلامه: لا والله وبلا والله، فهذا لا كفارة فيه.

    ولهذا قال المؤلف: هي اليمين التي لم يقصدها الحالف، بل جرت على لسانه من غير قصد.

    الصورة الثانية: قال: أو الحلف على أمر يعتقده كما قال، ثم يتبين بخلافه، هذا أيضاً من لغو اليمين؛ أن يحلف على أمرٍ بناءً على ظنه ثم يتبين بخلافه، مثل لو قال: والله ليقدمن زيدٌ غداً، بناء على ظنه أنه يقدم ثم لم يقدم زيد، ومثل لو قال: والله إن زيداً قد حضر الدرس، بناء على ظنه أنه قد حضر، ثم يتبين له أنه لم يحضر، وهذا أيضاً من لغو اليمين، أو قال: والله ليقدمن زيد الآن بناء على ظنه أنه سيقدم، ثم بعد ذلك لا يقدم، فهذا من لغو اليمين.

    أيضاً الصورة الثالثة أيضاً أضافها شيخ الإسلام وهي داخلة في لغو اليمين: إذا حلف على شخص يريد إكرامه لا إلزامه، فلم يمتثل فإنه لا يحنث، واستدل بأن النبي عليه الصلاة والسلام أشار لـأبي بكر أن اجلس في مكانك، فلم يمتثل أبو بكر لما خرج النبي عليه الصلاة والسلام في مرض الموت ووجد في نفسه خفة، فأراد أبو بكر أن يتأخر عن المكان، فأشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام أن يبقى في مكانه، فلم يمتثل أبو بكر؛ لأن أبا بكر رضي الله تعالى عنه عرف من النبي عليه الصلاة والسلام أنه يريد إكرامه وتعظيمه، ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم إلزامه، فلم يمتثل ولم يحنث، فهذه الصور داخلة في لغو اليمين.

    أما بالنسبة لليمين المنعقدة فقال: وبين اليمين المنعقدة على أمر مستقبل مخصوص ففيه الكفارة إذا حلف.

    هذه المكفرة على القسم الثاني، وهي التي تدخلها الكفارة، وهي التي يحلفها على أمر مستقبل مقصود، فهذا فيه الكفارة إذا حنث، يعني: إذا فعل ما حلف على تركه أو ترك ما حلف على فعله.

    فلو قال: والله لأسافرن إلى مكة اليوم ثم لم يسافر حنث، أو ترك ما حلف على فعله، كما لو قال: والله لا أسافر اليوم ثم سافر، فهنا فعل ما حلف على تركه، فهذه يمين مكفَّرة يدخلها الكفارة، وهي التي يحلفها على أمر مستقبل ثم يحنث، فيفعل ما حلف على تركه، أو يترك ما حلف على فعله.

    القسم الثالث: اليمين الغموس، وهي التي يحلفها على أمر ما كاذباً عالماً ومن ذلك أيضاً: ما يحلفه على المال المعصوم يريد أن يقتطعه، مثل لو قال: والله إنني لم أذهب بالأمس، وقد ذهب، فحلف على أمر ماضٍ كاذباً عالماً، أو أن يحلف على مال معصوم يريد أن يقتطعه، مثل: والله إن هذا الشيء لي، وهو ليس له.. إلى آخره.

    فهذه أقسام اليمين، وهنا ذكر المؤلف رحمه الله الفرق بين لغو اليمين الذي لا كفارة فيه، وبين اليمين المنعقدة، وهذه فيها الكفارة، وأما اليمين الغموس فالصواب أنه لا كفارة فيها؛ خلافاً لما ذهب إليه الشافعي رحمه الله.

    قال رحمه الله: (كما فرق النص أيضاً بين الأمر بالحنث تارة إذا كان الحنث خيراً بفعل واجب أو مستحب أو ترك منهي عنه، وبين النهي عن الحنث إذا كان الأمر بالعكس، والتخيير فيما سواهما وحفظها أولى).

    بالنسبة لليمين المكفَّرة هل الأولى للإنسان أن يحنث أو الأولى له أن يحفظ يمينه؟

    نقول: هذا يختلف، فإذا كان حنثه خيراً بفعل واجب أو مستحب أو ترك منهي عنه، فهنا إذا كان واجباً يؤمر بالحنث ويجب، وإذا كان مستحباً يستحب.

    وإذا كان الحنث محرماً فيحرم، وإذا كان مكروهاً فيُكره.. إلى آخره، وإن كان متساوي الطرفين فالتخير فيما سواهما وحفظها أولى.

    ومثال الحنث إذا كان واجباً: إذا قال: والله لا أصلي مع الجماعة، هنا عليه أن يحنث؛ لأن الجماعة واجبة.

    ومثال إذا كان الحنث مستحباً: إذا حلف على ترك مستحب مثل لو قال: والله لا أصلي السنة الراتبة، أو لا أصلي صلاة الضحى. فهنا الحنث مستحب، فيستحب أن يحنث وأن يصلي الضحى.

    ويكون الحنث محرماً إذا حلف على فعل محرم نحو قوله: والله لأشربن الخمر، فيحرم عليه أن يحنث.

    ويكون مكروهاً إذا حلف على شيء مكروه مثل: والله لآكلن ثوماً، فيُكره له.

    وأما إذا كان مباحاً فهو مخيّر بين الحنث وعدمه، والحفظ أولى، مثل لو قال: والله لأسافرن اليوم، فهنا مباح إن شاء سافر وإن شاء ترك السفر، ونقول: حفظها أولى.

    قال رحمه الله: (وحفظها أولى وهي داخلة في قوله تعالى: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة:224]، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراًمنها فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير).

    لكن نستدل على الحفظ بقول الله عز وجل: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89] ومن حفظها عدم الحنث فيها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088537373

    عدد مرات الحفظ

    777194890