قال المؤلف رحمه الله تعالى: عن
الحسن بن أبي الحسن البصري قال: حدثنا
جندب في هذا المسجد وما نسينا منه حديثاً، وما نخشى أن يكون
جندب كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع ).
يعني: أن هذا الرجل أصابه الجزع، والجزع التسخط وعدم الصبر.
( فأخذ سكيناً فحز بها يده، فما رقأ منه الدم حتى مات ).
(حز يده) يعني: قطعها، فمارقأ الدم، يعني: ما انقطع الدم حتى مات.
قال الله عز وجل: ( عبدي! بادرني بنفسه فحرمت عليه الجنة ).
في هذا الحديث: أنه يحرم على المسلم أن يقتل نفسه، وأن هذا من كبائر الذنوب؛ لأن الشارع رتب عليه عقوبة خاصة، وهي أن الجنة محرمة عليه، (حرمت عليه الجنة) يعني: منعته من الجنة، وهذه لا شك أنها عقوبة شديدة لا تكون إلا على ذنب كبير.
وفي هذا أيضاً: تحريم التسخط والجزع، وكما تقدم لنا في باب الجنائز مراتب المسلم عند المصيبة: الصبر، والتسخط، والرضا، والشكر.
ومذهب أهل السنة والجماعة في مرتكب كبائر الذنوب أنه فاسق بكبيرته مؤمن بإيمانه، فلا يحكم له بالخروج من الإسلام كما هو مذهب الخوارج والمعتزلة (مذهب الوعيدية)، وهذا الحديث مما يتمسك به الخوارج والمعتزلة، لكنهم ينظرون إلى النصوص بعين الأعور، أما أهل السنة والجماعة فهم ينظرون إلى النصوص بعينين سليمتين، المرجئة في جانب، والخوارج في جانب آخر، المرجئة يأخذون بأحاديث الرجاء، ويقولون: يكفي في الإيمان معرفة القلب فقط، والخوارج الوعيدية يقولون: صاحب الكبيرة خالد مخلد في النار، ويخرجونه من الإسلام، والمعتزلة يقولون: هو في منزلة بين المنزلتين، ويتفقون على أنه في الآخرة خالد مخلد في النار.
لكن إذا أخذنا بمثل هذا الحديث وحديث الرجاء وجمعنا بينهما نقول كما هو مذهب أهل السنة والجماعة: هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وأنه لا يخرج من الإسلام لهذا العمل، بل يغسل ويصلى عليه ويكفن ويقبر في مقابر المسلمين، ويدعى له بالرحمة.. إلى آخره.
وكيف الجواب عن قوله: (حرمت عليه الجنة)؟ نقول: دخول الجنة ينقسم إلى قسمين: مطلق ومقيد.
مطلق: أن يدخل الجنة ابتداءً دون أن يكون هناك عذاب.
ومقيد: أن يمنع من دخول الجنة ابتداءً.
فالمقصود هنا أنه يمنع من دخول الجنة ابتداءً، ثم بعد ذلك يكون مصيره إلى الجنة؛ لأنه مات على التوحيد.