يحرم الاطلاع على أحوال الناس والنظر إليهم والاستماع إلى كلامهم ومن فعل ذلك فقد سقطت حرمته، ولصاحب البيت أن يفقأ عينه وليس عليه إثم ولا قصاص، وحد السرقة ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، والسارق هو من يأخذ المال من حرزه على وجه الاختفاء، ونصاب القطع ربع دينار
قال رحمه الله: [عن
أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (
لو أن رجلاً -أو قال: امرأً- اطلع عليك بغير إذنك, فحذفته -أي رميته- بحصاة, ففقأت عينه ما كان عليك جناح) ].
الشرح: قوله صلى الله عليه وسلم: (ما كان عليك جناح) يعني: ليس عليك إثم.
يؤخذ من هذا الحديث: أن من اطلع على بيت أناس بغير إذنهم فإن عقوبته أن يحذف بحصاة، حتى لو أدى ذلك إلى فقع عينه، وهذا من باب عقوبة المعتدي وليس من باب دفع الصائل، لأنه الآن معتد، فعقوبته أن يحذف بهذه الحصاة.
وفي هذا أيضاً: أنه يحرم مثل هذا التلصص على عورات الناس، والنظر من وراء الشقوق والسقوف، وكذلك أيضاً التلصص لاستماع الكلام، كل ذلك محرم ولا يجوز.
وفيه أيضاً: أن من فعل ذلك فإن حرمته وعصمته تسقط؛ لأن الشارع جوز لك أن تحذفه بهذه الحصاة.
وفيه أيضاً دليل لقاعدة، وهي: أن ما ترتب على المأذون فهو غير مضمون، فالشارع أذن لك أن تحذفه بحصاة ولو أدى ذلك إلى أن تفقأ عينه، فما ترتب على المأذون فهو غير مضمون، فلا يضمن صاحب البيت لا دية ولا قصاصاً.
قال: [ عن
عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: (
أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم).
المجن: هو الترس ].
الشرح:
في هذا الحديث دليل على القطع بالسرقة، وقد دل عليها قول الله عز وجل:
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
[المائدة:38].
وقوله: (قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم)، فيه دليل لما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله أن نصاب القطع في السرقة ثلاثة دراهم من الفضة.
والرأي الثاني: رأي الشافعية أن نصاب القطع في السرقة ربع دينار، قول الشافعي رحمه الله المعتبر عنده الذهب، ومالك المعتبر عنده الفضة.
والرأي الثالث: رأي أبي حنيفة رحمه الله: أن نصاب القطع في السرقة عشرة دراهم.
والرأي الرابع: رأي الإمام أحمد رحمه الله: أن نصاب القطع في السرقة إما ثلاثة دراهم، أو ربع دينار، أو عرضاً يساوي أحدهما، يعني: لو سرق عروضاً مثل أقمشة.. ألبسة يساوي ربع دينار قطعناه، يساوي ثلاثة دراهم قطعناه، سرق ربع دينار قطعناه، سرق ثلاثة دراهم قطعناه، لكن عند الشافعية أنه ربع دينار، أو عرضاً يساوي ربع دينار، من الألبسة والأقمشة ما يساوي ربع دينار، وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ودليلهم على ذلك: حديث عائشة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعداً)، وربع الدينار يساوي مثقالاً، والمثقال يساوي بالغرامات أربعة وربع، فربع الدينار يساوي غراماً؛ لأن الدينار أربعة وربع، وغرام واحد ربع الربع، وربع الربع يساوي واحد على ستة عشر، والغرام الواحد اليوم يساوي مائة ريال، وربع الربع إذا قلنا الربع يساوي عشرين، وربع الخمسة يساوي مائة وخمسة وعشرين.
هذا إذا سرق مائة وخمسة ريالات، أو عرضاً يساوي ذلك، فإنه يقام عليه الحد والله أعلم.