إسلام ويب

شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [16]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • قسم الفقهاء المعاملات من حيث لزوم القبض إلى أقسام، فالربويات مثلاً يجب فيها التقابض، كما قسم أهل العلم الورثة إلى: عصبات، وذوي سهم، وذوي رحم، ولكل حكمه، وكذلك قسموا المهر والعدد والنفقات وكلها تقاسيم صحيحة لاختلاف الأحكام بين تلك الأقسام.
    قال رحمه الله تعالى: [وقسّموا الأشياء إلى قسمين: قسمٌ لا يتم إلا بالقبض كبيع الربويات بعضها ببعض، اتفق الجنس أو اختلف، إذا اتفقا في علة الربا التي هي الكيل أو الوزن، فلا بد من قبض العوضين في المجلس].

    يقول المؤلف رحمه الله: تقسيم الأشياء بالنسبة للقبض إلى قسمين:

    القسم الأول: شيءٌ لا بد من قبضه، كبيع الربويات بعضها ببعض التي اتفقت في علة ربا الفضل، والتي هي الكيل أو الوزن، وهذا هو المشهور من المذهب فالمشهور من المذهب: أن علة ربا الفضل هي الكيل أو الوزن، وقد تقدم الكلام عليه في باب الربا.

    والرأي الثاني: أن العلة هي الثمنية أو مطلق الثمنية في الذهب والفضة، وأما في الأصناف الأربعة الباقية فهي: الطعم مع الكيل، أو الطعم مع الوزن كما هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

    والمسألة موضع خلاف كما سبق لنا، فإذا اتحد العوضان في علة ربا الفضل، فإنه عند مبادلة أحدهما بالآخر يُشترط شرطٌ واحد وهو الحلول والتقابض.

    وأما مع اختلاف الجنس كذهب بفضة فيُشترط التقابض، وبرٌ بشعير، وأما التفاضل فلا بأس به.. إلخ.

    قال رحمه الله: [وكذلك السلم لا بد من قبض رأس مال السلم قبل التفرق من مجلس العقد].

    وهذا هو قول جمهور أهل العلم: أن من شروط صحة السلم: قبض رأس المال في المجلس قبل التفرق، وذكرنا أيضاً رأي الإمام مالك رحمه الله فيما سبق، وأنهم يقسّمون رأس مال السلم إلى قسمين:

    القسم الأول: النقود، وهذه يجوز التأخير فيها لثلاثة أيام.

    القسم الثاني: أن يكون من غير النقود كالعروض، فهذه لا يُشترط فيها القبض.

    لزوم الرهن بالقبض أم بالعقد

    قال رحمه الله: [وكذلك الرهن لا يلزم عند الأصحاب إلا بالقبض، وفيه قول قويٌ بلزومه مطلقاً وهو الصحيح].

    الرهن هل يكون لازماً بمجرد العقد، أو لا يكون لازماً إلا بالقبض؟ هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله.

    فالمشهور من المذهب: أنه لا يكون لازماً إلا بالقبض.

    وعلى هذا فالراهن له أن يبطل الرهن ما دام أن المرتهن لم يقبض الرهن، ومثال ذلك: لو اقترضت من زيد ألف ريال، وقلت: هذه الثياب رهن، فإذا قبض العين المرهونة يكون الرهن لازماً، أما إذا لم يقبض العين المرهونة عند الراهن فلا يلزم مثال آخر: لو أقرضته ألف ريال وقال: سيارتي هذه رهن، والسيارة مع الراهن ولم يقبضها المرتهن، فقالوا: ما دام أن المرتهن لم يقبض العين المرهونة وهي مع الراهن، فإن عقد الرهن صحيح لكنه ليس لازماً، فلو أن الراهن تصرف في هذه السيارة وباعها، بطل الرهن، أو وقّفها بطل الرهن ونحو ذلك من التصرفات.

    لا بد لكي يكون الرهن لازماً أن يقبضها المرتهن الذي له الحق، وهو الذي أخذ هذه العين وثيقة، أو عقد على هذه العين لكي تكون وثيقة بالحق، فلا بد من قبض العين من قِبل المرتهن، فإن لم يقبضها وكانت عند الراهن فإن العقد لا يكون لازماً، هذا هو المشهور من المذهب.

    والرأي الثاني: رأي الإمام مالك رحمه الله: أن الرهن يكون لازماً بمجرد العقد، وأن الراهن لا يجوز له أن يتصرف حتى وإن كانت العين تحت يده، وهذا القول هو الصواب؛ لقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، ومن الإيفاء بالعقد: أن الإنسان لا يبطل العقد، ولا يتصرف في هذه العين المرهونة، وأيضاً قول الله عز وجل: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء:34]، فالصواب: أنه لازم، ولذلك قال المؤلف رحمه الله: [وفيه قولٌ قوي بلزومه مطلقاً] يعني: سواءٌ قبضت العين من قِبل المرتهن أو لم تُقبض.

    لزوم القبض في الهبة

    قال رحمه الله: [والهبة التي لا تتم إلا بالقبض].

    هذه مسألة أيضاً: الهبة هل يُشترط للزومها القبض أو ليس بشرط؟ فلو قال: زيد لعمرو: وهبتك الكتاب، قال: قبلت، فزيد -الواهب- بدى له أن يرجع، هل له أن يرجع أو ليس له أن يرجع؟ المذهب له أن يرجع، ما دام أن الموهوب له لم يقبض هذا الكتاب أو لم يقبض السلعة، يقولون: الهبة لا تتم إلا بالقبض، مثل الرهن لا تكون لازمة إلا بالقبض.

    والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه ) فقال: يقيء يعني: أخرج القيء، ثم عاد فيه، فذمه الشارع على ذلك، يعني: إذا أخرجها ورجع يصير مثل الكلب الذي قاء ورجع في قيئه، لكن ما دام أنه لم يخرجها لم يشبه الكلب.

    وأيضاً استدلوا بأثر أبي بكر أنه وهب عائشة رضي الله عنها جذاذ نخل، ثم قال لها: لو أنك حزتيه -يعني: قبضتيه- لكان لك.. إلى آخره.

    والصواب في ذلك: أن الهبة تتم بمجرد العقد، وهذا قول الظاهرية، والأول قول أكثر أهل العلم، والصحيح: أنها بمجرد العقد تكون لازمة؛ لقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وأيضاً قول الله عز وجل: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء:34]، وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( العائد في هبته كالكلب )، وهذا يسمى عائداً في هبته، فالصواب أنها تكون لازمة بمجرد العقد، حتى وإن لم يكن قبض.

    مواطن أخرى لابد فيها من القبض

    قال رحمه الله: [وتقدم أنه لا يصح التصرف فيما يحتاج إلى حق توفيته إلا بالقبض].

    هذا تقدم الكلام عليه.

    قال رحمه الله: [ولا ينتقل الضمان من البائع إلى المشتري إلا بالقبض].

    متى يكون المبيع مضموناً على البائع؟ ومتى يكون مضموناً على المشتري إذا قُبض، وإذا لم يقبض؟ هذا تقدم الكلام عليه.

    قال رحمه الله: [وكذلك قالوا: لا يتم للأب التملك من مال ولده إلا بالقبض، مع القول أو النية، وفيه خلافٌ قوي تقدم].

    يعني: الأب له أن يتملك من مال ولده على المشهور من المذهب خلافاً للمشهور، بدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( أنت ومالك لأبيك ).

    لكن هل له أن يتصرف في مال ولده قبل أن يقبضه ويتملك فيه، أو لا بد أن يتملك أولاً ثم يتصرف؟

    المذهب: أنه لا يملك أن يتصرف في مال ولده، يعني: لا يملك أن يبيع سيارته، ولا بيته، ولا كتابه.. حتى يتملك أولاً ثم يتصرف فيه.

    والتملك لا يتم إلا بالقبض مع القول أو بالقبض مع النية.

    والرأي الثاني: أن له أن يتصرف وإن لم يحصل منه تملك، يعني: لو باع سيارة ولده قبل أن يتملكها صح. وينوب مناب التملك.. وهكذا.

    قال رحمه الله: [ومن قبض اللقطة لم يبرأ من ضمانها إلا بتعريفها، أو بدفعها إلى الإمام، أو ردها إلى مكانها بإذن الإمام، وما عدا ذلك من الأشياء فإن القبض فيها ليس بشرط، والله أعلم].

    اللقطة: مال أو مختص ضل عن ربه، إذا أخذه الإنسان من مكانه يقول المؤلف رحمه الله: لا يبرأ أن ترده إلى مكانه، ما دام أنك أخذته فقد أصبح الآن أمانة في يدك.

    يقول: [لم يبرأ من ضمانه إلا بتعريفها] إذا كانت هذه اللقطة مما يجب تعريفها.

    وتقدم لنا أقسام اللقطة قريباً، ما هو الذي يعرّف وما هو الذي لا يعرف؟

    [أو بدفعها إلى الإمام]، يعني: القاضي أو من ينوب منابه إذا كان هناك جهة مسئولة تأخذ اللقطات.

    [أو ردها إلى مكانها بإذن الإمام] القاضي، يعني: ما تبرأ إلا أن يقوم بالتعريف، أو يدفعها إلى الإمام، أو يردها إلى مكانها بإذن الإمام.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089196724

    عدد مرات الحفظ

    782690102