ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن
أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (
أنفجنا أرنباً بمر الظهران)، (أنفجنا)، يعني: أثرنا لإمساك هذه الأرنب بمر الظهران، ومر الظهران هو ما يسمى اليوم بوادي فاطمة، وهو يبعد عن مكة ما يقرب من ثلاثين كيلو متر، (
فسعى القوم فلغبوا)، يعني: اشتد جري القوم، فلغبوا أي تعبوا، (
وأدركتها فأخذتها فأتيت بها أبا طلحة , فذبحها وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوركها أو فخذها، فقبله).
الشرح:
في هذا فضيلة أنس رضي الله تعالى عنه وقوته حيث أمسك بهذه الأرنب، مع أن القوم لغبوا، أي: تعبوا، لكنه رضي الله تعالى عنه لم يلحقه هذا التعب.
وفيه أيضاً: أن الصيد إذا أمسك وفيه حياة فإنه تجب تذكيته، فلو أنك ضربت الصيد بالرصاص ونحو ذلك ثم أمسكته وفيه حياة، فإنه يجب عليك أن تذكيه.
وفيه أيضاً: أن الأرنب مباحة.
وفيه أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل من الطيبات، ولهذا ذكر العلماء رحمهم الله أن ترك الأكل من الطيبات بعد وجودها من الورع المذموم، فالإنسان إذا تيسرت له الطيبات من المطاعم والمشارب والملابس فإنه يأكل من ذلك، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم،
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ
[الأعراف:32]، بل هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يرد موجوداً ولا يتكلف مفقوداً.
وفي هذا أيضاً قبول النبي صلى الله عليه وسلم للهدية والهبة، فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقبل الهدية ويثيب عليها، فكون الإنسان يقبل الهدية أمر حسن حتى ولو كانت قليلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يا نساء المسلمات! لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة)، ولو ظلف شاة، إذا أهدت لك هدية فاقبليها، فالسنة للإنسان أن يقبل الهدية ويثيب عليها، وعدم قبول الهدية هو خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
الهدية فيها فضل عظيم وأجر كبير، ويكفي أنها من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها سبب لتآلف القلوب.
ونقل أيضاً: [ عن
أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها قالت: (
نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً فأكلناه -وفي رواية- ونحن في المدينة) ].
الشرح:
هذا الحديث فيه دليل على أن الفرس مباحة، والقول بأن الفرس مباحة هو الصواب في هذه المسألة، وإن كانت المسألة موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى، والصواب في ذلك أن لحوم الخيل مباحة، خلافاً لما ذهب إليه أبو حنيفة ، ومالك أنها محرمة، والصواب أنها مباحة كما هو مذهب الإمام أحمد والشافعي ، ودليل ذلك هذا الحديث.
وقولها: (ونحن في المدينة). هذا فيه رد على من قال: بأن حل الخيل كان منسوخاً؛ لأن قولها: (ونحن في المدينة)، يدل على تأخر أكل هذا الفرس، وأنه لم ينه عن ذلك، مع أنه لا يصار إلى النسخ إلا بشرطين:
الشرط الأول: أن يعلم المتقدم من المتأخر.
والشرط الثالث: ألا يمكن الجمع.
وقولها: (نحرنا فرساً). فيه دليل على أن الفرس تنحر نحراً.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد..