قال
مسلم رحمه الله في صحيحه: [حدثني
أبو الطاهر و
حرملة بن يحيى ، قال: أخبرني
ابن وهب ، قال: أخبرني
يونس عن
ابن شهاب عن
أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن
معاوية بن الحكم السلمي ، قال: قلت: يا رسول الله! أموراً كنا نصنعها في الجاهلية: كنا نأتي الكهان].
الكهان: جمع كاهن، وهو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، [قال: (فلا تأتوا الكهان)، قال: قلت: كنا نتطير].
التطير كما تقدم لنا هو التشاؤم، وأما في الاصطلاح فهو التشاؤم بمرئي أو معلوم أو مسموع، [قال: (ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم)].
في هذا الحديث تحريم إتيان الكهان، وإتيان الكهان وسؤالهم ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: أن يأتيهم ويسألهم ويصدقهم في الغيب المطلق، فهذا كفر وردة، لأن الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله، كما قال سبحانه وتعالى:
قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ
[النمل:65].
القسم الثاني: أن يأتيهم ويسألهم ويصدقهم في الغيب النسبي، مع اعتقاد أن الشياطين لا تخبرهم، وأنهم يستقلون بذلك، فهذا أيضاً ردة وكفر.
والغيب النسبي مثل معرفة مكان الضالة، معرفة مكان السحر، مكان الضائع، المسروق، أن يأتيهم ويسألهم ويصدقهم في الغيب النسبي، مع اعتقاد أن الشياطين لا تخبرهم، فنقول: بأن هذا كفر مخرج من الملة.
القسم الثالث: أن يأتيهم ويسألهم ويصدقهم في الغيب النسبي، مع اعتقاد أن الشياطين تخبرهم، فنقول: بأن هذا فسق وليس كفراً، وهذا فيه عقوبتان: أنه كفر أصغر، يعني: ليس كفراً أكبر، كفراً أصغر، والعقوبة الثانية: لا تقبل له الصلاة أربعين يوماً.
القسم الرابع: أن يأتيهم مجرد إتيان، هذا أيضاً لا يجوز، الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فلا تأتهم)، لما في ذلك من تكثير سوادهم .
القسم الخامس: أن يأتيهم لكي ينكر عليهم، فنقول: هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنبي صلى الله عليه وسلم أتى ابن صياد وهو دجال وكاهن من الدجاجلة، فأنكر عليه عليه الصلاة والسلام.
وفي هذا أيضاً حرص معاوية بن الحكم على تعلم دينه.
وفيه ما عليه من الجاهلية من الضلال والفساد، وهكذا كلما ابتعد الإنسان عن نور النبوة وقع في الدجل والخرافة والضلال.
وفيه أيضاً النهي عن التطير، وقد سبق أن ذكرنا أن التطير هذا أيضاً من الخرافة؛ لأنه اعتماد على لا سبب، والكهانة أيضاً من الخرافة، لأنها الاعتماد على شيء لا سبب له، وسبق أن ذكرنا التطير ينقسم إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: أن يعتقد أن المتطير به يضر وينفع من دون الله عز وجل، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة.
القسم الثاني: أن يعتقد أنه مجرد سبب، وأن الضر والنفع بيد الله عز وجل، فهذا نقول بأنه شرك أصغر.
والقسم الثالث: أن يعتقد أنه مجرد سبب، ويترك العمل، فهذا شرك أصغر، يعني: سمع هذه الكلمة ورجع، رأى هذا المنظر ورجع.
القسم الثالث: أن يقدم وفي قلبه شيء، فهذا نقص في التوحيد.
القسم الرابع: أن يقدم وقلبه سليم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (شيء يجده أحدكم في نفسه)، بعض أهل العلم قال عند هذه الكلمة، يعني: القسم الثالث: أن يجد في نفسه حرج، قال بعض أهل العلم: إن هذا لا يضر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجده أحدكم في نفسه)، فأقر بذلك.
وبعض أهل العلماء قال: هذا يضر، وهذا نقص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقله على سبيل الإقرار، يعني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه)، هل قاله النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإقرار فلا يضر، أو نقول: قاله على سبيل الإنكار فيضر؟ وعلى كل حال التوحيد هو القسم الرابع، وهو أن يمضي وقلبه سليم، أما إذا صده ذلك ورجع، فنقول بأنه شرك أصغر.
قال رحمه الله: [وحدثني محمد بن رافع قال: حدثنا حجين يعني ابن المثنى قال: حدثني الليث عن عقيل وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا شبابة بن سوار ، قال: حدثنا ابن أبي ذئب ، قال: حدثني محمد بن رافع ، قال: أخبرنا إسحاق بن عيسى ، قال: أخبرني مالك كلهم عن الزهري بهذا الإسناد، مثل معنى حديث يونس ، غير أن مالكاً في حديثه ذكر الطير، وليس فيه ذكر الكهان.
وحدثنا محمد بن الصباح وأبو بكر بن أبي شيبة ، قالا: حدثنا إسماعيل وهو ابن علية ، عن حجاج الصواف ، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال: أخبرنا عيسى بن يونس ، قال: حدثنا الأوزاعي كلاهما عن يحيى بن أبي كثير ، عن هلال بن أبي ميمونة ، عن عطاء بن يسار ، عن معاوية بن الحكم السلمي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث الزهري ، عن أبي سلمة ، عن معاوية، وزاد في حديث يحيى بن أبي كثير ، قال: قلت: ( ومنا رجال يخطون، قال: كان نبي من الأنبياء يخط فما وافق خطه فذاك )].
الخط في الأرض خطان:
الخط الأول: محذور وممنوع، وهو الذي يقصد منه الضرب والرجم بالغيب، والاستدلال به عن المغيبات ونحو ذلك، فهذا ضرب من الكهانة، فهو خط مذموم، وهو ما كان في الجاهلية، وهو الخطوط التي يقصد منها الرجم بالغيب، ومعرفة الغيب، فهذا ضرب من الكهانة.
القسم الثاني: خط جائز، وهي الخطوط التي لا يقصد بها محذوراً شرعياً، وعلى هذا يحمل خط هذا النبي عليه السلام، كالخطوط التي يتوصل بها إلى معرفة الجهات ونحو ذلك، المهم يقصد منها ويترتب عليه مصلحة دينية أو دنيوية، فهذه لا بأس بها.
وفي هذا أن الخطوط تنقسم إلى هذين القسمين، وأن الخطوط المحذورة هي التي يترتب عليها محذور شرعي، كأن تكون ضرباً من الكهانة، وسبيلاً إلى ادعاء معرفة المغيبات ونحو ذلك، فنقول: إن هذا محذور شرعي لا يجوز، وهو داخل في الكهانة وما عليه الجاهلية.
وأما القسم الثاني التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم، فهو خط النبي، وهو أن الخط ليس كل خط محرماً، وإنما الخط الذي يترتب عليه مصلحة دينية أو دنيوية، كمعرفة الجهات، أو الخط في الأرض مثلاً للصلاة ونحو ذلك، أو تعلق كتاباً وغير ذلك، نقول بأن هذا جائز ولا بأس به.
حديث الكهان الذي قد يكون حقاً
سبب الرمي بالشهب